غزة بعد عملية طوفان الاقصى (7 / تشرين الاول)

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-10-26 19:10:53

قتيبة جابر باقر

منذ سيطرة حركة حماس الفلسطينية على السلطة في غزة عام 2007، تجنب "الكيان الصهيوني" القيام بعمليات برية واسعة النطاق ومتواصلة هناك، على الرغم من دعوات سياسي الكيان الصهيوني لاتخاذ إجراءات خلال الأزمات الماضية. ففي عام 2018 استقال وزير دفاع الكيان الصهيوني احتجاجا على التفاوض على هدنة مع حماس. إلا أن قادة الكيان الصهيوني العسكريين أشاروا بتقدير واقعي ورؤية استراتيجية إلى أن محاولة اقتلاع حماس من قطاع غزة سوف تكون صعبة، لاسيما ان حماس تتمتع بسيطرة شبه تامة على قطاع غزة.

في صباح يوم السبت 7 / تشرين الأول، شنت حماس هجوماً مفاجئاً على "الكيان الصهيوني"على نطاق غير مسبوق حيث أطلقت آلاف الصواريخ، وتسلل المسلحون إلى مستوطنات الكيان الصهيوني المتاخمه لغزة، واحتجزت عدداً كبير من الرهائن. وقد قُتل وجرح نحو اكثر من 1000 إسرائيلي بحسب وكالات الانباء، وأعلن رئيس الوزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن بلاده "في حالة حرب". وردت قواته على هذا الهجوم بقصف غزة بالطائرات التي استهدفت جميع مناطق غزة دون استثناء مما ادى الى استشهد وجرح الفلسطينيين في غزة واحصائيات الشهداء والجرحى المدنيين في تزايد.

بالنسبة للكيان الصهيوني والعالم يمكن القول أن هذا الحدث كان له تأثير مماثل لتأثير صدمة هجمات 11 سبتمبر عام 2001 ، وكان هذا بمثابة فشل كبير للاجهزة الاستخبارية للكيان الصهيوني الذي اعتاد على أن يكون قادر على معرفة ما يفعله الفلسطينيون بالضبط وبالتفصيل من خلال وسائل التجسس المتطورة لديه. وبنى جدارًا مكلفًا للغاية على حدود غزة. لقد كانوا واثقين من أن حماس قد تم ردعها عن شن هجوم كبير، لأنها سوف تسحق غزة، ولأن الفلسطينيين سوف ينقلبون ضدها لأنها ستتسبب في حرب أخرى. وكانوا يعتقدون أن حماس أصبحت في وضع مختلف الآن فهي تركز على وقف إطلاق النار طويل الأمد، حيث يستفيد كل جانب من الهدنه بينهما.

"كيف يمكن لمجموعة من المقاومين أن تتمكن من تحقيق هذا؟ كيف يمكن أن يتمكنوا من التغلب على مجتمع استخبارات الكيان الصهيوني وقوات دفاعه؟ .. احد الاسباب كان الغطرسته واعتقاده بأن القوة المطلقة يمكن أن تردع حماس، وأنها لم تكن مضطرة إلى معالجة المشاكل طويلة الأمد.

ويمكن القول ان عملية طوفان الاقصى غير بعيدة عما يثار من اخبار المفاوضات بين دول عربية متعددة وبين الكيان الصهيوني، الامر الذي ينذر بتطورات جيوسياسية جديدة تضغط على الفاعلين الاقليميين سواء كانوا دولاً او فاعلين خارج الدولة، والامر يؤثر على حركة حماس بكل الاحوال، الامر الذي يبين اهمية عملية طوفان الاقصى التي اوقفت التغيرات المحتملة انفة الذكر.

هناك قواعد اشتباك واضحة لدى "الكيان الصهيوني" فهو يحشد جيشه، ويهاجم من الجو، ويحاول القضاء على قيادة حماس، وإذا لم ينجح في إقناع حماس بوقف إطلاق الصواريخ والدخول في مفاوضات لإطلاق سراح الرهائن، فيمكن توقع حدوث غزو واسع النطاق لغزة، وهذا يمثل تحديان، الأول هو أن "الكيان الصهيوني" سوف يقاتل في مناطق مكتظة بالسكان، وأن الاحتجاجات الدولية ضد الخسائر في صفوف المدنيين التي سيلحقها هذا الغزو  بالاسلحة الأميركية المتطورة من شأنها أن توجه الإدانة إلى الولايات المتحدة و"الكيان الصهيوني"، وتفرض الضغوط على "الكيان الصهيوني" لحمله على التوقف. والتحدي الثاني أنه إذا نجح "الكيان الصهيوني" في حرب واسعة النطاق، فإنه سيحتل غزة، وعليها الإجابة على الأسئلة الاتية: كيف سيخرج؟ متى سينسحب؟ لصالح من ينسحب؟ ولنتذكر أنهم انسحبوا بالفعل من غزة عام 2005، وهم لا يريدون العودة إليها.

واقعا لا يوجد في ابجديات "الكيان الصهيوني" قيام دولة فلسطينية وهو حذر عندما يتعلق الأمر بالحرب وحريص جدًا على عدم شن حروب واسعة النطاق وفتح جبهات قتال من محاور اخرى. لذلك الأفضلية لديه الآن هو استخدام القوة الجوية لمحاولة إنزال العقاب بحماس كما يعتقد ليوافق بعد ذلك على وقف إطلاق النار ثم التفاوض من أجل عودة الرهائن وغيرها من القضايا التي نجمت عن الحرب. وبعبارة أخرى، العودة إلى الوضع السابق هذا ما سيحاول "الكيان الصهيوني" الحصول عليه، من خلال محاولة دفع الولايات المتحدة ومصر وقطر للتأثير على حماس حتى تتوقف الحرب.

في المقابل تحاول حماس دفع "الكيان الصهيوني" الى مد المعركة على نطاق واسع وتصعيد الصراع الى انتفاضة في الضفة الغربية، وهجمات حزب الله، وثورة في القدس، بمعنى آخر، حماس لن تنسجم مع أي رد صهيوني يهدف إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه من قبل، وفيما يتعلق بالتصعيد، فإن حزب الله، يتوقع ان ينضم إلى المعركة ويشكل جبهة اساسية فلديهم صواريخ يمكنهم إطلاقها على المدن الرئيسية في الكيان الصهيوني وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً وهذا الموقف متوقع.

على الجانب الآخر، فإن المملكة العربية السعودية، مصر، الأردن، والدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم مع "الكيان الصهيوني" – الإمارات العربية المتحدة والبحرين – جميعها لها مصلحة في تهدئة الأمور والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأنه كلما طال أمد ذلك في المستقبل، سيكون من الصعب عليهم احتواء الموقف وتاثيره على امن واستقرار المنطقة فضلا عن تاثيره على علاقاتهم مع الكيان الصهيوني.