مُتطلبات تعزيز المواطنة الرقمية لدى الشباب العراقي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-07-13 19:11:57

الدكتور حسين إبراهيم العنبكي / قسم الدراسات الاجتماعية

أحدثت التطورات المُتواصلة في العالم الرقمي ثورة معلوماتية كبيرة في المُجتمعات بمختلف المجالات، وأضحت التقانة الرقمية ضرورة حتمية لكل المُجتمعات، وباتت مُجبرة على مُجاراتها والاستفادة منها في تطوير احوالها، وقد واجه المُجتمع العراقي انفتاح ثقافي ومعلوماتي ورقمي على نحوٍ سريع دون أي مقدماتٍ لاسيما بعد عام(2003)، وهذه الطفرة المعلوماتية قد أثارت العديد من القضايا الخلافية التي أثرت على القيم التقليدية للمواطنة لدى الأفراد، وأسهمت في زعزعة السلم المُجتمعي نتيجة التزايد الهائل بأعدادِ مُستخدمي مواقع الانترنت وبالمقابل هنالك ضعف معرفي باستخدامها على النحو الأمثل، كانتشار مظاهر كراهية الآخر المُختلف(دينياً، مذهبياً، عشائرياً، قومياً، مناطقياً، آيدولوجياً)، وانتشار الأفكار المُتطرفة التي تدعو الى تجنيدِ الإرهابيين، ومُحاولة نشر الأفكار التكفيرية، فضلاً عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي المُختلفة في تشويهِ سمعة الآخرين وذلك بالاعتماد على حسابات إلكترونية وهمية تساعدهم على بث سموم أفكارهم دون الأخذ بالاعتبار مدى الأضرار التي يمكن أن تنشأ على آمن وسلامة وطنهم.        وقد أثر الواقع الرقمي على مُختلف الفئات المُجتمعية لاسيما الشريحة الاكثر تفاعلاً مع العالم الرقمي وهم الشباب باعتبارهم أهم عناصر الإنتاج العلمي والمعرفي والتنموي، لذلك فأن هذه الفئة غالباً ما تُستهدف وتُستغل من قبل القوى والجماعات التي لا تريد الخير للبلاد، الأمر الذي يتطلب الاهتمام بهذه الفئة وتجنيبهم الوقوع في مصائد الكراهية والعنف والتطرف، ومحاولة تنمية الروح الوطنية الساعية لبناء وطنهم وتقدمه، وبالوقت نفسه فأن فئة الشباب غالباً لا يتذكرون الأنماط التقليدية للحياة التي سبقت ظهور العالم الرقمي، إذ أن الاتصال السريع والوصول للمعلومات والثقافات المُجتمعية المُختلفة عن ثقافتهم قد تنجز بشكل أسهل وأيسر، الأمر الذي يسهم بطرحِ عدداً من التحديات التي يمكن أن تواجه أفراد المجتمع ولاسيما فئة الشباب في استخداماتهم لمواقع التواصل الاجتماعي ومُشاركتهم للمعلومات على نحوٍ سليم ومسؤول.

 وتخطي هذه التحديات لبناءِ مُجتمعٍ يسعى لإعدادِ أجيالٍ شبابية واعية بمواطنتها عبر العالم الرقمي، وانطلاقا من ذلك فقد استدعت الحاجة لتعزيز قيم المواطنة ليس بشكلها التقليدي فحسب، وإنما باستعمال منصات التواصل الاجتماعي المُستحدثة، فالمواطنة في مفهومها التقليدي تمثلُ العلاقة بين أفراد المُجتمع والدولة بحسب القوانين والتشريعات المُحددة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات تلقى على عاتق أفراد المُجتمع، وحقوقهم في المُجتمع الاكبر(الوطن)، فالمواطنة تمثل التزامات أخلاقية واجتماعية لأفراد المجتمع نحو مجتمعهم وبلدهم وذلك بحكم انتماءهم للدولة التي نشأوا فيها وترعرعوا أو هاجروا واستقروا بها، فتنشأ فيها علاقات تعاقدية وفق القانون بين الفرد والدولة تتمثل في تقديم الولاء وإتمام الواجبات للدولة من الطرف الثاني(الأفراد)، ويقدم الطرف الاول المُتمثل بـ(الدولة) كل ما يُستطاع لتوفير بيئة مُجتمعية آمنة، ويتوجب على المواطن في العالم الرقمي أن يتحلى بنفس الروح والمسؤولية الوطنية التي يتحلى بها في العالم الواقعي، فالفرد(المواطن) يمثل مرآة لوطنه فيعمد الى عكسِ عاداته وتقاليده وقيمه المُجتمعية والوطنية من خلال العالم الرقمي، وإظهار مدى روح الانتماء والولاء الوطني لديه، الأمر الذي يؤشر لبيئةٍ مُجتمعيةٍ آمنة لأفرادها، وتكمن أهمية المواطنة الرقمية ليس في أنها تعمدُ على وضع قائمة بالسلوكيات المرغوبة وغير المرغوبة في استخدامات الأفراد للمواقع الرقمية  وحسب، بل أنها تسهمُ لحدٍ كبير في إعدادِ مواطن له القدرة على تفهمِ القضايا الاجتماعية والثقافية والإنسانية المُرتبطة بالعالم الرقمي، والاستعمال الأمثل والقانوني والأخلاقي لمواقع الأنترنت على نحوٍ عام، فالمواطنة الرقمية تشير الى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على نحوٍ مُلائم ومسؤول من خلال اتباع القواعد والأعراف والقيم السليمة التي تحافظ على وحدة المُجتمع وتعكس ولاء وانتماء(المُستخدم) لوطنه، فضلاً عن جعلِ السلوكيات الرقمية للأفراد ذات مقبولية مُجتمعية وعدم المساس بكرامةِ الآخرين، واحترام مُعتقداتهم وأعرافهم وتقاليدهم، فهي تسعى لتطوير السلوك الإيجابي والمُشاركة الإيجابية في بناءِ المُجتمع، لذلك فان المواطنة الرقمية تمثلُ عملية توجيهية وحمائية، إذ انها تمثل الجانب التوجيهي نحو الاستخدام الأمثل والأفضل لمواقع الأنترنت، وتمثل الجانب الحمائي من خلالِ حماية المُستخدمين من مخاطرِ سوء استخدامها وتوظيفها.

ولأجلِ بناء مواطنة رقمية سليمة لفئةِ الشباب فان ذلك يستلزمُ عملية الوصول الرقمي التي تعني تكافؤ فرص وصول جميع أفراد المجتمع لاسيما فئة الشباب الى التكنولوجيا الرقمية، كذلك يستلزمُ عملية الاتصال الرقمي التي تمثلُ التبادل الرقمي للمعلومات عبر التواصل مع الآخرين مهما بعدت المسافات المكانية وتباينت الأوقات، فضلاً عن ذلك فأنها تستلزمُ عملية محو الأمية الرقمية لفئةِ الشباب وتعليمهم التكنولوجيا المُستحدثة وآخر تطوراتها، وكذلك تستلزمُ عملية تعليم اللياقة الرقمية او ما يُطلق عليها بـ(الاتيكيت الرقمي) وهي تشمل سلوكيات ومعايير إلكترونية يضعها المُستخدم لنفسه لأجلِ تنفيذها وإتباعها أثناء التعامل مع الآخرين، ومن جانبٍ آخر فإن عملية إعداد مواطن رقمي صالح تتطلب ما يأتي:-

أولاً/ مُتطلبات أخلاقية وقيمية: وتشمل النزاهة والأمانة في التعامل مع المعلومات الرقمية وعدم نقل الاخبار على نحوٍ غير صحيح او مُبالغ فيه، لأن ذلك سيكون له تداعيات وأضرار على السلّم المُجتمعي، كذلك تشمل العدالة والإنصاف في التعاملات مع الآخرين عبر العالم الرقمي، وأن يتحلى المُستخدم بالإنصاف من خلال الحكم على الآخرين وفي التعبير عن الرأي، كذلك تشملُ المسائلة عند استخدام العالم الرقمي وتعريف المواطن الرقمي بمسؤولياته عند تجاوز القانون والتشهير بالآخرين والإضرار بهم.

ثانياً/ مُتطلبات مهارية: وتشمل إكساب أفراد المُجتمع على نحوٍ عام وفئة الشباب على نحوٍ خاص المهارات والمعارف الرقمية اللازمة لتمكينهم من الإبداع والابتكار وتطوير كفاءة وفاعلية الخدمات العامة التي أضحت تقدم على نحوٍ الكتروني في أغلب المواضع.

ثالثاً/ مُتطلبات أمنية: إن تطوير شخصية المواطن الرقمي تسعى الى تزويده بالمعلومات والإجراءات الأمنية اللازمة لحمايةِ البيانات والمعلومات الشخصية والمؤسساتية وتفادي الاختراقات والهجمات الالكترونية ومُعالجتها على نحوٍ مُبتكر دون الاضرار بالأفراد والمؤسسات.

وخلاصة القول فان المواطنة الرقمية تشمل العمليات التوعوية لمُستخدمي العالم الرقمي بمهارةٍ وجدارةٍ عالية المُستوى والاستفادة المُثلى منها دون الوقوع في براثنِ الجرائم الالكترونية، وبناء الشخصية الإنسانية المسؤولة أمام هذه التقانة، ومحاولة الحفاظ على أفكار ومعتقدات وانتماء الافراد تجاه وطنهم، ولكل ذلك يستلزم أن توضع عدداً من الخطط والاستراتيجيات الوطنية للارتقاء بواقع المواطنة الرقمية لدى أفراد المُجتمع، فضلاً عن ضرورة مُراعاة وزارة التربية والتعليم العالي لمفهوم المواطنة الرقمية وتضمينه لمقرراتهم الدراسية، كذلك التشجيع على عقدِ العديد من المؤتمرات العلمية والتوعية للشباب بماهية المواطنة الرقمية وأبعادها، وإنشاء عدد من المراكز الاعلامية التي تُعنى بنشرِ الاعلانات التوعوية(المرئية والمسموعة) التي تسهمُ بنشرِ الوعي المُجتمعي بأهمية المواطنة الرقمية وإنعكاساتها على السلّم المُجتمعي.