الـتـطــرف كـمـظـهــر مـن مـظـاهـــر الـهـشـاشــــــــــة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-07-10 14:30:34

الباحث
محمد عباس اللامي

يـمـر الـتـطـرف عـبـر مـراحـل إذ يـبـدأ بالـتعـارض فـي الـرأي فـاتـسـاع هـامـش الاخـتـلاف حــد الـنـقـمـة والـكـره ثـم يـكـون الـمـرور الـى الـعـنـف الـمـادي بـتـجـلـيـاتــه المخـتـلفة . فــإذا مـا وصـل الـى مـرتـبـة الـعـقـيـدة ، بـمـعـنـى أن يـصـيـر سـلـوك الـعـنـف جـــزءاً مـن شـخـصـيـة الـفــرد وأحـــــد مـكـونـات بـنـيـتـه الـنـفـسـيـة ، فــــإن ذلـك يـكــون نـتـيـجـة لـعـــدة مـسـارات فـرديـــة وجـمـاعـيـة واجـتـمـاعـيـة مـتـضـافـــرة كـمـا يـمـكـن الـقـول إن الـعـنـف و التطرف ليس نتاج شخصية محددة بل يتم اعتناقه والانجذاب اليه من طرف العديد من الأفراد ، لأسباب وخصائص عديدة ، ليتحول إلى انحراف سلوكي تدميري تجاه الآخر بفعل عامل التلقين و" الأدلجة " عبر إعادة تشكيل نفسي يتم بعزل الفرد عن ذاته وعن مجتمعه ، ثم تتم عملية إعادة بنائه من جديد بفكر وسلوك آخرين ، وعادة ما تؤطر تلك العملية الثنائيات الفكرية المعروفة : " الحق والباطل " ، " الحرام والحلال" ، " المعروف والمنكر " ، " المؤمن والكافر" .
لقد رأى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أن العنف هو فشل أياً كان شكله ، وإن كان ضرورة تمليها طبيعة المجتمعات الراهنة وإن صح اللجوء إلى ممارسته فهو رد على عنف مولد له ، وقد بحث سارتر في العنف المرتد على الذات والعنف الموجه الى الآخر الذي يكشف مستوى الضعف الذاتي الذي أجبر صاحبه على أن يكون عنيفاً   بينما يقول الفيلسوف الالماني هابرماس يبدأ العنف تواصلاً مشوهاً ، ثم يقوده انعدام الثقة المتبادل والخارج عن السيطرة إلى انقطاع التواصل ،  لكن يبدو أن العولمة غذت حركة التطرف و العنف التواصلي المتسارعة فبتكثيفها للتواصل المرضي تقوم بتوزيع  غير عادل للادوار، مقسمة العالم بين رابحين ومستفيدين وخاسرين بحيث يصبح التفاهم التبادلي أصعب فأصعب في مواجهة هذه التحديات التي تطرح   حيث يعيش الانسان في الغرب في مجتمعات سالمة ومرفهة ومع ذلك فإنها تحتوي على عنف بنيوي اعتدنا عليه إلى حدً ما ، وهو تطرف وعنف يقوم على عدم المساواة الاجتماعية التي لا ترحم ، وعلى التمييز المهين وعلى الإفقار والتهميش والقتل وكان اخرها الاحتجاجات في العاصمة الفرنسية باريس تنديدا بالعنصرية ، كما هي الإدارة الأمريكية ، وحكومات الدول الغربية الأخرى كالسويد تغض النظر عن الفنانين والمؤسسات الثقافية التي إساءات بالغة وجهت للإسلام ولاسيما في شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أو اشتغال عدد من مراكز البحوث على إثارة الأحقاد ضد الإسلام بوصفه (إرهابي أو يرعى الإرهاب) . إن موضوعة (حرية الرأي) و (حرية وسائل الإعلام وصناعة المحتوى الفني ) (مع كل ما تنطوي عليه من أخطاء جسيمه إذا إستغلت ضد إطراف مناوئة) ترفض على نحو قاطع من قبل الجماعات الإرهابية فهي ترفض أن يكون للآخر حق في إبداء الرأي .
إن موقف الغرب من الإسلام هو أيضا برر لهذه الحركات ولعل ذلك هو الذي جعل الفيلسوف الفرنسي بودريار يؤكد على ان هناك (حقن عالمي للتطرف والارهاب) ، كون التطرف ناتج عن الانفعال وهو اجراء يائس من شخص او جماعة ضد طرف اخر, فاذا اقترن التطرف بالعنف والاعمال الفعلية الاجرامية التي تفزع الناس وتهدد الامن والاشخاص المدنيين وتقلق امن المجتمع اصبحت من الاعمال الارهابية لان التطرف اصبح يثير الفزع والخوف والرعب وهو اقصى درجات اليأس والقسوة المدمرة ، لذلك فان التطرف هو المغالاة السياسية او الدينية او المذهبية او الفكرية وهو اسلوب خطير ومدمر للفرد وللجماعة ولكيان المجتمع والدولة ، ان الدراسات التي تعنى بهذه الظاهرة قد اشارت الى اسباب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية واخرى نفسية وحتى بيولوجية لنشوء السلوك المتطرف الذي يستخدم العنف للتعبير عن افكاره واثبات وجوده وفي الوقت نفسه حلا لمشاكله مع الاطراف المنافسة او المتصادمة مع نهجه ، ويقول الفيلسوف الفرنسي (لان) (ان يتجه شخص او اكثر الى حصر المجتمع في نفسهما او جماعتهما والى اختصار المجتمع في الذين يتفقون معهما فهذا خيال مستحيل وهو التطرف بعينه.
وهكذا تتباين التعبيرات حول التطرف فهو عند البعض مجرد التعصب لرأي معين من دون غيره من الآراء الأخرى اذْ يكون هذا الرأي بعيدا عن الاعتدال مع الإصرار عليه، أو هو شريحة من المجتمع تبتعد عن المجرى الرئيس لحياة المجتمع أما لخطأ في الفكر أو لخطأ في السلوك الذي هو تطبيق للفكر واثر له فالمتطرف يقتنع بأفكار معينه ويصر عليها ويسعى لحمل الناس على إتباعها ولا يقبل الرأي الآخر، بينما يرى آخرون انه التشدد في اتخاذ موقف معين وهو مرتبط أشد الأرتباط بتصورات صاحب الموقف المتطرف لما هو حق وخير أو باطل وشر ، وهذا ما يدعو الى اتخاذ اجراءات أكثر صرامه في مراقبة البرامج واعادة التقييم الخاص للاستراتيجيات المعنيه بالادماج المجتمعي و مواجهة التطرف واستئصال الافكار التي تدعو للعنف والارهاب ، و دعم مراكز البحوث والدراسات لايجاد الحلول الكفيله لمواجهة التطرف العنيف المؤدي للارهاب ، ودعم التعليم لنشر روح التسامح والحوار ورفض كل ما يدعو للكراهية ، وفتح نوافذ دبلوماسية متعددة تهدف لتبادل المعلومات والدراسات وحث المنظمات المحلية والدولية من خلال برامجها في تحجيم وتفكيك الأفكار المتطرفة  .