مجموعة بريكس وخيارات الدول الانضمام اليها

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-07-03 19:32:16

الباحث السياسي الدكتور طه محمد سعيد البياتي

مجموعة "بريكس" ( BRICS) تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر/ أيلول 2006، يضم هذا التكتل خمس دول تعد صاحبة اسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وكلمة "بريكس" بالإنكليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.

أصبحت المجموعة أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي أبدى عدد من الدول الانضمام إلى هذه الكتلة الاقتصادية.

ويعد تشكيل التكتلات الدولية خطوة مهمة في تغيير النظام العالمي، الى نظام متعددة الأقطاب في التوازنات الدولية، وكسر هيمنة الولايات المتحدة الامريكية للنظام العالمي ذات القطب الأحادي، وبسبب هذه الديناميكية للمجتمع الدولي تسعى الدول جاهدة الى زيادة قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد أصبحت ظاهرة التكتلات الدولية من أهم مظاهر العلاقات الدولية في الوقت المعاصر.

لذلك يعد تكتل دول بريكس، من اهم التكتلات حداثة التي لها القدرة في التأثير على شكل النظام العالمي، نظرا لما تتمتع بها الدول الأعضاء في بريكس من قوة كبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلا عن انتشار هذه الدول على اربع من القارات العالم، وتحاول أن تكون أحدى مرتكزات النظام الدولي المستقبلي اما منفردة أو مجتمعة، تمثل مجموعة بريكس الية اقتصادية ذات ابعاد جيوبولتيكية لتوحيد مجموعة من رؤى القوى الدولية حول طبيعة النظام الدولي القائم، فهي تشكلت نتيجة حاجة الفواعل الدولية المشكلة لها لصيرورة النظام الدولي الجديد.

وهذه التكتلات والمؤسسات الجديدة تسعى لزيادة القوة والنفوذ، إذ ينطوي المفهوم التقليدي للتوازن على إعادة توزيع كل من القيم المطلقة والنسبية في أمور الدولة، في حين المفهوم الحديث للتوازن عبر التكتلات والشراكات والمؤسسات هو لتأمين صعود القوى الإقليمية مقارنة بمنافسيها وفق المنظور الواقعي لإنشاء التوازن أي تأكيد الاختلاف الرئيس المكرس في النظام الدولي.

ولم تعد ساحة الصراع بين الأطراف الدولية مقتصرة على الأسلحة التقليدية بل اصبح الصراع حول القوة الاقتصادية بشقيها الناعم والصلب أدوات للتنافس بين القوى الدولية، واتجاه اطراف النفوذ في عالم العلاقات الدولية إلى تشكيل تحالفات وشراكات ومنظومات لها القدرة المتكافئة للمتنافسين الدوليين الكبار للحفاظ على أمنها القومي.

النشأة والتأسيس

على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر/ أيلول 2006 في نيويورك، اجتمع لأول مرة وزراء خارجية كل من البرازيل وروسيا والهند والصين، لإعلان بداية تعاون مشترك بين مجموعة دول كانت تسمى "بريك" (BRIC) وهي الدول الأربع، وفي يونيو/ حزيران 2009، عقد رؤساء هذه الدول، وهم البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، والروسي ديمتري ميدفيديف، والهندي مانموهان سينغ، والصيني هو جينتاو، اجتماعهم الأول بمدينة يكاترينبورغ في روسيا، ورفعوا درجة تعاون دول "بريك" الى مستوى القمة.

وفي ابريل/ نيسان 2011، عقدت القمة الثالثة في الصين، ومع انضمام جنوب افربقيا رسميا الى هذا التكتل الرباعي، غيرت المجموعة اسمها الى كلمة "بريكس" (BRICS)عوضا عن "بريك" (BRIC).

واستعمل "جيم اونيل" رئيس بنك الاستثمار الأمريكي "غولدمان ساكس" تسمية بريكس لأول مرة، إذ كتب في تقرير البنك يحتاج العالم في بنائه الى مزيد من بريك لتحقيق النمو الاقتصادي، لذلك فان من اهم الأهداف الاقتصادية للمجموعة بناء مؤسسة مالية موازية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لإنهاء احتكار أمريكا للمقدرات المالية للعالم.

 

المراحل التطويرية لمجموعة بريكس

  • في عام 2015، انشأت مجموعة بريكس "بنك التنمية الجديد" (NDB)، وصندوق احتياطي "اتفاقية احتياطي الطوارئ" (CRA) وهو مؤسسة مالية تابعة لمجموعة بريكس مقره في شنغهاي بالصين، وصل رأس مال البنك 50 مليار دولار مع احتمال بلوغه 100 مليار دولار، اما بالنسبة لصندوق الاحتياطي فخصص له مبلغ 100 مليار دولار تحسبا لأي ازمة في ميزان الاداءات..
  • وفي عام 2015، ناقش قادة دول بريكس مشاورات لنظام دفع متعدد الأطراف، يكون بديلا لنظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية "سويفت" (SWIFT)، من شأنه أن يوفر قدرا أكبر من الضمان والاستقلالية لدول مجموعة بريكس.
  • في عام 2017، عقدت بريكس القمة السنوية في شيامن بالصين، وانضمت اليها في هذه القمة كل من تايلند والمكسيك ومصر وغينيا وطاجيكستان دولا مراقبة، لمناقشة خطة " بريكس بلس" التي تهدف الى التوسع المحتمل للمجموعة..
  • وفي عام 2018، عقدت قادة بريكس القمة العاشرة في جوهانسبرغ بجنوب افريقيا، تمحورت حول إقامة تعاون اقتصادي متزايد في بيئة اقتصادية دولية متغيرة، وحضرت تركيا القمة بصفتها رئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي.
  • في عام 2019، عقد مؤتمر القمة الحادي عشر في العاصمة البرازيلية برازيليا، وناقشت القمة تطورات مجالات العلوم والابتكار لدول بريكس، وأيضا تطوير التكنولوجيا والعملة الرقمية.
  • مارس/ اذار 2023، اكدت وزيرة خارجية جنوب افريقيا ناليدي باندور زيادة اهتمام عديد من دول العالم بالانضمام الى مجموعة بريكس مشيرة الى أن 19 دولة أبدت رغبتها في الانضمام الى المجموعة، من بينها السعودية والامارات ومصر والجزائر والبحرين وايران والأرجنتين والمكسيك ونيجيريا وغيرها.
  • في عام 2021، انضمت الامارات العربية المتحدة وبنغلاديش واورغواي رسميا الى بنك التنمية الجديد، وكذلك انضم مصر عام 2023.

 

المقومات الأساسية لمجموعة بريكس

  • تشكل دول مجموعة بريكس مجتمعة 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي الى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7% ، وأن أعضاءها تمتلك اكبر احتياطي نقدي في العالم تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم باستثناء جنوب افريقيا وتتمتع بمناخ استثماري كونها حاضنة للاستثمارات الاجنبية.
  • تشهد دول البريكس حقبة من الازدهار، اذ اثبتت جميع الدول الأعضاء بانها محصنة ضد الازمة الاقتصادية، ويكمن جوهر اقتصاداتها في الحفاظ على نمو مستدام وديناميكي، فضلا عن أن كل دولة على حدة هي قوة عسكرية إقليمية بارزة، ولها القدرة على التدخل في حالة حدوث أي انتهاك لمجال الاهتمام المحدد، كما أن روسيا والصين والهند تمتلك الأسلحة النووية.
  • دول بريكس قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة مجموعة السبع التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية، اذ يتوقع في سنة 2030 ان تنافس المجموعة اقتصاديات اغنى الدول في العالم، اذ يقدر حجم اقتصاد مجموعة بريكس بنحو (62.823) تريليون دولار في حين سوف يبلغ حجم الاقتصاد الأمريكي نحو (32.574) تريليون دولار..
  • تعد مجموعة بريكس انموذجا في التنوع الفكري، وتمتاز بالتنوع الفكري المنبثق من أفكار أنظمة ومجتمعات هذه الدول فرادى، وكذلك افكارها مجتمعة من خلال العمل المشترك ضمن هذه المجموعة الدولية، فالدول المكونة لهذه المجموعة متنوعة حضاريا (الحضارات الاسيوية واللاتينية والافريقية والأوروبية) وهذه الحضارات تحمل انساقا فكرية محركة وفاعلة في النظام الدولي عموما.
  • تعد الدول الصين وروسيا وجنوب افريقيا ضمن العشرة الأوائل المنتجة للذهب، حيث وصل انتاج الدول الثلاث الى 760 طنا من مجموع 3100 طن بين اجمالي انتاج الذهب العالمي، واصلت الصين تربعها على قائمة أكثر الدول المنتجة للذهب وارتفع الى 330 طنا وروسيا في المركز الثاني بانتاج 320 طنا، وهذا يعزز من أهمية وقيمة العملة النقدية الموحدة المزمعة إصدارها لمجموعة بريكس.

 

الأهداف

  • تحقيق تكامل جيوسياسي – جيواقتصادي - جيوأمني، بين الدول الأعضاء من اجل خلق توازن عالمي، وفق نظرية التحوط الاستراتيجي التعاون مع الخصم المهدد لأمنهم القومي وتطلعاتهم التي يرونها مشروعة للمشاركة في القيادة العالمية، وفي الوقت نفسه التعاون للحد من قدرات الخصم وأضعاف نفوذه عالميا.
  • يعد الاقتصاد هو مفتاح السيطرة على مجرى الأحداث العالمية، والقوة الاقتصادية هي المرتكز للانطلاق نحو المرتكزات الأخرى العسكرية والسياسية والتكنولوجية، لذلك تسعى مجموعة بريكس الى إطلاق عملة موحدة بينها، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة، وهي بذلك تنهي هيمنة الدولار الأمريكي.
  • تعمل بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الخمس، وهو من شأنه أن يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي متعدد القطبية.
  • السعي الى تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
  • السعي الى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس.
  • الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من اجل تمثيل افضل لها داخل المؤسسات المالية.
  • العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظام التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار.
  • السعي الى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف، في مجال ترشيد استخدام الطاقة من اجل مكافحة التغيرات المناخية.
  • تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.
  • التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.

 

أسباب خيارات الدول الانضمام الى بريكس

  • ان الانضمام لعضوية بريكس هو ابتعاد عن التجاذبات الدولية، لا سيما هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وخيارات الدول بالانضمام ما بين بريكس والناتو، اذ تجد نفسها كل من (السعودية وايران والمغرب والجزائر ومصر والأرجنتين) في نظام عالمي آخذ في التحول بسرعة من نظام احادي تقوده الولايات المتحدة الامريكية الى نظام متعدد القوى تقوده الصين وروسيا.
  • ان الدول الساعية للانضمام تجد أن لديها القدرة الاقتصادية والسياسية لتحول نفسها الى اكثر من مجرد دول مصدرة للنفط والغاز، خصوصا توفر افاق جديدة ومزايا كبيرة من خلال الانضمام الى مجموعة بريكس.
  • مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي عبارة عن برنامج عالمي تقوده الصين مستوحى من طريق الحرير القديم، ويهدف الى تعزيز التواصل والتجارة وتدفقات رؤوس الأموال بين اسيا وافريقيا وأوروبا، الذي وصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بانها مشروع القرن.
  • هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على النظام العالمي لقد استطاعت أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 ان تسيطر على مجمل الاقتصاد العالمي وتتحكم فيه، من خلال فرض هيمنتها على المؤسسات الأساسية القائدة للاقتصاد العالمي والمتمثلة بصندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية الى جانب معظم الشركات متعددة الجنسية وأنظمة الاتصال والإعلام والمعلومات الحديثة بأشكالها المختلفة، التي مثلت وجها صريحا للهيمنة الاقتصادية على العالم.
  • تسعى الدول للانضمام الى العديد من التكتلات الاقتصادية الدولية والإقليمية خدمة لمصالحها الاقتصادية، التي تسهم في ان تمتلك الدولة المبادرة في خيارات متعددة، والتخلص من الهيمنة الاقتصادية الأحادية التي تتحكم بها الغرب وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية.

 

الخلاصة

  • من الأهمية انضمام العراق الى التكتلات الدولية والإقليمية، منها مجموعة بريكس التي تحقق له المبادرة في العمل بخيارات متعددة، من اجل مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، والتقليل من الأضرار الناشئة التي قد تتعرض لها المؤسسات المالية العالمية.
  • استثمار قدرات وامكانيات دول البريكس في المجالات كافة العسكرية والتكنولوجية، ولا سيما ان العراق يربطه علاقات اقتصادية ثنائية مع الدول الأعضاء وبالخصوص الصين والهند وروسيا وحتى البرازيل.
  • ضمان مشاركة العراق في مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني، ولا سيما إطلاق العراق مشروع طريق التنمية، الذي يتكامل المشروعان بهدف مشترك وهو ربط أوروبا باسيا، فضلا عن تعزيز تعاون ومشاركة دول الجوار والخليج في مشروع طريق التنمية.