تأنيث الفقر في العراق.. مشكلة تحتاج الى حلول

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-06-26 14:12:56

إن الفقر كظاهرة رافقت المجتمعات البشرية، منذ أن وجد التفاوت في قدرات البشر وظروفهم وفى تطلعاتهم وأرزاقهم، ولعل اهم ما في الفقر من تأثير هو أنه يؤدى إلى تأكل رأس المال البشري، في ظل اهتمام العالم بزيادة الثروة المادية والطبيعية  أولا أما الثروة البشرية فقد جاء الاهتمام بها مؤخرا. و الفقر كونه عقبة  سلبية  أساسية امام التنمية المستدامة  وامام رفع معدلات النمو الاقتصادي الا انه يشكل ايضا خطرًا على السلام والاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني ، اذ يشكل  بيئة خصبة تنمو بها أشكال مختلفة من الانحراف والتطرف ومشكلات الاجتماعية عديدة لا حصر لها.

وعند الحديث عن الفقر يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من الفقر ، فقر الدخل والفقر البشرى، وفقر القدرات ، اذ ان مفهوم فقر الدخل يعني الحرمان من بعد  واحد الا و هو الدخل، بينما مفهوم الفقر البشرى هو الفقر ذو أبعاد متعددة ، واما فقر القدرات  فهو  فقر الافراد في تحصيلهم من (الصحة-التعليم وغيرها من القدرات)

ونلاحظ ان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعتمد مفهوم الفقر البشرى، وفقر القدرات، اذ يقيس الفقر البشري على ثلاثة مؤشرات أساسية للحرمان هي اولا  مؤشر الحرمان من حياة طويلة بصحة جيدة، والمؤشر الثاني هو مؤشر تعليمي معرفي يتمثل في نسبة الأمية والمؤشر الثالث يقيس درجة الحرمان من مستوى معيشى لائق. وكما تعتبر الحرية السياسية والأمن الشخصى والإقصاء والتهميش) من الأبعاد التي يمكن قياسها وعدها من مقايس الفقر.

ان القراءة الجندرية للفقر تؤكد ضرورة تسليط الضوء على مفهوم تأنيث الفقر  الذي عرفته  منظمة العمل الدولية  بأنه (زيادة نسبة الفقر بين النساء عن مثيلتها بين الرجال، واعتبار ان حدة الفقر النساء اكبر مما هي بين الرجال) اذ ان فقر القدرات  خاصة مع انتشار الامية و تسرب المدرسي بين الفتيات يؤدي الى زيادة الفجوة بين الجنسين بخصوص الفقر ويصبغ الفقر بصبغه انثويه.

و قد حدد منظِّرو النسوية الذين اكدوا على مفهوم (تأنيث الفقر) أن للفقر عند النساء أسباباً، من أهمها: التاريخ العريض من الاضطهاد والتهميش للمرأة وتسيد الرجال في العائلة من خلال النزعة الابوية البطرياركية التي تجعل المرأة تابعة للرجل بلا اي حقوق او رأي او أرث واسباب اخرى تضافرت لتجعل من الفقر مؤنثا.
 وبما ان مفهوم تأنيث الفقر يدل على وجود فجوة في النوع الاجتماعي بخصوص الفقر ، اذ ان نسب النساء الفقيرات تفوق نسب الرجال الفقراء ، وفي البحث عن اسباب هذه الفجوة في النوع، لابد من اعتماد تعريف فقر القدرات للنساء، حيث ان نتائج مسح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرأة 2021  يبين ان  معدلات الامية ترتفع عند الاناث بنسبة 17 % مقارنة بالذكور إذ بلغت  نسبة الامية بينهم 7% فقط، وقد يكون من اسباب ارتفاع نسبة الامية لدى الفتيات  الفقر و الزواج المبكر والى العادات والتقاليد ايضا حيث لا يسمح للاناث اكمل تعليمهن. وبالنظر الى توزيع النسبي للسكان من عمر 12 سنة حسب التحصيل الدراسي لسنة 2017- 2018  نجد ان نسبة الامية في الاناث من عمر 12 سنة فما فوق في المدن تبلغ 15% مقارنة بالذكور إذ تبلغ 6% وترتفع هذه النسبة في الريف إذ تبلغ نسبة الامية عند الاناث إلى 18%

ويعد الزواج في سن مبكر للفتاة  من الاسباب التي يقطعها عن التعليم ولا يسمح لها أيضا باكتساب المهارات والمعرفة، إذ أن نسبة 5% من الفتيات يتزوجن في سنة 15 في سنة 2006  الا أن هذه النسبة ارتفعت في سنة 2018 إلى 7.2 % وذلك ربما يعود إلى الاوضاع الامنية المتردية ابان سيطرة تنظيم داعش على عدد من المدن،ونجد  في تلك  السنه انها تشهد ايضا ارتفاع في زواج الفتيات في عمر 18 مقارنة بسنة 2006 و2011 حيث كانت اقل من ذلك.

 كما شهد  عام 2022 تسجيل العراق 70  الف حالة طلاق ويعدّ الزواج المبكر سببا من الاسباب ارتفاع نسب الطلاق. فخلال العام 2020 سجّلت 1498 حالة طلاق لمراهقات لم يبلغن الـ15 عاماً من العمر بعد.

 الامر الذي أكده الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية أن "نحو 11 % من الأسر العراقية تعولها نساء، وبلغت نسبة هذه الأسر  في الحضر 11.4 %، وفي الريف 7.6 %، وتشكل ما نسبته 10.5 % من مجموع سكان العراق"

وما يخص فقر الدخل  فبين كل 10 نساء عراقيات هناك 9 غير ناشطات اقتصاديا وبينما في صفوف الرجال نجد ان الأرقام تكاد تكون معكوسة. ان النسب المتدنية لعمل النساء او لرغبتهن في العمل تعود الى جملة من العوامل المرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته لدور المرأة بشكل اساسي، التي تتركز على ان وظيفتها ودورها الأساسية تكمن في كونها "ربة بيت"،كما ان طبيعة سوق العمل وغيرها من العوامل، تجعلت نسبة كبيرة من النساء لا يعملن او لا يرغبن بالعمل"

ان التزام العراق باتفاقية سيداو التي انضم اليها عام 1986 والتي تنص على الغاء كافة اشكال التميز ضد المرأة يتطلب القيام باجراءات للحد من تهميش المراة والنهوض بواقعها المعاش صحيا وتعليما واقتصاديا واجتماعيا بما يضمن لها حياة كريمة. اواكبر عقبه امام النساء هي فقر القدرات لديهن والذي يؤدي الى تهميش دورهن على صعيد المجتمع والدولة، الامر الذي يجعل من تأنيث الفقر واقع معقدا يحتاج لسياسيات عدة في مجال عدة نستطيع من خلالها ان نمكن المرأة من التعليم والصحة والعمل في ظل الزيادة المستمرة لظاهرة للاسر التي تعيلها نساء في الوقت الراهن.

د.اسماء خيرالله كريم
باحثة في قسم الدراسات الاجتماعية
 مركز النهرين
مدير قسم تمكين المرأة