الانتخابات التركية والتنافس على تغيير النظام السياسي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-06-14 13:43:40

د. طه محمد سعيد البياتي

في 16 نيسان/ ابريل 2017، صوت الناخبون الأتراك على حزمة من التعديلات الدستورية تهدف إلى تغيير النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، مع انتقال تركيا إلى نظام الحكم الرئاسي عام 2018، لم يسمح القانون التركي للأحزاب السياسية بتشكيل تحالفات انتخابية لدعم مرشحيها المتنافسين على 600 مقعد في البرلمان، وقد استمر ذلك حتى عام 2018، وفي العام 2021، جرى تمرير التعديل الدستوري المعروف باسم (7393) لتعديل قانون انتخاب النواب وبعض القوانين الأخرى، وصادقت اللجنة العليا للانتخابات على ستة وثلاثون حزبا لخوض المعركة الانتخابية، وبذلك أصبح بإمكان الأحزاب السياسية خوض غمار السباقات الانتخابية على شكل تحالف، وعلى الرغم من أن الأحزاب كانت ممنوعة في السابق من تشكيل تحالفات انتخابية، فإنها تعاونت بشكل غير رسمي قبل تمرير القانون الجديد، ظهرت هناك حاجة إلى التحالف بين الأحزاب السياسية، كشرط غير ملزم لخوض الانتخابات والفوز بها، ولم يحدث من قبل أن اجتمع هذا العدد الكبير من الأحزاب في تركيا لتشكيل تحالف قبل الانتخابات، إلا أن طرفي الساحة السياسية الرئيسيين يتشكلان من تحالف الشعب الحاكم، وتحالف الأمة المعارض.

تحالف الشعب الحاكم

"تحالف الشعب" الذي يقوده الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، والذي يضم أحزاب العدالة والتنمية (AK)، والحركة القومية (MHP )، والوحدة الكبرى (BBP )، يتجه حزب العدالة والتنمية، الذي يتمتع بمكانة استثنائية في الحياة السياسية التركية ـ مع فترة حكمه المستمرة التي تبلغ حوالي 21 عاما ـ إلى انتخابات عام 2023 برؤية "مئوية تركيا"، من الواضح أن هذه الرؤية، التي تهدف إلى تقديم اقتراح مستقبلي لتركيا للمئوية الثانية من الجمهورية، وهي نتاج جهود حزب العدالة والتنمية لتجديد نفسه وتطوير سياسات شاملة، هدفت هذه الرؤية إلى وضع اطار للقرن الثاني من الجمهورية، وتكريس الاستقرار، وتأكيد الثقة بالنفس في وقت كان النظام الدولي يمر فيه بأوجه عدم يقين كبيرة، يمكن طرح العديد من العوامل لتفسير بقاء الحزب في السلطة، ومن بين هذه العوامل، ستتبوّأ القيادة الكاريزمية للرئيس رجب طيب أردوغان وقصة النجاح المتجددة باستمرار لحزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، كما أن الأهداف الجديدة المصاحبة لتقييم الظروف السياسية المحلية والأجنبية هي جزء لا يتجزأ من الرؤية.

 وقد ساهمت محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو، بدورها بأن يتجه حزب العدالة والتنمية نحو مهمة إعادة هيكلة المؤسسات العامة ضمن الاطار الأوسع لانتقال تركيا إلى النظام الرئاسي للحكم، من الواضح أن هذا الوضع يمثل معضلة خطيرة، فمن ناحية تم اتهام حزب العدالة والتنمية بدعم الوضع الراهن والتحول إلى كماليين جدد بسبب سعيه لحماية جهاز الدولة، من ناحية أخرى، وصف حزب الشعب الجمهوري الحركة بانها "مدمرة" لإظهارها الشجاعة لتبني نظام حكم جديد، في الحقيقة، كان هذا الوضع برمته نتيجة مباشرة لتحول حزب العدالة والتنمية الى التيار المحافظ في تركيا.

تحالف الأمة المعارض

 شكلت مجموعة أحزاب الطاولة السداسية "تحالف الأمة" الذي يضم حزب الشعب الجمهوري (CHP) بقيادة كمال كاليتجدار أوغلو وحزب ايي (الحزب الجيد) (IYI) بقيادة ميرال أكشينر، وقد شكلت الأحزاب المعارضة تحالف الأمة أو ما يعرف (بتحالف الطاولة السداسية)، بالإضافة الى أربعة أحزاب أخرى صغيرة: حزب السعادة بقيادة تمل كرم الله أغلو، والحزب الديمقراطي بقيادة غوليتشكين يوصال، وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة على باباجان، وحزب المستقبل بقيادة احمد داود أغلو.

ويلاحظ على تحالف المعارضة، وجود اختلاف  في المباني الفكرية الأيديولوجية والعقيدة السياسية بين الأحزاب المتحالفة، إلا أن التوافق حصل على أساس تحقيق هدف سياسي معين تحديدا في هذه الانتخابات، وهو شكل النظام السياسي التركي، حيث يحمل كل تحالف شعارا مضادا للنظام الرئاسي، تحالف الشعب بقيادة رجب طيب اردوغان وهو رئيس الحكومة الحالية وشعاره الانتخابي تعزيز مسار النظام الرئاسي، أما تحالف الأمة المعارضة أو ما يعرف بالطاولة الستة بقيادة كمال كاليتشدار رئيس حزب الشعب الجمهوري يهدف إلى تغيير النظام الرئاسي والعودة الى النظام البرلماني. 

ويذكر أن كاليتجدار أوغلو أصبح مرشحا لتحالف الستة على أساس أنه سيصبح رئيسا بخمسة نواب رئيس، هم قادة الأحزاب الخمسة الأخرى في التحالف، وبمستشارين فاعلين، هما رئيسا بلدية أنقرة وإسطنبول، وأن خارطة طريق التحالف تفرض عليه العودة الى نواب الرئيس فيما يتعلق بالقرارات والسياسات الاستراتيجية، وبات من الواضح انه ليس ثمة كثير مما يجمع بين الأحزاب الستة، سياسيا وايديولوجيا، والأكثر حساسية، والذي يجري تداوله في الجلسات الخاصة، أن كاليتجدار أغلو ينتمي الى الأقلية العلوية (النصيرية)، والمؤكد أن علويا لم يقد الدولة التركية منذ نشأتها، كما توافقت طاولة الستة على برنامج طويل من الوعود الانتخابية، لعل أهمها التعهد بالعمل على العودة بالبلاد الى نظام الحكم البرلماني، كما توافقت على نوع من تقاسم السلطة ان فازت في الانتخابات.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية لعام 2023

بتاريخ 14 مايو/أيار 2023، جرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، حيث وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات في تركيا إلى مستوى قياسي غير مسبوق، محليا وعالميا، في حين أن معدل المشاركة في الانتخابات ـ وهو أحد الديناميكيات الرئيسة التي تحدد أداء الديمقراطيات ـ آخذ في الازدياد في تركيا، وهي ما قد تكون وحدها مؤشرا رئيسيا على مستوى المشاركة والوعي بضرورتها لاختيار من يقود البلاد في تركيا.

وقد بلغت نسبة المشاركة 88.92% داخل تركيا، اذ كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 88.84% ونحو 86.98% في الانتخابات البرلمانية، فيما بلغت نسبة المشاركة في الخارج 53.89%، ووفقا لنتائج الانتخابات التي أبلغت عنها وكالة الاناضول، توجه الى صناديق الاقتراع 55 مليونا و762 الفا و560 ناخبا من أصل 64 مليونا و190 الفا و651 ناخبا يحق لهم الاقتراع داخل وخارج تركيا.

وحسب النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، حصل الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية على ما نسبته 49.52% من أصوات الناخبين، بينما حصل كمال كليجدار على 44.88%، وحظي "تحالف الشعب" بقيادة حزب العدالة والتنمية بالأغلبية في البرلمان بإجمالي 323 مقعدا من 600، منها 268 للعدالة والتنمية، و50 للحركة القومية، و5 للرفاه من جديد، في المقابل حصل "تحالف الأمة" على 212 مقعد، حصل حزب الشعب الجمهوري على 169 مقعدا، وحزب الجيد 43 مقعد، أما الأحزاب الأخرى حصلت على 65 مقعد.

 هذا وقد أظهرت نتائج الانتخابات التركية فوز 121 امرأة من أصل 600، بنسبة 20.1%، ونجحت 50 امرأة عن حزب العدالة والتنمية، و30 لكل من الشعب الجمهوري واليسار الأخضر و6 نساء عن الحركة القومية وامرأة واحدة عن حزب العمال التركي.

وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات احمد ينار إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو الجاري، لعدم حصول أي مرشح على أكثر من 50% من الأصوات.

الاستنتاج

  • والواضح من خلال النتائج الأولية للانتخابات، أن التنافس محصور بين التحالفين الرئيسيين: التحالف الأول، "تحالف الشعب" بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتحالف الثاني، "تحالف الأمة" ما يعرف بالطاولة الستة، بقيادة حزب الشعب الجمهوري المعارض.
  • بالرغم من تقدم رجب طيب اردوغان على منافسه كمال كليجدار، الا أنه تم تأجيل الانتخابات الرئاسية الى الجولة الثانية، الذي سيقام في 28 مايو الجاري.
  • فوز تحالف الشعب الحاكم بالأغلبية البرلمانية في المجلس الوطني التركي الكبير، بحصوله على 323 مقعد من أصل 600 مقعد، وهذا يعني سيطرة تحالف الشعب على البرلمان حتى اذا خسر جولة الرئاسة لصالح المعارضة.
  • من المحتمل تفكك تحالف الأمة المعارض بسبب فشله بالحصول على الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي يعني عدم تمكنه من تحقيق برنامجه الانتخابي المتفق عليه، وفشل الأحزاب الصغيرة فيه بالفوز بالمقاعد النيابية، لذلك سوف يحتفظ حزب الشعب الجمهوري بدور المعارضة.
  • بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، سيعزز من مسار حزب العدالة والتنمية في الحكم، من خلال سيطرته على السلطة التنفيذية والتشريعية.
  • من الواضح أن اتجاه مسار الحياة السياسية التركية سوف يقود إلى تكوين نظام الثنائية الحزبية، يتنافس من خلالها تحالفان كبيران من الأحزاب المؤتلفة فيما بينهما، ولا سيما أن التعديلات الدستورية الأخيرة تعزز هذا التوجه، بالإضافة إلى قناعات الناخبين الأتراك بالميل الى تقنين الحياة السياسية.

على سبيل الختام

تمثل الانتخابات أحد المؤشرات الرئيسية للديمقراطية في تركيا، اذ تعكس برامج الأحزاب المتنافسة في الانتخابات مدخلا مهما في تحديد هوية الدولة التركية، لذلك من الأهمية، متابعة الشأن السياسي لتركيا، وتحديدا نشاطات الأحزاب، والمباني الأيديولوجية، والرؤية السياسية والاقتصادية والأمنية، والأهداف الخارجية، وبما أن تركيا تمثل دولة جارة مهمة للعراق، وهناك روابط مشتركة في العلاقات الثنائية للبلدين الجاريين، لذلك، من الضروري أن يحرص العراق على تعزيز التعاون المشترك، وأن يقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب واحترام خيارات الشعب التركي، والتعامل مع كل الأحزاب وبالخصوص الأحزاب الفائزة في الانتخابات بما يضمن المصالح المشتركة للدولتين.