تحديات أزمة السكن في العراق

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-05-16 18:53:04

الدكتور المهندس

سيف فارس رشيد

ملف دراسات المشاريع الاستراتيجية

لا يمتلك الكثير من العراقيين في العراق الفسيح متراً واحداً ، سواء كانوا من العمال البسيطين في القطاع الخاص أو حتى الموظفين طوال فترة خدمتهم الحكومية ، يعتاشون على راتب ضئيل لا يمكنهم من شراء منزل أو قطعة أرض، ويبقون يتنقلون بأسرهم بشكل مستمر بين عدة منازل في ظل ارتفاع الإيجارات في أغلب مدن العراق.

وتمثل مشكلة للسكن الطبقات المتوسطة والدنيا معاناة دائمة ، ويواجهها ملايين العراقيين الذين يفتقدون إلى منازل يمتلكونها ، مما يضطر الكثيرين منهم إلى استئجار بيوت بأسعار مرتفعة في المدينة ، أو اللجوء إلى السكن العشوائي في مناطق شعبية على تخوم المدن أو في أحيائها القديمة المتهالكة.

مشاكل التخطيط

إن عدد السكان في العراق يتزايد بسرعة كبيرة، مما يسبب المزيد من التفاقم في أزمة السكن المرتبطة بالافتقار للتخطيط السليم ، مما يحرم المواطنين من سكن لائق ، خاصة بعدما تحولت كثير من المدن إلى عشوائيات.

وبسبب توقف الحكومة عن توزيع الأراضي على المستحقين فإن الكثير منهم لجأ للاستيلاء على أراضي الدولة والمساحات الزراعية والفارغة ، مما حولها إلى سكن عشوائي أو (تجاوز) كما تعرف محليا ، مسببين على أثرها أزمة أخرى على مستوى البيئة الحضرية للمدن.

يتمثل الحل بتفعيل القانون الذي شرعه البرلمان بأن تباع الأرضي التي تسكن عشوائيا أو تؤجر لقاطنيها ، شرط أن تتحول إلى أحياء نظامية ، بالإضافة إلى جرد الأراضي التابعة للدولة وتوزيعها على المواطنين المحتاجين إلى سكن ، وقد يعزز هذا القرار على عملية الاستيلاء على الأراضي العامة من قبل غير المستحقين إذا لم توضع القوانين والشروط التي تضبط هذا الموضوع.

وكذلك على الدولة منح قروض للمعوزين بغرض البناء يتم تحديدها وفق آليات معينة ، وأن تتجه للبناء العمودي الذي يمكن أن يوفر السكن لأعداد كبيرة من العراقيين.

إن المشاريع الإسكانية المحلية خضعت للاستثمار ، وأغلب العوائل الفقيرة لا تملك القدرة على شراء الشقق ، فيفترض أن تقوم الدولة ببناء وحدات سكنية وبيعها بالتقسيط ، خاصة وأن أغلب العوائل انشطرت إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء في نفس السكن.

انعدام فرص الاستثمار

ورغم أن العديد من المدن تشهد بناء مجمعات سكنية كبيرة، فإن ذلك لم يساعد في علاج الأزمة، خاصة لذوي الدخل المحدود الذين يعجزون عن دفع الأقساط.

حيث إن أزمة السكن تختلف من منطقة لأخرى، وتزداد وطأتها بالعاصمة التي ترتفع فيها أسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير ، في حين تخف بالمناطق الأخرى ، وخاصة في السنين الأخيرة التي شهدت ارتفاع في أسعار العقارات وقطع الأراضي بشكل كبير يفوق أضعاف ما كانت عليه سابقاً بسبب الاستحواذ عليها من قبل أطراف داخلية حولت المبالغ التي كانت ترسلها إلى البنوك في خارج إلى العراق إلى عقارات وقطع أراضي تسببت بهذه الأزمة الكبيرة.

إن هذه المشكلة قديمة حيث كان العراق يحتاج قبل عام 2003 إلى نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية لتلبية احتياجات السكان، أما اليوم فيرجح أن يحتاج لنحو سبعة ملايين وحدة سكنية جديدة لسد الحاجة على أقل تقدير إذا اعتبر أن معدل أفراد الأسرة الواحدة أربعة أشخاص.

للأسف لا توجد خطط واضحة المعالم لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة رغم وجود قانون استثمار كان يمكن الاستفادة منه للحل لكنه غير مفعل ، إضافة لوجود الكثير من المعوقات وعلى رأسها عدم وجود ضمانات لاستقرار أمني يمكن أن يطمئن المستثمرين إلى أنهم سيحصلون على حقوقهم وتسديد قيمة مشاريعهم ، وعلى أثر هذا الموضوع سيكون هنالك ضرورة لعقد ورش مختصة لغرض معالجة أزمة السكن في العراق واستغلال موضوع الاستثمار في حلها.

كما أن المشاريع السكنية لم تحل الأزمة أيضا، فهناك جدل وإشكالات كبيرة حول مشروع (بسماية) الذي يعد الأكبر في العراق ، الذي قامت به الدولة ولم تتول إنجازه الشركات الاستثمارية ، ولم يكتمل حتى الآن وحتى إن اكتمل فإنه لن يستطيع تغطية احتياجات بلد مثل العراق تبلغ نسبة النمو السكاني السنوية فيه نحو 2.6% ، ولكن عكس تجربة هكذا مشروع في عموم البلاد مستغلين المساحات المتوفرة والاستثمار سيكون له الأثر الكبير في حل جزء كبير من أزمة السكن.

على الرغم من توجيه الحكومة لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي ولكن لم تجد الشركات الاستثمارية البيئة آمنة ومستقرة التي تحقق مطامحها ، لذلك يجب الاهتمام بالجانب الأمني بصورة رئيسية وكذلك أن يتم اعتماد قانون للتمويل وهو ما يفتقر إليه العراق اليوم، وإيجاد حلول أخرى كفيلة لحل هذه المعاضل التي تمس حياة المواطن العراقي.