أهمية انضمام العراق لاتفاقيتي الامم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية 1997 وحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية 1992

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2023-05-10 17:42:12

مرتضى جمعة حسن

 مشاور سياسي اقدم

 باحث في شؤون المياه الدولية

 قسم الطاقة والمياه والبيئة                                                         

 

مقدمة 

تمثل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية سواء كانت ثنائية او متعددة الاطراف او اتفاقيات شارعة احد اشكال العمل القانوني الدولي ، حيث تعتبر اهم الوسائل القانونية والسياسية التي تستطيع الدول بواسطتها مباشرة اختصاصاتها في المجتمع الدولي باعتبارها اهم وحدات النظام القانوني الدولي، اذ تلجاً الدول في تعاملها مع بعضها البعض الى ابرام اتفاقيات ومعاهدات تنشئ وتضع قواعد قانونية متفق عليها والتي بدورها تؤسس القواعد القانونية العامة التي تعتبر مصدراً اصيلاً من مصادر القانون الدولي  وكما نص عليها النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية في المادة 38.

رغم ان الاتجاه الدولي قد سار بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انشاء منظمة الامم المتحدة على تقنين قواعد القانون الدولي في جميع المجالات الا ان الاتفاقيات الدولية التي تنظم ادارة واقتسام والاستفادة من مياه الانهار الدولية لا تزال بعيدة عن القبول دولياَ والعمل بها من طرف عدد كبير من دول العالم وخاصة تلك التي تمثل منابع الانهار الدولية الكبرى ، وهذا الوضع القانوني المعقد هو السائد في منطقة حوضي دجلة والفرات اذا لا تزال دول المنابع (تركيا ، ايران) غير مستعدة لتقبل وهضم حقيقة ان القانون الدولي للمياه قد اصبح واقعاً بعد ان دخلت اتفاقية الامم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية لعام 1997حيز التنفيذ وفتح باب الانضمام لدول من خارج النطاق الجغرافي للجنة الاقتصادية لاوربا لاتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود هلسنكي لعام 1992.

وهنا لابد لنا من تسليط الضوء على الاتفاقيتين اعلاه باعتبارهما اهم الاتفاقيات الدولية التي تمثل نتاج التطور التدريجي للقانون الدولي للمياه واقرهما التعامل الدولي وهما :-

المبحث الاول :

اتفاقية الامم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية لعام 1997UNWC)).

 تعتبر هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الوحيدة التي تغطي المياه العذبة وتطبق بشكل عالمي وهي اتفاقية اطارية اي انها توفر اطارأ للمبادىء والقواعد التي يمكن ان تطبق وتعدل لتلائم السمات المميزة للمجاري المائية الدولية التي تستخدم في الاغراض غير الملاحية "تعرب عن اقتناعها بان وضع اتفاقية اطارية من شانه ان يكفل استخدام المجاري المائية الدولية وتنميتها وحفظها وادارتها وحمايتها والعمل على تحقيق الانتفاع الامثل والمستدام بها بالنسبة للاجيال الحالية والمقبلة ".

وان أهميتها تأتي من كونها تمثل خلاصة التطور التدريجي للقانون الدولي للمجاري المائية للاغراض غير الملاحية وتدوينه ، حيث لابد لنا من الإشارة والإشادة بالجهود التي بذلتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة لأكثر من 25 عاماَ وكذلك جهود ومداولات الوفود أعضاء الأمم المتحدة التي استمرت سنوات طويلة لتقر بموجب قرار الامم المتحدة المرقم 51/229 في 21/5/1997 حيث كان هذا الاعتماد قد انهى عملية قانونية وسياسية استمرت عقدين من الزمن بدأتها الامم المتحدة 8/11/1970 تحت عنوان "التطوير التدريجي لقواعد القانون الدولي المتعلقة بالمجاري المائية الدولية وتدوينها ".

 مـرت الاتفاقية خلال فترة العقدين بعدة محطات كانت ضرورية من اجل انضاج الافكار والمبادئ والرؤى التي تعتمدها اللجان والمقررين المكلفين بالعمل عليها ، ويمكن ان نحدد الانطلاقة الحقيقية لعمل اللجنة الذي اثمر عن اعتماد الاتفاقية بشكلها الذي بين ايدينا وهو توصية اللجنة القانونية السادسة التي استندت اليها الامم المتحدة في اصدار قرارها عام 1994 بـ "عقد عمل فريق جامع " لاعداد اتفاقية اطارية بشأن قانون المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية على اساس مشروع المواد التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي ، استغرقت مناقشات المسودة في اللجنة القانونية للجمعية العامة مدة ثلاث سنوات (1994-1997) تم خلالها إجراء تعديلات طفيفة على المسودة ليكلل العمل باعتماد الاتفاقية وكما ذكرنا سابقاً في 21 ايار/مايو /1997حيث مثلت هذه الاتفاقية عصارة التجارب الانسانية في قانون المجاري المائية الدولية .

وقد استغرقت عملية التصديق على الاتفاقية مدة ليست بالقصيرة منذ ان اودعت الجمهورية العربية السورية كأول دولة صك التصديق بتاريخ 2/نيسان /1998 ولغاية ايداع الصك الاخير من قبل جمهورية فيتنام بتاريخ 19/ايار /2014، اذا مثل هذا الانضمام نقطة فاصلة ومحورية في تاريخ الاتفاقية فصك التصديق الذي اودعته فيتنام حمل الرقم 35 وهو العدد المطلوب لدخول الاتفاقية حيز النفاذ بعد 90 يوم وكما نصت المادة 36 من الاتفاقية بتاريخ 17/اب /2014 .

احتوت الاتفاقية على مبادئ قانونية استقر عليها العرف الدولي وتضمنتها الاتفاقيات الدولية وهي تتجلى بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة المرتبط بمبدأ الالتزام العام بالتعاون بين الدول ، اضافة الى إن عدد من الدول قد اعتمدها كإطار قانوني مرجعي ضمنته في ديباجة اتفاقيتها التي عقدتها بشأن المجاري المائية الدولية حتى قبل دخولها حيز النفاذ وهنا نشير الى الاتفاقية بين الجمهورية السورية العربية والجمهورية اللبنانية من اجل اقتسام مياه (حوض النهر الكبير الجنوبي) وبناء سد مشترك على المجرى الرئيسي للنهر عام 2002.

في اطار فهم ماذا تعني هذه الاتفاقية وما هي اهميتها لابد لنا من تسليط الضوء على اهم المواد القانونية فيها والتي هي بمثابة الركائز التي تقوم عليها الاتفاقية وكألاتي :

الركيزة الاولى : تعريف ماهية الاتفاقية الاطارية : تعني الاتفاقية الاطارية انها تضع اطاراً عاماً يتمثل في مجموعة من المبادئ العامة الرئيسية والاحكام المتعلقة بموضوع استخدامات مياه الانهار في غير الشؤون الملاحية اي انها تكون مظلة للاتفاقيات الثنائية والمتعددة الاطراف التي تعقدها دول اطراف او غير اطراف في هذه الاتفاقية حول تنظيم العلاقة بينهما في مجرى مائي دولي مشترك .

ان الفلسفة التي اعدتها لجنة القانون الدولي في عملها لصياغة مواد الاتفاقية كصك دولي اطاري قد اخذت بعين الاعتبار التنوع الواسع للمجاري المائية الدولية والظروف الهيدرولوجية والجغرافية والسكانية والحاجات البشرية التي تلبيها  تفرض بالضرورة تنوعاً في القواعد الخاصة بكل مجرى مائي لذا كان من الضروري وضع القواعد القانونية العامة لتقاسم الاستخدامات والمنافع في المجاري المائية بشكل عام في ظل اتفاقية اطارية ومن ثم يتم تحديد ذلك في اتفاقية خاصة بكل مجرى مائي يأخذ بنظر الاعتبار خصائص ذلك المجرى المائي الدولي والظروف المحيطة به والدول المتشاطئة عليه.

الركيزة الثانية : أهمية اعتماد مصطلح المجرى المائي الدولي (المادة 2) : وفي هذا التعريف نلاحظ تطوراً عن المصطلحات والمفاهيم القانونية التي اعتمدت وعرفت المجرى المائي الدولي سابقاً كمفهوم "النهر الدولي : مجاري مياه تقسم او تعبر في مجاريها الملاحية بشكل طبيعي لاراضي دولتين او لعدة دول" ومفهوم حوض الصرف الدولي منطقة من الارض توجد في دولتين او عدة دول تتجه فيها كل المياه السطحية سواء كانت طبيعية ام اصطناعية من المنبع نحو مصب واحد او نحو عدة مصبات سواء كانت تصب في البحر او بحيرة او منطقة داخلية لا يوجد لها منفذ على البحر ".

حيث عرفت الاتفاقية المجرى المائي بانه "شبكة المياه السطحية والمياه الجوفية التي تُشكِّل، بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض، كلا واحدا وتتدفَّق عادة صوب نقطة وصول مُشتركة"، إن مفهوم المجرى المائي بمعناه الفني الهيدرولوجي يمثل شبكة من العناصر المترابطة طبيعياً و تشمل عناصر هذه الشبكة ( الأنهار ، البحيرات ، الطبقات الصخرية المحتوية على المياه والأنهار الجليدية والخزانات والقنوات ) وطالما بقيت هذه العناصر مرتبطة بعضها البعض فإنها تشكل جزء من المجرى المائي.

كما عرفت الاتفاقية المجرى المائي الدولي بانه " إي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة"  ، وفقاً لمعيار جغرافي سياسي باعتبار ان المجرى المائي اكتسب الصفة الدولية نتيجة عبوره خط الحدود بين دولتين او اكثر او تقاسم اجزاء المجرى المائي بين عدة دول .

فقد حاولت تركيا منفردة او بتأييد بعض الدول احيانا بالاعتراض على تعريف النهر الدولي وذلك  من خلال ممثليها في المناقشات التي  جرت حول مشروع الاتفاقية على المادة الخاصة بتعريف النهر الدولي بالاتي : بان تعريف الاتفاقية للمجرى المائي الدولي لم يأخذ بنظر الاعتبار الفرق بين مجاري المياه التي ترسم حدود وبين مجاري المياه العابرة للحدود .

وهنا لابد لنا من التعريج على رأي لجنة القانون الدولي في موضوع التمييز بين المجاري المائية التعاقبية والمجاري المائية المتاخمة والذي بين الاتي "ان المبادىء الاساسية التي يقوم عليها الانتفاع المنصف تظهر صراحة او ضمناَ في كثير من الاتفاقيات الدولية المعقودة بين دول تقع في جميع ارجاء العالم وفي حين ان لغة هذه الاتفاقيات ونهجها تتباين تبايناً كبيراً فان المحور الذي يجمع بينهما هو الاعتراف بحقوق الاطراف في استخدام وفوائد المجرى المائي الدولي او المجاري المائية الدولية موضوع البحث التي هي حقوق متساوية من حيث المبدأ ومترابطة من حيث التطبيق ويصدق هذا الامر على احكام المعاهدات الخاصة بالمجاري المائية المتاخمة والتعاقبية على حد سواء".

الركيزة الثالثة : أهمية المواد المتعلقة بالانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان (المادة5) : تكمن أهمية هذه المادة من خلال صياغة القواعد الأساسية فيها " الانتفاع المنصف بعبارة غاية في الإلزام تعبر عن الحق القائم على الصلة المتبادلة بين دول المجرى المائي الدولي وهو إن لكل من دول المجرى الحق في إقليمها في حصة منصفة من استخدامات ومنافع المجرى المائي الدولي ، وفي الوقت ذاته الحق في الانتفاع بالمجرى المائي الدولي بشكل منصف ومعقول وواجب عدم تجاوز حصتها في هذا الانتفاع الذي يؤدي الى حرمان دول المجرى المائي الأخرى من حقها.

إن الانتفاع المنصف أو عبارة الانتفاع الأمثل التي ترد في هذه المادة لا تعني بأي حال من الأحوال تحقيق الاستخدام الأقصى أو الاستخدام الأكثر فعالية من الوجهة التكنولوجية أو الاستخدام الأكثر قيمة من الوجهة النقدية ولا كسب الإرباح في القريب العاجل بل يدل على الحصول على أقصى المنافع الممكنة لجميع دول المجرى المائي الدولي وتحقيق اكبر قدر ممكن من الإيفاء بجميع حاجتها وفي الوقت عينه تقليل الضرر أو الحاجات غير الملباة لكل منها الى أقصى حد وان جوهر مفهوم المشاركة المنصفة الوارد في المادة المذكورة هو التعاون بين دول المجرى المائي الدولي من خلال المشاركة على أساس منصف ومعقول في التدابير الهندسية والأنشطة الهادفة الى الحصول على امثل انتفاع بالمجرى المائي .

" يتضح من دراسة استقصائية لكل الادلة المتاحة على الممارسة العامة للدول المقبولة بوصفها قانوناً فيما يتعلق باستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية هذه الادلة التي تشتمل على احكام المعاهدات والمواقف التي اتخذتها دول في منازعات محددة واحكام المحاكم الدولية بانواعها والاعلانات القانونية التي اعدتها هيئات تحكيم حكومية دولية وغير حكومية واراء المعلقين الضليعين واحكام المحاكم المحلية في القضايا المتشابهة ان هناك تاييداً ساحقاً لمبدأ الانتفاع المنصف كقاعدة قانونية عامة لتقرير حقوق الدول وواجباتها في هذا الميدان .".

الركيزة الرابعة : الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن (المادة 7) : إن مواد الاتفاقية تلزم إي دولة من دول المجرى المائي الدولي بعدم التسبب في الضرر ذي شأن على بقية دول المجرى المائي وان تتخذ هذه الدولة ما يلزم من الإجراءات من اجل إزالة أو تخفيف الإضرار أو تعويض الدولة المتضررة ،حيث إن وضع هذه المادة في الاتفاقية يمثل احد الركائز الأساسية التي بنيت عليها قاعدة الانتفاع والمشاركة العادلين والمعقولين مع عدم التسبب بالضرر ونزيد على ذلك بمقولة :( انتفاع ومشاركة عادلان ومعقولان دون التسبب بالضرر والأذى لدول المجرى المائي ) تحت قاعدة ( لاضرر ولا ضرار) .

الركيزة الخامسة : تسوية المنازعات (المادة 33 ، والملحق الخاص بالتحكيم ): في الاشارة الى أهم مواد الاتفاقية لابد لنا من التعريف بأهمية المادة 33 والخاصة بـ (تسوية المنازعات ) ، آذ أن الأهداف المتوخاة تحقيقها من اعتماد أي اتفاق إطاري دولي هو تنظيم العمل بموضوع الاتفاقية من خلال موادها وهنا كان لابد من وضع آليات قانونية لتسوية المنازعات التي تحدث بين الدول في تفسير مواد هذه الاتفاقية أو الاختلاف على تطبيق موادها وموضوعها وهذه الاليات بحسب التسلسل الوارد في المادة المذكورة وتتم هذه الإجراءات وفقاً لأحكام مرفق الاتفاقية الخاص بالتحكيم التي ينظم  إجراءات التحكيم لحل النزاع بين دول المجرى المائي ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك ،(واعترضت تركيا على هذه المادة بحجة اذا كانت هذه الاتفاقية إطارية ويطغي عليها صفة التعميم لتتلائم مع خصوصية ومميزات كل حوض، فلا يمكن اعتماد آليات محددة مسبقا لتسوية المنازعات ).

 

المبحث الثاني :

اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية هلسنكي 1992 (UNECE) .

عقدت الاتفاقية بتاريخ 17/3/1992 في العاصمة الفلندية هلسنكي ودخلت حيز التنفيذ 4/9/1996،حيث تعتبر من اهم الاتفاقيات الاقليمية التي اثبتت نجاحها في منطقة جغرافية محددة وهي منطقة اللجنة الاقتصادية لاوربا وهي احدى لجان الامم المتحدة الاقليمية والتي تضم ضمن نطاقها الجغرافي كلا من قارة اوربا وامريكا الشمالية (الولايات المتحدة،كندا) اضافة الى دول وسط اسيا وهو نطاق جغرافي وسياسي وديموغرافي واسع ومتنوع .

يمثل الهدف الرئيس للاتفاقية حماية المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية من التلوث من خلال التعاون الدولي وذلك من خلال تقديم إطار معياري يمكن للدول المتشاطئة تنفيذ العمل التعاوني الجماعي اللازم في مجالات الاستخدام والحماية بالشكل الأمثل لمياههم العابرة للحدود وأنظمتها البيئية المتعلقة بها ويجب القيام بهذا العمل من خلال ابرام وتنفيذ اتفاقيات ثنائية او متعددة الاطراف بين الدول المتشاطئة على المجرى المائي العابر للحدود ،اذ لعبت هذه الاتفاقية دوراً حاسماً في المنطقة من خلال توفيرها مظلة واطار قانوني للعديد من الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف في سياق إقليمي فرعي أكثر تحديداً منها اتفاقية حماية نهر الدانوب لعام 1994، بالإضافة إلى المياه العابرة للحدود الأستونية - الروسية والكازاخستانية - الروسية والروسية - الأوكرانية ، وبعض صكوك المياه العابرة للحدود الحديثة نسبياً تشمل اتفاقاً إطارياً متعدد الأطراف حول حوض نهر سافا، وعدد من المعاهدات الثنائية حول المياه العابرة للحدود، مثلاُ بين بيلاروسيا - أوكرانيا وبين بيلاروسيا - الاتحاد الروسي .

وفي عام 2003 وبعد سنوات من نجاح الاتفاقية وتطبيقها في عدد من المعاهدات الثنائية والمتعددة الاطراف فيما يتعلق بالمياه العابرة للحدود في بلدان النطاق الجغرافي للجنة – الاطراف في الاتفاقية قدم الاتحاد السويسري اقتراحا ًبتعديل المادة 25 المتعلقة بالتوقيع والتصديق والمادة 26 المتعلقة بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ للسماح بانضمام الدول من خارج منطقة اللجنة الاقتصادية لاوربا الى الاتفاقية، وتم اقرار هذه التعديلات في مؤتمر الاطراف الخاص بالاتفاقية الذي عقد في مدريد – اسبانيا 2003 على تعديلها بحيث يتم فتح باب الانضمام اليها من بلدان تقع خارج منطقة اللجنة الاقتصادية لاوربا الامر الذي يمكن دول العالم جميعاً من استخدام الاطار القانوني للاتفاقية والانتفاع من الخبرات المكتسبة لبلدان اللجنة وذلك للتطبيق السابق للاتفاقية بشان التعاون حول المياه العابرة للحدود والبروتوكولات الملحقة بها حيث دخلت هذه التعديلات حيز التنفيذ في 30/11/ 2012 ، وانضم العراق للاتفاقية عام 2021  واودع صك التصديق لدى الامانة العامة للامم المتحدة خلال هامش مؤتمر المياه في نيويورك في 24/3/2023 ، ونقدم في ادناه تعريفاً بأهم مواد الاتفاقية والتي تمثل الركائز الرئيسية لها :

اولاً : تعريف مصطلح المياه العابرة للحدود : المياه السطحية والجوفية التي تشكل الحدود او تعبر الحدود بين بلدين او تعبر الحدود لتصب في البحر ، حيث لا يخرج تعريف اتفاقية هلسنكي للمجرى المائي الدولي عن مضمون ما جرى اقراره من فقهاء قانون المياه الدولي وكما بينا عند تناول تعريف مفهوم المجرى المائي الدولي في اتفاقية 1997 والذي يعتمد على ركنين اساسين وهما المجرى المائي كواقع فني وعبور هذا المجرى المائي للحدود الدولية او تقاسمه بين اكثر من دولة كواقع سياسي وقانوني وهو بالتالي لا يرتب اي اثر قانوني مغاير لمصطلح المجرى المائي الدولي او اي مصطلح اخر يقصد به مجرى مائي يعبر حدود دولية وكما جاء في تعليق لجنة القانون الدولي الذي اوردناه اعلاه .

ثانيا : مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول : يمثل هذا المبدأ من اهم المبادئ التي يمكن ان تتضمنها اتفاقية مائية سواء كانت ثنائية ام متعددة الاطراف ام اتفاقية دولية شارعة ، ورد هذا المبدأ في اتفاقية هلسنكي بما لا يتعارض مع توصيف واهمية ما ورد في اتفاقية 1997من كونه حجر اساس الاتفاقيتين .

ثالثاً : تضم الاتفاقية عدد من المواد القانونية ترتبط بعدة مفاهيم منها (المنـع والسيطـرة والتقليـل، المراقبـة ، المسؤوليـة وتحمـل الأعبـاء، منظومـات التحذيـر والإنـذار) التي تعطي الاتفاقية سمتها المميزة بوصفها اتفِاقية لحماية استخدام للمجاري المائية الدولية العابرة للحدود حيث قدمت مفهوم الحماية وهو مفهوم يرتبط بمنع التلوث ومعالجته وتحميل الطرف او الاطراف المتسببين بالتلوث بتعويض المتضررين وخاصة التلوث العابر للحدود ، ان تقديم مفهوم الحماية على الاستخدام له خلفية ترتبط بطبيعة النطاق الجغرافي للاتفاقية باعتبارها اتفاقية اقليمية حيث ان هذه المنطقة تتميز بكونها ذات وفرة مائية اضافة الى كونها من اهم مناطق الصناعة في العالم وهي احد اهم المتسببين في الملوثات للمياه والنظم الايكولوجية .

رابعاً : الهياكل المؤسسية : بموجب المادة 17 يكون اجتماع الدول الاطراف في الاتفاقية هو الهيئة الرئيسية المسؤولة عن تنفيذ الاتفاقية الذي يتخذ جميع القرارات المتعلقة بالعمل بموجب الاتفاقية وكذلك المسؤول عن تعريف واستعراض السياسات المتعلقة بأدارة المياه العابرة لحدود الاطراف والنهج المتبع ازائها وتقاسم المعلومات بشأن الخبرات المكتسبة في ابرام وتنفيذ اتفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف بشأن المياه العابرة للحدود واتخاذ اي اجراء لازم لتحقيق اغراض الاتفاقية.

خلاصة تنفيذية: ماذا يمكن ان تقدم الاتفاقيتين للعراق لتعضيد موقفه القانوني والتفاوضي:

توفر الاتفاقية أطار قانوني ملزم في إدارة الموارد المائية المشتركة يسهم في توحيد المعايير في التعامل مع المياه الدولية المشتركة (تحديد مفهوم المجرى المائي الدولي "العابر للحدود"، الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان للموارد المائية المشتركة ، عدم التسبب بضرر لاي دولة من  الدول الاطراف في المجرى المائي ، الحفاظ على الموارد المائية من النضوب والتلوث وضمان ديمومتها) من خلال الاتي :

  1. الأساس والمظلة القانونية للاتفاقيات الثنائية او المتعددة الاطراف أو الإقليمية لإدارة الموارد المائية المشتركة على مستوى الحوض المائي مع الأطراف التي يمكن ان يعقدها العراق مع الدول المتشاطئة معه على المجاري المائية الدولية .
  2. الاستفادة من الاتفاقيتين وموادهما القانونية في دعم موقف العراق في مطالباته لدول المنبع ( تركيا وايران ) بالانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان في مياه هذه المجاري الدولية والعابرة للحدود وهنا لابد ان نذكر المذكرة الدبلوماسية التركية الموجهة الى سوريا  595 في 30/12/1995 والتي جاء فيها "ان القانون المتعلق باستخدام المياه العابرة للحدود وغير المخصصة للملاحة لايزال قيد التطوير بغية اعداد وثيقة اطارية ، الا ان هذا القانون لم تتم صياغته بشكل كامل بعد ، وتوجد هناك صعوبة اخرى ناشئة من حقيقة انه لايوجد هناك ممارسة دولية واحدة ، وهذا يعود الى سبب رئيس وليس وحيد وهو التنوع الكبير في مجاري المياه العابرة للحدود ومواصفاته والحاجات الانسانية التي تخدمها " ، بعد ان احتج الجانب السوري بمسودة الاتفاقية انذاك على الجانب التركي بخصوص مفهوم النهر العابر للحدود واختلافه عن النهر الدولي الذي يرد في المذكرات الدبلوماسية التركية :
      • المائي الدولي الذي تقع اجزاؤه او عناصره المعنية في دوليتين او اكثر ". ان ادعاء تركيا بأن نهر الفرات هو نهر عابر للحدود لا يعني بأية حال من الاحوال انه غير خاضع للقواعد القانونية الخاصة بالانهار الدولية ، ولا يترتب عليه اية نتيجة بنظر القانون الدولي ، فقد اجمع العرف الدولي على ذلك ، اذ ذكرت لجنة القانون الدولي التابعة للامم المتحدة في تقريرها لعام 1993 ما يلي ( في ما يتعلق بالاقتراح الداعي الى استخدام مصطلح المياه العابرة للحدود بسبب استخدامه في اتفاقية معقودة مؤخراً ، فلذلك فان لايوجد اختلاف جوهري بين هذا المصطلح والمصطلح المقدم في المادة (1) من مشروع اللجنة ، اي مصطلح المجرى المائي الدولي ولا يترتب على ذلك اية اثار قانونية ولم تميز المحكمة الدائمة للعدل الدولي بين هذين النوعين من الانهار في ذكرها لمبادىء قانون الانهار الدولية بشكل عام ، اذ ذكرت الحالات الناشئة عن عبور مجرى مائي واحد لاقاليم اكثر من دولة واحدة ، كما ان الموقف التركي في المنظمات الدولية منسجم مع وجود قواعد للقانون الدولي تنطبق على الانهار التعاقبية ، فقد ايد مندوب تركيا في اللجنة السادسة (القانونية ) للامم المتحدة تعريف مقرر لجنة القانون الدولي للمجرى
  3. نظرأ للترابط الكبير بين هاتين الاتفاقيتين وعدد من الاتفاقيات البيئية المهمة ( اتفاقية رامسار واتفاقية التنوع البايلوجي ) فان دخولهما حيز التنفيذ يمكن ان يمثل خارطة طريق لتوسيع التعاون الدولي بشأن تنفيذ الاتفاقيات البيئية الوارد ذكرها في اعلاه ، وهو ما اكده الامين العام للامم المتحدة خلال الاجتماع التاسع لمؤتمر الاطراف لاتفاقية التنوع البايلوجي عام 2007 حيث اوضح بأن الحاجة الملحة لتحسين تخصيص وإدارة المياه داخل الأنهار والأراضي الرطبة عبر الحدود ،حيث توجد اتفاقيتان لهما أهمية كبيرة بتنفيذ المقرر 7/4 ، ولا سيما بالعلاقة بقضايا تخصيص المياه وإدارة المياه عبر الحدود وهما (الاتفاقية المتعلقة بحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية هلسنكي 1992 واتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية 1997

 مقاربة قانونية بين بعض الحالات القانونية للاتفاقيتين وكيف يمكن ان يستفيد العراق منها

 

 

مصادر البحث

  1.  رفعت ،احمد رفعت ،القانون الدولي العام ،دار النهضة العربية ، بدون سنة اصدار.
  2. العادلي ،صبحي احمد زهير ، النهر الدولي المفهوم والواقع في بعض انهار المشرق العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الاولى نيسان 2007 .
  3. رضوان ، د. وليد / مشكلة المياه بين سوريا وتركيا / شركة المطبوعات للتوزيع والنشر بيروت – لبنان ، الطبعة الاولى 2009 .
  4. محمد ،داليا اسماعيل ،المياه والعلاقات الدولية دراسة في اثر ازمة المياه على طبيعة ونمط العلاقات العربية التركية، مكتبة مدبولي ، الطبعة الاولى 2006.
  5. وثائق الامم المتحدة الوثيقة رقم A/RES/51/229 .
  6. وثائق الامم المتحدة الوثيقة رقم UNEP/CBD/SBSTTA/13/5.
  7. تقرير لجنة القانون الدولي عن اعمال دورتها السادسة والاربعين 1994، رقم الوثيقة (Al49l10).
  8. ماكفري ، سيفن سي ، اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية ، المقرر الرابع للجنة القانون الدولي المكلف بصياغة مشروع الاتفاقية ، مقال منشور ، United Nation  Audiovisual of international law .
  9. وثائق الامم المتحدة الوثيقة رقم AlC.6l51Lsr.62.
  10.  جريدة الوقائع العراقية العدد 4628 في 3/5/2021 .