مخاطر المفاعلات والأسلحة النووية في الحروب والنزاعات المعاصرة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-05-03 17:23:55

قتيبة جابر باقر/ نيسان 2023

قسم دراسات الازمات والمخاطر  

        يواجه العالم اليوم مخاطر من انتشار واستخدام المفاعلات والأسلحة النووية في عصر تجاوزت فيه الحروب التقليدية، فأصبح استهداف وتهديد الشعوب مصدر ووسيلة ضغط لتحقيق الأهداف وإرغام الخصوم على الاستسلام، ولم تعد قواعد الحروب والصراعات كما في السابق، فالأزمات التي يشهدها العالم بين الدول الكبرى في ما بينها وعلى مصالحها في الدول المسيطرة عليها يشكل خطرا وتحذيراً سيجعل الحرب النووية ربما أمرًا مؤكدًا رياضيًا لاسيما مع تزايد الصراعات على امتداد جغرافيا العالم.

        تمتلك (المملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، وإسرائيل، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية) أسلحة نووية. ومنذ آب / 1945، عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على اليابان لرفضها الاستسلام في الحرب العالمية الثانية، ولم يتم استخدام أي منها منذ ذلك الحين، وكانت الأسلحة النووية سمة من سمات العلاقات الدولية ويمكن القول إنها ساعدت في الحفاظ على خفض التوتر خلال فترة الحرب الباردة من خلال فرض درجة من الحذر وتوازن الرعب على كلا الجانبين من المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

        عندما دخلت معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ في ك2 /2020 ، لم تكن اغلب الدول الحائزة للأسلحة النووية في العالم من بين الدول الموقعة البالغ عددها 86 دولة، 35 منها صادقت على المعاهدة. ومما يزيد الأمور تعقيدًا أنه لا توجد اتفاقية دولية تحظر الهجمات على المحطات النووية في زمن الحرب، والاتفاق العالمي الوحيد الذي يهدف إلى معالجة هذه المسألة هو البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المؤرخة في أب /1949 والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول)، حزيران /1977 (البروتوكول الإضافي)، وهو غامض جدًا بحيث لا يكون فعالًا في الوقت الحالي لمعالجة الخطر الحقيقي المعاصر باندلاع حروب نووية، لذلك فان مخاطر حدوث أخطاء سواء من جراء الهجمات المباشرة أو غير المباشرة عالية جدًا كما تظهر التهديدات والتحركات النووية بين الأطراف المتصارعة في الوقت الحالي.

        ويمكن استعراض بعض مؤشرات المخاطر من هذا النوع في الحرب الدائرة الان بين روسيا وأوكرانيا وبين الصين وتايوان والتي يعتقد أنها ستكون بالحده نفسها:

  • أشار جوزيف ناي (رئيس مجلس الاستخبارات في حكومة كلينتن) لقد ذكّرنا العدوان الروسي وقعقعة السيوف النووية بأن احتمالية نشوب حرب نووية هي مسألة احتمالات مستقلة ومترابطة، ومن المفارقات أن الحد من احتمالية وقوع كارثة شاملة يتطلب أن نتعلم قبول درجة معينة من المخاطر وعدم اليقين.
  • تشكل حرب الأرض المحروقة في أوكرانيا تهديدًا مروعا للمفاعلات النووية لأسباب عديدة لم يشهدها العالم على الإطلاق، منها احتمالية توجيه ضربة عسكرية إلى أي من مفاعلات الطاقة النووية الأوكرانية البالغ عددها 15 ومجمعات الوقود المستنفد، مما يهدد بانبعاث كميات هائلة من المواد المشعة الخطرة على شعوب اوكرانيا والمنطقة.
  • بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، تخلت أوكرانيا عن أسلحتها النووية التي بقيت على أراضيها مقابل ضمانات أمنية، وهي نتيجة قد تقنع الآخرين بأن التخلي عن الأسلحة النووية يقلل من أمن الدولة ويهدد امنها القومي، والذي يجب النظر إليه جنبًا إلى جنب إذا وقعت الدول النووية على المعاهدات وتخلت عن ترسانتها النووية، فهل ستظل قادرة على ردع المزيد من العدوان الخارجي وحل النزاعات؟ إذا كانت الإجابة لا، اذن يجب أن نفكر بان الحروب النووية ستكون كبيرة الاحتمال.
  • لم يعد بإمكان المجتمع الدولي الاعتماد على معايير فضفاضة، وضبط النفس لدى الأطراف النووية المتحاربة، حيث صعد بوتين في خطاب مسجل من موقفه النووي، وهدد باستخدامه للأسلحة النووية (في حالة تهديد السلامة الإقليمية لبلدنا وللدفاع عن شعبنا)، وهذا أحدث دليل على تآكل المحرمات النووية. فالعقيدة النووية الرسمية لروسيا ، تنص على أنه يمكن استخدام الأسلحة ردًا على الهجمات التقليدية مما يهدد وجود الدولة الروسية ذاتها، وفي ضوء الاستفتاءات الروسية في أجزاء من ولايات دونيتسك، وخيرسون، ولوهانسك، وزابوريزهيا في أوكرانيا، ومع ضم روسيا الآن لهذه الأراضي، يمكن اعتبار العمليات العسكرية الأوكرانية التي تهدف إلى استعادتها على أنها تهديدات لـ (وحدة أراضي روسيا)، وتستوجب ردًا نوويًا. هذه ليست مجرد تكهنات فلقد صرح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف (نائب رئيس مجلس الأمن الروسي) نفس الشيء في سبتمبر /2022.
  • علقت دينا خابيفا (كاتبة روسية معارضة) لا شك في أن تهديدات فلاديمير بوتين النووية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لكن إذا استسلم الغرب وسمح له بالمطالبة بأراضي أوكرانيا وإعلان النصر في الحرب، فإن النظام العالمي كما نعرفه سينهار، وستتطلع العديد من الشعوب الأخرى إلى المستقبل بفزع من تكرار التجربة في مكان آخر من العالم.
  • أظهرت حرب روسيا وأوكرانيا أن الحروب والمفاعلات النووية تشكل مزيجًا خطيرًا ، قد يتكرر في صراعات أخرى محتدمة في جميع أنحاء العالم منها (إسرائيل وإيران)، (الصين وتايوان)، (كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية)، تمتلك جميعها برامج نووية أو أسلحة نووية، وكلها معرضة لخطر الحرب وما ينتج عنه من مخاطر على شعوب العالم.
  • وهذا يتعارض مع التأكيد على أن (الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبدًا)، وهو ما أكدته الدول الحائزة للأسلحة النووية المعترف بها في (معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية)، وكررها بوتين في أغسطس 2022، في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي.
  • صرحت المحامية السويدية بياتريس فين (مدير تنفيذي الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية) ان التهديدات النووية المتصاعدة تؤدي إلى تآكل المحظورات القائمة منذ عقود ضد استخدام مثل هذه الأسلحة وتزيد بشكل كبير من خطر نشوب صراع كارثي. لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يرد على الخطاب الروسي الأخير من خلال الإدانة القاطعة لجميع التهديدات النووية.
  • اقترب المفاعل النووي الأوكراني في زابوريجيا بشكل خطير من الانهيار عندما دمرت القوات ‏الروسية محطات الكهرباء، مما أثر على أنظمة التبريد، وهنالك نفس المخاطر متوقعه بشأن محطات ‏تايوان النووية والتي لا تقع بالقرب من المراكز السكانية الرئيسية فحسب، بل إنها تتداخل أيضًا مع ‏العديد من مواقع الإنزال المثلى للقوات الصينية، مما يزيد من مخاطر التعرض للضرر بسبب قربها ‏من جبهات القتال. ففي حال تضررت دوائر الكهرباء في أنظمة تبريد المفاعل فقد يتعرض للانهيار ‏حيث ستصل درجات الحرارة والضغط إلى مستويات الانفجار. وحتى لو لم يكن لهذه الانفجارات ‏نفسها تأثيرات فورية مضرة بالأفراد، فإنه لايزال بإمكان الرياح أن تنقل غيومها الإشعاعية على ‏المدن الكبيرة، مما يتسبب في مرض أو قتل المدنيين، وأضرار تقدر بالمليارات.‏
  • ان العلاقات بين الصين وأمريكا باتت في حاجة شديدة إلى حدوث انفراجه للحفاظ عل امن شعوب ‏العالم، ومن أجل تجنب المخاطر من المفاعلات النووية التايوانية فإنه يجب النظر إلى المعاهدة ‏التعاونية بين واشنطن وبكين التي تحظر الهجمات على المنشآت النووية هناك، وأشار بينيت ‏رامبرج (خبير السياسة الخارجية السابق بوزارة الخارجية الأمريكية) (يوجد بالفعل نموذج لمثل هذه ‏المعاهدة يمكن استخدامه بشكل كامل، ففي عام 1988 قامت الهند وباكستان، وهما من أكثر ‏الخصوم شراسة في العالم، بعقد اتفاق مفصل بشكل كافٍ يحظر الهجمات على المنشآت النووية، ‏ويجب اعتماد هذا النموذج كمعيار عالمي). ‏

يمكن القول ان العالم في حقبة جديدة من توسع الترسانات النووية، ودور أكثر بروزًا لها في ‏الجغرافيا السياسية، وجهود المزيد من الدول للحصول عليها، ومما يزيد الخطر هو أن المحرمات ‏النووية ضد حيازة أو حتى استخدام الأسلحة النووية أخذت بالتلاشي، بسبب مرور الوقت وظهور ‏جيل جديد من الأسلحة النووية التكتيكية التي تنطوي على نتائج أقل كارثية وبالتالي قد تبدو أكثر ‏قابلية للاستخدام في الصراعات الدائرة حاليا او مستقبلا في العالم.‏