الأدمان والبارانويا

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-04-25 14:07:16

الباحث/ احمد مزاحم هادي

قسم دراسات التطرف العنيف

تعد ظاهرة انتشار تجارة المخدرات من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تفشت في أنحاء العالم كافة، وما ان توجد في مجتمع إلا ونشرت فيه الفساد والفوضى ودمرت القيم والمعتقدات, وهددت أمنه القومي والنسيج المجتمعي,  وما يرتبط بها من تأثيرات سلبية في جميع نواحي الحياة.

والإدمان كما عرفه علماء الطب النفسي، هو سلوك نفسي، يشير الى الإفراط في استخدام أي شيء، فالإدمان ليس هو إدمان المخدرات فقط، بل أن الادمان له وجوه عديدة، منها الإدمان على ألعاب الكمبيوتر, والإدمان على التدخين, والإدمان على القمار, والإدمان على الجنس, ولكن الإدمان على المخدرات تنعكس اثاره على الفرد نفسه وعلى المجتمع وهنا تكمن خطورة المخدرات.

وأما البارانويا ((Paranoia أو ما يعرف بجنون الارتياب فهو نمط للتفكير ينجم عنه الشعور غير منطقي بفقد الثقة بالناس, ويتأثر بشدة بالقلق أو الخوف، وغالباً ما يتسبب بالوهم واللاعقلانية ويتضمن تفكير جنون الارتياب عادةً الشعور بالاضطهاد، أو الإيمان بالمؤامرات المتعلقة بتهديد محتمل تجاه المريض, وأن الشعور بالعجز والاكتئاب وعزل النفس والتخلي عن الأنشطة هي خصائص يمكن ربطها مع أولئك الذين يعانون من جنون الارتياب بمعدل أعلى, ويتمتع جنون الارتياب الناجم عن العقاقير والمرتبط بالأمفيتامينات والميثامفيتامينات والمنشطات المماثلة بالكثير من القواسم المُشتركة مع الفصام الارتيابي.

وتمثل ظاهرة الادمان  انعكاسات وتأثيرات نفسية لاتقتصرعلى الشخص المتعاطي, ولسنا في معرض الحديث عن التأثيرات النفسية والجسدية للأدمان ولكن موضوع الحديث هو تسليط الضوء على أولياء الامور, وما ينتج عنه المتعاطي من سلوك ينافي القانون والاعراف الاجتماعية وانعكاساتها على العائلة بصورة خاصة وعلى المجتمع بصورة عامة, وتأثيراتها في التنمية البشريّة في تطوير قدرات الإنسان وإمكانيّاته بشكل دائم .

ومن الجدير بالذكر أن مشكلة تعاطي وتجارة المخدرات لم تُعد تقتصر على شريحة معينة من المجتمع أو بفئة عمرية محددة أو مستوى ثقافي معين, إذ انعكست هذه الآفة على زيادة معدل الجرائم, و قد يقوم مدمن المخدرات بالإقدام على أفعال مشينة، كالإعتداءات الجنسية على أفراد أسرتهُ أوالانتحار,والتسول,والبطالة, فضلا ًعن تزايد معدلات الطلاق, والنزاعات العشائرية .

ولهذا نجد أن الجو العام للأسرة التي لديها مدمن  يسوده التوتر, والاضطرابات, وسوء الفهم بين أفراد العائلة، والذي يثير انفعالات وضيق لدى أفراد الاسرة, فضلاً عن القلق خشيه تشوية سمعتهم الاجتماعية, إذ تجد العائلة والأصدقاء أنفسهم عالقين في دائرة من الخوف, والذعر, والغضب, واليأس, وتتأثر الأسرة بالإدمان بشکل مباشر, وذلك من خلال المعاناة المستمرة من العزلة الإجتماعية والتکتم على سلوکيات المدمن وتحاشي الإرتباطات الإجتماعية, وقد تدخل الأسرة أو بعض أفرادها في صدام مع المدمن نتيجة طلبة للمال وتکون الأسرة في ترقب وخوف دائم ومحاولات مستمرة للإنکار بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي الذي يتسبب في قطيعة بين الأسرة والمجتمع ربما تتطور إلى حد عدم زواج بنات المدمن أو طلاق المتزوجات أو رفض الأخرين من مصاهرة الأسرة بأي شکل وتتضح الأثار السلبية على أبناء المدمنين الذين يکونون في صراع دائم مع أصدقائهم وقد يتعرضون لمواقف محرجه بسبب والدهم المدمن ويمتد هذا الأثر الي الأباء الذين يبذلون قصارى جهدهم للبحث عن حلول لمشکلات أولادهم من المدمنين وغالبا ما تکون الزوجة ضحية ضعيفة في دائرة الإدمان وتتعرض للعنف وسوء المعاملة .

ويحدث الإدمان في حياة الفرد على مراحل إذ تختلف ردود فعل الجسم خلال المراحل الأولى من الإدمان عن تلك التي تحدث خلال المراحل الأخيرة, و تسمى المرحلة الاولى بمرحلة التجربة أو الفضول وخلال هذه المرحلة يجرّب الشخص المادة أو السلوك لأول مرة بدافع الفضول, وتستهدف الفئة العمرية الصغيرة أو الهشة وتمثل هذه فترة المراهقة, حيث تصل به إلى مراحل متقدمة وتمثل مرحلة الازمة وهي نقطة السقوط الحر لحياة المدمن، فقد نما إدمانه وبلغ حدا بعيداً لا يستطيع أن يسيطر عليه وحده مهما فعل.

 ويمكن أن يشار إلى هذه المرحلة بوصفها مرحلة الأزمة، حيث أن المدمن في هذه المرحلة أكثر عرضة لخطر المعاناة من جرعة زائدة قاتلة.

إذ يجب تنفيذ حملات تثقيفية بين فترة وأخرى على مستوى الإعلام  السمعي والمرئي والمكتوب ومنها التواصل الاجتماعي. وتشجيع خطباء الدين بالابتعاد وتوضيح اضرار المخدرات من الناحية الدينية, والعمل على تثقيف المرشدين التربويين في المدارس, والاهتمام بأنشاء مراكز علاج المدمنيين في المحافظات العراقية كافة, وفرض عقوابات مشددة على المتاجرين , فضلاً عن السعي في سد ملء الفراغ من قبل وزارة الثقافة, والشباب والرياضة, ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ,وتشجيع النشاطات الثقافية والاجتماعية لسد الحاجات لديهم.