مستقبل الحضارة الانسانية في ظل الثورات الصناعية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-04-12 22:00:04

  أنصر سفاح كريم

 قسم الدراسات التكنولوجية والامن السيبراني

 شهد العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر ثلاث ثورات صناعية، ويتبعها الآن عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تستند إلى ما حققته الثورة الصناعية الثالثة التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي من إنجازات لاسيما فيما يتعلق بالتطور غير المسبوق لشبكات الاتصال وتقنيات المعلومات.

وحيث استخدمت الثورة الصناعية الأولى الماء والبخار لتحريك الآلات، واستخدمت الثورة الصناعية الثانية الكهرباء من أجل الانتاج واسع النطاق، وركزت الثورة الصناعية الثالثة على استخدام الالكترونيات وتقنيات المعلومات لاتمتة الانتاج، تتمحور الثورة الصناعية الرابعة حول مزج التقنيات التي تلغي الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي في ظل التطورات التقنية المتسارعة التي امتدت تأثيراتها إلى عدد كبير من دول العالم في غضون العقد الحالي.

اولا: الثورة الصناعية الأولى:

نشأت الثورة الصناعية  من الفترة 1750-1850 في بريطانيا حيث بدأ التحول من الاقتصاد الزراعي الى الاقتصاد الصناعية حسب المتغيرات في الزراعة والتصنيع والتعدين، والنقل ، والتكنولوجيا ثم انتشرت بعد ذلك إلى جميع أنحاء أوروبا الغربية ، أمريكا الشمالية ، اليابان، ومن ثم إلى بقية دول العالم.

قدمت بريطانيا الأسس القانونية التي مكنت أصحاب المشاريع لريادة الثورة الصناعية، وهناك بدأ التحول من العمالة اليدوية والعمالة المرتبطة بإستخدام الحيوانات إلى الاقتصاد القائم على إستخدام الآلة.

وكان الأساس الذي بنيت عليه هذه الثورة المحرك البخاري، بدأ ذلك مع صناعات الغزل والنسيج، وتطوير تقنيات تصنيع الحديد وزيادة استخدام الفحم.

 وقد مكن التوسع في التجارة من خلال إدخال القنوات و الطرق المحسنة و خطوط السكك الحديديةمما ادى تدفق السكان من الريف الى المدن.

ثانيا: الثورة الصناعية الثانية

امتدت من الثلث الأخير من القرن التاسع عشر حوالي عام 1870 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى نتيجةً للتطورات والاختراعات في مجال الكهرباء والنقل والحديد وخاصة الإنتاج والاستهلاك على نطاق واسع.

كانت نشأت الثورة الصناعية الاولى في بريطانيا ، بينما الولايات المتحدة مهد الثورة الصناعية الثانية . التي جاءت بصناعات جديدة للحديد والصلب وقامت صناعات تكرير البترول والمصانع العملاقة والآلات الحديثة وظهور السيارات . وظهرت بها المكائن الزراعية لقلة وجود الأيدي العاملة بها . كما إنتشرت الثورة الصناعية في عدة بلدان في القرن 19 م. من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا ومعظم بلدان أوربا الغربية.

وتعرف أيضاً باسم ثورة التكنولوجيا، وتميزت هذه الثورة مع زيادة اعتماد النقل والبخار والتصنيع على نطاق واسع من أدوات الآلات، والزيادة في استخدام الآلات البخارية في الشركات، كذلك بنيت العديد من خطوط السكك الحديدية مع التوجه نحو منتجات الصلب والحديد على نطاق واسع.

ان آخر اختراع رئيسي كان في المرحلة الثانية من الثورة الصناعية هو الكهرباء والاتصالات الكهربائية، ويمكن النظر إلى التطور الصناعي السريع في هذه الفترة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثا: الثورة الصناعية الثالثة

ابتدأت في نهاية القرن الماضي حوالي عام 1969، وارتبطت بتصنيع وإنتشار الحاسوب وتقنية المعلومات، ونقل أول رسالة عن طريق الإنترنت، ودخول الحاسوب في مجالات التصنيع والاتصالات والتعليم.

أصل هذه الثورة في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا. يكون أساسها الرئيسي ظهور تقنيات جديدة ، وخاصة تكنولوجيا المعلومات. في هذا الصدد ، كانت الإنترنت وجميع الاختراعات التي تم تطويرها من الإنترنت هي العنصر الذي تسبب في معظم التحولات التي حصلت في العالم. وقامت الثورة الصناعية الثالثة على اكتشافات جديدة تم إنتاجها في مجالين: تكنولوجيا المعلومات والبحث عن الطاقة المستدامة.

من ناحية أخرى ، بدأ الاهتمام بالبيئة بالظهور  حيث بدأت الدراسات لإيجاد بدائل للطاقة أقل تلوثا،

وكانت النتيجة استغلال الطاقات مثل طاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الشمسية أو الطاقة الحرارية، بالاضافة الى الطاقة النووية.

رابعا: الثورة الصناعية الرابعة:

تنطلق الثورة الصناعية الرابعة من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة الثالثة، خاصة شبكة الإنترنت وطاقة المعالجة (Processing) الهائلة، والقدرة على تخزين المعلومات. فهذه الإنجازات تفتح الأبواب أمام احتمالات لامحدودة من خلال الاختراقات الكبيرة لتكنولوجيات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، وغيرها.

هذه الثورة تختلف عن الثورات السابقة لها في ثلاثة أبعاد رئيسة تتمثل في:

  1. سرعة انتشار التقنيات التكنولوجية.
  2. اتساع نطاق تأثيراتها لتشمل كافة المجالات.
  3. قدرتها على إحداث تغيير جذري في أنظمة الانتاج والعلاقات الاقتصادية وطريقة سير المجتمعات.

كانت لهذه الثورة تداعيات ملموسة على الأنظمة الاقتصادية حيث ادت إلى إعادة هيكلة شاملة للبنية الاقتصادية باتجاه التحول لقطاعات انتاج المعرفة والتقنيات عالية القيمة ، و تراجع لمساهمة قطاعات الانتاج التقليدية .

مستقبل الوظائف:

التطورات التقنية المتسارعة وانتشار  الروبوتات سوف تؤثر بشكل كبير على الوظائف خلال السنوات المقبلة في ظل الإتجاه إلى أتمتة الاعمال التقليدية في قطاعات الزراعة والصناعة والوظائف المكتبية والحرفية، فيما ستنمو مستويات الطلب على العمالة في مجالات انتاج التقنيات والهندسة والرياضيات والعلوم.

توقع الاقتصاديون وعلماء المستقبليات بشكل جيد الوظائف المهددة بخطر الاختفاء، و الوظائف التي ستظهر، بسب تعلق ذلك بواقع التعليم ومستقبله، الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية:

  1. إن النظام التعليمي الحالي قائم على الاقتصاد الصناعي ، وعليه أن يلحق بالتطورات الحاصلة والمرتقبة.
  2. إن وظائف المستقبل ستكون تلك التي لا تستطيع الآلة القيام بها.

وتشير الدراسات إلى أن نحو 65٪ من الأطفال الذين بدأوا تعليمهم الآن في المدارس الابتدائية سينتهي بهم الأمر بمهن ووظائف غير موجودة بعد وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من نصف الوظائف الحالية سيكون لديها إمكانية التشغيل الآلي بدون عمالة بشرية في ذات الوقت مستقبلاً. وحينها ستبدأ الثورة الصناعية الخامسة.

والهدف من الثورة الصناعية الخامسة المستقبلية هو دمج البشر والتكنولوجيا ، وقد تم ذكر في أحدى مؤتمرات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أن المعادلة المستقبلية ستكون:

تقنية الذكاء الاصطناعي + تقنية البلوكتشين + البشر = نتائج سحرية ضخمة

حيث سيساعد الذكاء الاصطناعي في زيادة إنتاجية العمل البشري، وستساعد تقنية البلوكتشين في منح الوصول إلى الخدمات المصرفية.

وستتيح الثورة الصناعية الخامسة تبني الإبداعات في جميع المجالات بما فيها الطبي، حيث سيكون هناك استخدام الأعضاء والأطراف الصناعية في العمليات الجراحية من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد. وسيكون علم الأدوية مصمم ليناسب الحمض النووي للأفراد.

    blockchain:

خلال هذا الجزء من المقال سنتعرف على مفهوم تقنية سلسلة الكتل، وكيف تعمل، ولماذا حظت بهذا  الاهتمام والشهرة منذ لحظة ابتكارها.

  blockchain أو سلسلة الكتل هي عبارة عن ما يشبه قاعدة بيانات مشفرة و موزعة وآمنة، تسمح للمشاركين في الشبكة بإنشاء سجل موثوق لبيانات المعاملات دون الحاجة إلى طرف ثالث.

 تقنية سلسلة الكتل أو  Blockchain أصبحت اليوم حديث الساعة ولديها القدرة على النمو لتصبح حجر الأساس لأنظمة حفظ السجلات والبيانات في جميع أنحاء العالم خاصة مع انتشار العملات الرقمية حيث تم إطلاقها منذ 10 سنوات فقط من قبل أشخاص مجهولين كانوا وراء إنشاء أول وأشهر عملة رقمية وهي البيتكوين.

قد تظهر تقنية Blockchain  قوة تطبيقاتها في المجال المصرفي والمالي عندما تستبدل المؤسسات المالية العمليات والأعمال الورقية التقليدية بنظام بنيته الأساسية من Blockchain، بما في ذلك المعاملات التجارية العالمية والتمويل والخدمات المصرفية ، والإقراض ، والمعاملات الأخرى.

ChatGPT

أثار نموذج الذكاء الصناعي ChatGPT من تطوير شركة OpenAI جدلا واسعا مؤخرا، وذلك نظرا لقدراته المذهلة في إجراء المحادثات والرد على الاستفسارات بطريقة طبيعية ، بالإضافة لقدرته على كتابة الشفرات أو الأكواد البرمجية وحل المشاكل البرمجية، إلى جانب قدرته على كتابة سيناريوهات قصيرة أو تلخيص مقاطع الفيديو

وهو النموذج القادر على التفاعل مع المستخدمين من خلال المحادثة، بما في ذلك الإجابة على الأسئلة حتى المعقدة منها، حيث يعتمد نموذج الذكاء الصناعي على تحليل وإنتاج النصوص ببساطة من خلال الحصول على سلسلة من الكلمات ،كا ان النموذج يمتلك قدرات أكبر تجعله قادرا على مساعدة المستخدمين في العديد من الحالات مثل

  • تصحيح وكتابة وشرح الأكواد البرمجية لمساعدة المبرمجين،
  • المساعدة في كتابة أو إنشاء السيرة الذاتية CV.
  • إنشاء المحتوى.
  • إنشاء صور إبداعية من النصوص، تحويل النصوص إلى صور .
  • شرح الموضوعات المعقدة ببساطة.
  • حل المعادلات الرياضية.
  • نصائح حول العلاقات الاجتماعية.

الثورة الصناعية الخامسة

حتى الآن، لا يوجد اتفاق حول مفهوم الثورة الصناعية الخامسة ولا يوجد تعريف رسمي لها. ومع ذلك، فإن الثورة الصناعية الخامسة تستند إلى استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتقنية الإنترنت الشامل والحوسبة السحابية وغيرها من التكنولوجيا الجديدة والمتطورة.

يتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الخامسة إلى تغيير جذري في كيفية العمل والإنتاج والتصنيع، وقد تؤدي إلى تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة. ومن المتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الخامسة إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات وتوفير الوقت والجهد والموارد.

على الرغم من أن الثورة الصناعية الخامسة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تحظى بمتابعة كبيرة من قبل العديد من الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم، حيث يرى الكثيرون فيها فرصة كبيرة للتطور

ولكي تعلن بذلك عن نهاية عصر وبداية فجر جديد لحضارة مختلفة تماما عن سابقتها، تكون فيها الغلبة لإنسان، ذلك الإنسان الهجين بين البشر والذكاء الاصطناعي.

بهذا المنطق، فإن الثورات الصناعية الأربع السابقة يمكن النظر إليها على أنها جميعا كانت ثورات تمهيدية للثورة الصناعية الخامسة والتي قد تصبح الأخيرة.

و الغاية النهائية التي قد تحققها الثورة الصناعية الخامسة بأن تجعل الإنسان ولأول مرة هو محور التطور التكنولوجي نفسه، وعلى عكس الثورة الصناعية السابقة التي كان محورها الآلات والأدوات نفسها، سوف يصبح البشر هم الثورة الصناعية الخامسة.

فمثلا إذا استطاعت الثورة الصناعية الرابعة أن تقوم بترقية الآلات من خلال منحها سيطرة على ذاتها، بأن تجعلها ذكية وقادرة على اتخاذ قراراتها بصورة مستقلة عن الإنسان، فإن الثورة الصناعية الخامسة تستهدف ترقية الإنسان نفسه، عبر طريقين رئيسيين:

الأول من خلال منحه سيطرة أكثر على الآلات بأن يتحكم في أجهزة إنترنيت الأشياء والأجهزة ذاتية التشغيل فقط من خلال التفكير.

 والثاني من خلال منح الإنسان حرية أكثر للحركة في بيئته الصناعية الجديدة.

اهم التوصيات

يعتبر عصر التكنولوجيا هو عامل القوة الرئيسي الذي تقاس بيها الدول والمؤسسات في المستقبل القريب وعلى هذا المعطى نوصي بالتالي:

  1. الحاجة الى القوانين والضوابط الحاكمة في ادارة التكنولوجيا خصوصا بعد ان اصبحت التكنولوجيا سهله وبمتناول الجميع، والخوف في امتلاك هذه الادوات من قبل اشخاص خارجين عن القانون.
  2. تطوير المناهج الدراسية والدورات التدريبة المختصة في الدراسات الاولية ودعم المواهب في مجال التكنولوجيا.
  3. دعم المراكز البحثية والاهتمام بالبحث العلمي الخاص في تكنلوجيا المعلومات
  4. الاستعداد والتكيف مع التطور السريع في التكنولوجيا  لمواكبة الدول المتقدمة.
  5. دعم تقنيات  الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم والصحة والصناعة، وتحليل البيانات الكبيرة وتوفير حلول متطورة للمشاكل الحالية.
  6. اعتماد تقنية البلوك تشين في العمليات المالية والاستفادة منها في التجارة الالكترونية والتأمين وغيرها.
  7. اعتماد تقنية انترنيت الاشياء IOT وتمكينها من التواصل والتفاعل بشكل ذكي والاستفادة في مجالات مثل الصناعة والزراعة والصحة والمدن والبيت الذكي.
  8. تفويض الشركات الخاصة في امن المعلومات وحماية البيانات ، إضافة إلى توسيع دور الحكومة لاتخاذ إجراءات خاصة في الامن السيبراني.