الكيان الصهيوني في مفترق الطرق غير المعبدة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-04-04 14:11:42

الباحث

زهير حمودي الجبوري

قسم الدراسات السياسية

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

 

شهدت مدن الكيان الصهيوني في الايام الاخيرة  موجة من التظاهرات غير المسبوقة رفضا للاصلاحات القضائية التي طرحتها حكومة رئيس الوزراء المحسوبة على اليمين المتطرف والتي تحاول الحد من صلاحية القضاء في محاسبة السلطة التنفيذية، لكن ما يميزهذه الاحتجاجات هي سعة حجم المشاركة الشعبية وامتدادها إلى اغلب المدن وكذلك أحدثت إنقساما اجتماعيا وسياسيا حتى داخل الحكومة نفسها حيث حاول رئيس الوزراء إقالة بعض الوزراء المعارضين لتعديلاته القضائية ومنهم وزير الدفاع

أفرزت هذه الاحتجاجات جملة متغيرات في مسار الدولة الاسرائيلية  منها بروز الفجوة الجيلية وسط المجتمع الاسرائيلي، حيث يمثل أغلب المحتجون جيلا جديدا له أولوياته وأهتماماته وطريقته في التعبير عن نفسه وبطريقة جديدة غير مألوفة في الكيان، فكان جل اهتمام المجتمع الاسرائيلي هو الحفاظ على كيان الدولة التي تمثل الحلم والوعد الالهي لليهود وعدم السماح لاثارة المشاكل والخلافات الداخلية التي تزعزع استقرار هذه الدولة حتى أن وجدت بعض المصاعب الاقتصادية أو التضييق بالحريات أو الفساد المالي لرموز الكيان الصهيوني، لكن جيل اليوم  يعتبر الحريات  وتطوير النظام الديمقراطي وبناء الليبرالية ومحاربة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي هي الاهتمامات الاولى التي على الدولة أن تنجزها باعتبار أن الكيان قد أجتاز مرحلة الخوف عَلى وجوده في منطقة الشرق الاوسط، ويعتقد المحتجون بأن دوام بقاء الدولة يعتمد على توسيع النظام الديمقراطي وإتاخة المزيد من الحريات والابتعاد عن التطرف الديني الذي يصف به المتظاهرون الحكومة الحالية .

كما أظهرت هذه الاحتجاجات أن اتخاذ الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من التهديدات والتحديات الخارجية ذريعة لقمع ومنع ظهور أي تحديات داخلية وإسكاتها، ولكن بعد عقود من السلام مع الجوار العربي وتوقيع المزيد من معاهدات التطبيع مع الدول العربية وخفوت نسبة التحديات الخارجية ساعد على ظهور التحديات الداخلية المتمثلة بالاحتجاجات الشعبية الرافضة للتشدد الديني وتقويض الحريات وتضعيف دور القضاء في تصحيح انحراف العملية السياسية التي تنتهجها الحكومة التي يقودها - نتنياهو - وهذا ما عمدت على اتباعه الحكومات الاسرائيلية باتخاذ التحديات الخارجية أو خلقها أو تفعيلها في بعض الاوقات لتنفيس الضغط الداخلي وهذا ما تنتهجه بعض الدول غير المستقرة .

التحدي الاهم الذي أفرزته الاحتجاجات الشعبية في الكيان الاسرائيلي هو ظهور بوادر خلاف بين الولايات المتحدة الامريكية  والحكومة الاسرائيلية حيث طالب الرئيس الامريكي بايدن من رئيس الوزراء الاسرائيلي التخلي عن برنامج الاصلاح القضائي الذي أثار موجة الاحتجاجات بينما جاء الرد من وزير الامن الوطني الاسرائيلي أيتمار بن غفير (أن أسرائيل ليست نجمة من نجوم العلم الامريكي) والذي يقصد به ان اسرائيل ليست ولاية أمريكية حتى تتحكم بها الولايات المتحدة وتأتي هذه التصريحات بعد اتهام أطراف في الحكومة الاسرائيلية للولايات المتحدة بدعمها للتظاهرات وتأييدها، هذا التقاطع مع الولايات المتحدة سيترك أثرا كبيرا على الكيان الصهيوني باعتبار ان الحماية والدعم الامريكي يمثل العامل الاكبر في وجود دولة الكيان الصهيوني وبقائها وأن أي تخلي أمريكي عن أسرائيل ولو بشكل جزئي ستكون له أنعكاسات على وضع المنطقة، وسبق أن حدثت بعض التقاطعات في مسار العلاقة بين أمريكا وأسرائيل  حول بعض المواقف تجاه القضايا الدولية ولكن ما يميز هذا الاختلاف أنه تمحور حول السياسات الداخلية للحكومة وتسبب بنوع من عدم الاستقرار الداخلي الذي وصفه البعض بأنه مقدمة لانهيار أو حرب أهلية داخلية لأن الشارع السياسي والاجتماعي الاسرائيلي انقسم وسط هذه الاحداث الى توجه ليبرالي ديمقراطي وله امتداد في الدولة والمؤسسة العسكرية والامنية مقابل توجه ديني يميني متشدد وله حضوره القوي في الحكومة وكذلك في المؤسسة الامنية والعسكرية ومثل هذه الانقسامات البنيوية صعبة الترميم  والمعالجة وتنذر بتهديد جدي لدولة الكيان الصهيوني.