الانتخابات التركية و المعارضة 2023

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-03-30 12:53:35

 م.م حسن صادق ابراهيم شمسي

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

 

اولا : الانتخابات التركية دراسة تاريخية حتى عام 2023م

شهدت تركيا خلال المدة المحصورة من تأسيس الجمهورية التركية 1923 وحتى عام 1950 نظام انتخابات المعتمد على "التمثيل النسبي المحدود" والذي كان يتم من خلال ترجيح مرشحين من حزب الشعب الجمهوري الذي تسيد المشهد السياسي في تركيا وهؤلاء المرشحين يتم اختيارهم من قبل الشعب. ساعد في ديمومة الحالة هذه ما كان يشهده العالم من انعكاسات سلبية للحرب العالمية الثانية 1939-1945 اثرت بشكل مباشر على التجارب الديموقراطية لا في تركيا فحسب رغم عدم اشتراكها في الحرب العالمية ، بل في اغلب بلدان الشرق الاوسط التي ارتبطت مصالحها عالميا .

في ظل الاجواء السلبية للحرب وتردي الواقع الاقتصادي للبلدان الشرق اوسطية ظهرت مطالبات تركية بضرورة اعتماد التعددية الحزبية كمنهاج ديمقراطي اسوة بالتجارب الدولية التي شهدت تحولات ديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية ، فضلا عن ظهور ديناميكيات تحولية تشير الى ان التعددية باتت ضرورة استراتيجية لمستقبل البلدان التي تفقد هذا النموذج الديموقراطي . خاصة بعد التحول الذي اصاب العالم عقب الحرب الداعي الى التثقيف للحرية والديموقراطية وانعكاس تلك المفاهيم على الواقع التركي خاصة مع انضمام تركيا الى منظمة الامم المتحدة في عام (1945) كبادرة حسن نية متأخرة امام دول الحلفاء . وفي ظل تلك المقدمات الدولية صار الامر واقعا امام تأييد عصمت اينونو لتلك التعددية استجابة للوضع الدولي والداخلي.

كانت الخطوة الاولى في الحياة السياسية التركية من خلال حزبين رئيسيين الاول حزب التنمية الوطني لنوري دميراغ يوم 18 تموز 1945، اما الحزب الثاني هو الحزب الديمقراطي وزعيمه عدنان مندريس في تجربة كانت ردة فعل معارضة لسياسات حزب الشعب الجمهوري آنذاك. وأسفرت أول انتخابات عامة متعددة الأحزاب أجريت يوم 21 حزيران 1946، عن فوز حزب الشعب الجمهوري بالأغلبية.  أما الانتخابات العامة التي جرت يوم 14 أيار 1950، كان الفوز نصيب الحزب الديمقراطي الذي تصدر ناخبيه قوائم المنافسة للحزب التركي التقليدي "الشعب الجمهوري" المتواصل منذ 27 عاماً([1]). واستمر زخم الحزب الديمقراطي متصدرا في انتخابات عامي 1954 و1957، حتى  27 أيار 1960 حيث الانقلاب العسكري الذي قاده جمال كورسيل واطاح  بالسلطة الحاكمة التي سيطرت على مقاليد الحكم  طيلة 10 سنوات متواصلة. كان هذا الانقلاب هو المحطة الاولى في سيطرة ووصاية العسكر على مجمل الحياة السياسية التركية تلك الوصاية التي تكررت كل عشر سنوات تقريبا.

فلو استعرضنا القيم الرقمية العددية لنتائج الانتخابات التركية بعد عام 1946 بين حزبي الشعب الجمهوري  و الحزب الديمقراطي ، على الرغم من إدراك أعضاء الحزب الاخير بعدم التكافؤ بين النقيضين سببه العمق التأريخي لحزب الشعب الجمهوري المؤثر على الساحة الشعبية التركية ، وهذا ما حصل فعلا عندما احرز حزب الشعب الجمهوري 396 مقعداً من بين (465) مقعداً في حين حصل الحزب الديمقراطي على (62) مقعداً فيما حصل المستقلون على 7 مقاعد فقط   ، امرا  وجه من خلاله زعيم الحزب بايار رسالة الى الرئيس عصمت اينونو يتهمه بان الانتخابات جرت تحت ضغط الحكومة وان نتائجها قد زيفت ([2]).

لم يكن الموقف نفسه في الانتخابات النيابية عام 1950م والتي جرت 14 أيار  من ذات العام ، وشارك فيها ما يقرب من 88% من السكان ([3]) ، فرغم ان المبادرة السياسية بيد        الجمهوريين ، لكن النتائج اسفرت عن فوز ساحق للحزب الديمقراطي والذي حصل على (408) مقاعد في البرلمان ، في حين حصل حزب الشعب الجمهوري على (69) مقعداً ، وحصل حزب الامة على مقعد واحد ، فيما حصل المستقلون على (9) مقاعد انتخابات وصفها المراقبون بانها انتخابات عادلة انتجت استحقاقا انتخابيا موضوعيا([4])، لها اثرها على سلاسة الانتقال السلمي للسلطة . وسلم عصمت أينونو الحكومة سلمياً الى الحزب الديمقراطي بقيادة جلال بايار واختار طريق المعارضة البرلمانية([5])

 تمكن حزب الديمقراطي من  تحقيق نجاح في الانتخابات طيلة المدة 1950-1960 من خلال اعتمادهم على الفلاحين الذين كانوا يشكلون قرابة 70% من الاصوات، الا ان الاجراءات التي قام بها حكومة عدنان مندريس انتجت في النهاية انقلاب عسكري جاء في 27 أيار 1960 بعد مدة صراع بين الحزب الديمقراطي واتباعه ، وحزب الشعب الجمهوري والاحزاب المعارضة الاخرى التي طالبت بتدخل الجيش لحسم الامر والوقوف ضد سياسة عدنان مندريس في قمع المظاهرات ([6])، وقد اتهم قادة الجيش عدنان مندريس ، بانتهاك الدستور وتحويل الجيش اداة للصراع بين الحزب الديمقراطي واحزاب المعارضة بعد ان سعت حكومة الديمقراطيين الى اسكات كل صوت للمعارضة السياسية ([7]).

بعد سيطرة الجيش على السلطة و تشكيل لجنة الوحدة الوطنية  صدرت الموافقات الرسمية بتشكيل الاحزاب السياسية الجديدة في كانون الثاني 1961، وحدد 15 شباط في العام نفسه موعداً لتسجيل الاحزاب التي ستشارك في تلك الانتخابات فتم تسجيل احد عشر حزباً  ، بعد اجراء الانتخابات عام 1961 ، وتشتت اصوات الناخبين بين احزاب متعددة ظهر على المسرح السياسي . اتجاه جديد تمثل بالحكومات الائتلافية فلم يحصل أي حزب تركي سياسي على اغلبية طيلة مرحلتي (الستينات ، والسبعينات) ولتصبح تناوب الحكومات الائتلافية ظاهرة رافقت السياسة التركية حتى انقلاب 12 ايلول 1980([8]).

برزت في المدة المحصورة بين  1983- 1997م احزاب اسلامية على الساحة التركية  حيث كان حزب الرفاه أول حزب إسلامي يصل الى الحكم منذ سقوط الخلافة العثمانية ، ففي انتخابات كانون أول 1995م استطاع حزب الرفاه بزعامة أربكان الفوز بأصوات 21 بالمائة من أصوات  الناخبين  ، وقد شكل هذا الفوز تأثيرا سياسيا في تركيا فقد تمكن أربكان في حزيران 1996م من تشكيل حكومة ائتلافية ، وفي 18 نيسان 1999م جرت الانتخابات في تركيا ، وبلغت نسبة المشاركة بحدود( 87 %)،  حصل حزب اليسار الديمقراطي على المرتبة الاولى بنسبة( 22 %)  من الاصوات بواقع  136 مقعداً ،  في حين احتل المرتبة الثانية حزب الحركة القومية بقيادة دولة بهجلي بنسبة 18,6% من الاصوات ، بينما حصل حزب الوطن الام على نسبة 13,2 % ، وفي 7 ايار 1999م كلف رئيس الجهمورية سليمان ديمريل زعيم حزب اليسار الديمقراطي بولند أجويد بتشكيل الحكومة .

 اما في انتخابات عام 2002م التي مثلت اهمية كبرى في التاريخ التركي وذلك لاختلافها عما سبقها من انتخابات كونها تمت تحت ظروف قاسية  و وسط أزمات اقتصادية و اجتماعية ، أجريت الانتخابات في 3 تشرين الثاني 2002م اشترك في تلك الانتخابات 19 حزبا ، وجاءت نتائج الانتخابات مفاجئة سياسية كبرى وذلك بفوز حزب العدالة والتنمية بنسبة 34,3% من الاصوات  فقد حصل على 363 مقعداً نيابيًا ، وفي المرتبة الثانية  حزب الشعب الجمهوري الذي حصل على نسبة 19% من الاصوات ، وكانت تلك الانتخابات هزيمة كبرى لاحزاب الائتلاف الحاكم حيث لم يحصل حزب اليسار الديمقراطي سوى على نسبة 1,2 % من الاصوات رغم انه كان المنتصر في انتخابات عام 1999م([9]).

وفي الانتخابات 2007 و 2011م حقق حزب العدالة التنمية فوز ساحق ، واما  في انتخابات 7 حزيران  2015 ، فاز الحزب بأغلبية غير ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى حيث حصل على 258 مقعد من جملة 550، بما نسبته 40.87% من الأصوات ، امرا ساقه نحو ضرورة التآلف مع احزاب اخرى ، تآلفا قيصريا لم يحقق نتائج ايجابية لحكومة أحمد داوود أوغلو الثانية والتي بقيت مؤقتة حتى انتخابات تشرين الثاني المبكرة عام 2015 ، والتي فاز الحزب بأغلبية ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى حيث حصل على 317 مقعد من جملة 550، بما نسبته 49.5% من الأصوات ، الا ان تدهور الليرة التركية و ازمة اللاجئين السوريين في تركيا  كانت أحد أهم المشاكل التي لم يستطيع حزب العدالة حلها ، و أدى إلى خسارته للانتخابات البلدية ببعض الولايات التركية .

ثانيا: المعارضة و الانتخابات التركية و المعارضة 2023 :

ازداد المشهد السياسي الداخلي في تركيا سخونة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية ، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية و البرلمانية التركية في حزيران ٢٠٢٣، تقوم الأحزاب المعارضة الستة حزب الشعب الجمهوري ، الحزب الجيد ، حزب المستقبل ، حزب الديمقراطية والتقدم ، الحزب الديمقراطي ، حزب السعادة ، في تنظيم صفوفها و بدء الحملات الانتخابية بشكل غير مباشرة ، ومحاولة بعض أحزاب المعارضة التوافق على مرشح توافقي لمنافسة أردوغان.

حيث عقد زعماء أحزاب المعارضة الستة ، قمتهم الثالثة في العاصمة أنقرة لبحث سيناريوهات الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ، وشارك في القمة التي عقدت بضيافة الحزب الديمقراطي كل من زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو ، وزعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر ، ورئيس حزب السعادة تمل قره موللا أوغلو ، ورئيس حزب دواء علي باباجان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، ورئيس الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال.

تم الاتفاق في القمة الثالثة على كتلة  2+4 وهي الحزبان: الشعب الجمهوري والجيد، وبقية الأحزاب الأربعة ضمن تحالف واحد ، وفقا المعلومات التي نشرتها قناة الشعب فإن المباحثات تناولت مناقشات المرشح الرئاسي المحتمل والترشيحات المتعلقة بالنواب ، والسيناريوهات المتعلقة بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظر إجراؤها عام 2023 ، كما أوضحت  خارطة الطريق المرحلة الانتقالية بعد الانتخابات ، وأمن الانتخابات ، وقانون الانتخابات الجديد الذي يفرض أنواعا جديدة من التعاون بين الأطراف السياسية المعارضة، فضلا عن سياسة الحكومة حول اللاجئين والتطورات في السياسة الخارجية والاقتصاد.

من خلال النظرة في الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا فإن حزب العدالة والتنمية فقد الجماهير في أغلب القرى و الأرياف، خاصة بعد انهيار الليرة أمام الدولار ، نتيجة لذلك فإن حزب العدالة والتنمية سوف يقوم بعقد تحالف مرة أخرى مع حزب الحركة القومية ، حيث  يحتاج إردوغان إلى دعم بهتشلي وحزبه أكثر من أي وقت مضى للفوز بولاية رئاسية ، حيث أوضح حزب الحركة القومية ، شريك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تحالف الشعب ، حملته الانتخابية قبل أسابيع قليلة، وكان التحالف قد أعلن أن مرشحه للانتخابات الرئاسية سيكون هذه المرة أيضًا الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيس الجمهورية الحالي.

اما المعارضة التركية لم تعلن حتى الآن عن الشخصية التي سوف تتنافس مع اوردغان في الانتخابات الرئاسية، ومن المقرر أن يجتمع زعيم "حزب الشعب" مع بقية الأحزاب المشكّلة للطاولة السداسية ومن بينها "حزب الجيد" ذو الجذور القومية وحزبي علي باباجان وأحمد داوود أوغلو ، ويأتي هذا اللقاء بعد 6 اجتماعات سابقة عقدها زعماء المعارضة ، من أجل التنسيق والتخطيط للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفقا لاستطلاع للرأي العام التي أجرتها بعض القنوات الفضائية التركية مع محللين السياسيين و المثقفين ، هناك تراجع في حظوظ حزب العدالة والتنمية في نسبة الأصوات مقارنة عما حققه في الانتخابات السابقة ، حيث سوف يحصل الحزب بين ٣٠ _ ٤٠ بالمئة من الأصوات ، إضافة إلى ذلك تراجع نسبة الأصوات حزب الحركة القومية التركي إلى  ٧ بالمئة حزب متحالف مع اوردغان.

اما المعارضة فإن الحزب الرئيسي حزب الشعب الجمهوري لم يحقق تقدم ، حيث بقيت حصته بين ٢٣_ ٢٤ بالمئة من الأصوات ، اما الحزب الذي استفاد من تراجع الشعبية العدالة والتنمية و حزب القومية ، و سوف يتمكن من تحقيق الفوز بالأصوات  كان حزب الجيد  حيث أن وفقا الأرقام سوف يحصل على ١٥ بالمائة من الأصوات الانتخابية، يبدو لنا بأن حزب الشعب الحاكم ( حزب العدالة والتنمية و حزب الحركة القومية)، سوف يخسر الأغلبية البرلمانية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. اما بخصوص الانتخابات الرئاسية فإن المرشح الوحيد، هو اوردغان، ولا زالت الأحزاب المعارضة تنتظر نتائج المساومات، عقد اجتماعات من أجل خروج بمنافس قوي.

 

 


([1]) F. Nalbandoglu: Demokrasi Ve Rejimler politi kasi (Ankara-1950) S.55.   

([2] Celal Bayar : Diyorki, (Ankara, 1950) s. 140 .  

([3]) جمهورية العراق ، وزارة الاعلام ، د.ك.و: تقارير المفوضية العراقية في اسطنبول ، ملفه 2738 و 36 في 28/5/1950 (الانتخابات في تركيا) كذلك M.Cezar: Tarih, Cilt- III (Istanbul 1950) S.215 وجريدة الاهرام القاهرية في 16/5/1950 .      

([4]) عماد احمد الجواهري، البنية الاجتماعية في تركيا، في تركيا المعاصرة، ص 103؛ طلال يونس الجليلي، التيار الاسلامي في الحياة السياسية التركية، ص 53.

([5]) جريدة الاتحاد الدستوري، بغداد، 6 حزيران1950.

([6]) Walter Weiker : The Turkish Revolution 1960-1961 Aspects of Military Politics, The Broodings in Stitution (Washington  1963) p.25.  

([7]) التطورات السياسية في تركيا ، تقرير من اعداد وكالة الانباء العراقية ، قسم البحوث والتقارير ، 1976 ، ص6 . 

([8]) حسن فؤاد : الازمة الدستورية في تركيا ، مجلة السياسة الدولية ، القاهرة ، السنة السابعة ، 1971، ص160. 

[9] -  تغريد سامي ابراهيم مجيد الزبيدي ،الحياة النيابية في تركيا 1999-2007 ، رسالة ماجستير ، كلية التربية ، جامعة ديالى ، 2021، ص 161 .