الحرب الاوكرانية واستراتيجية الهيمنة الامريكية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-02-22 12:46:59

(إن السياسة الدولية ماهي الا صراع من أجل القوة) هانز مورجنثاو

زهير حمودي الجبوري

قسم الدراسات السياسية

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

 

هناك اعتقاد واقعي يقول لاوجود للصدفة في عالم السياسة، وإن ما نراه ونسمع به من أحداث سياسية في الواقع  إنما هي  أحداث مدروسة ومخطط لها ومتحكم بأبعادها ونتائجها وأن بدت للمتابع كأنها فوضى غير مسيطر عليها، ولكن الحقيقة أنها أحداث لها صناعها وانها تستند على نظريات وسياسات أعدت من قبل فلاسفة ومفكرين وتطبق بدقة من السياسيين والحكام لتحقيق أهداف هذه الاستراتيجيات والسياسات.

وإن أفضل من يبتكر هذه الاستراتيجيات ويطبقها هي الدول العظمى التي تمتلك موارد القوة بأشكالها المتنوعة  التي تمكنها من إنتاج هذه النظريات وتنفيذها على أرض الواقع، لذا نجد أن الولايات المتحدة من أكثر الدول غزارة في طرح نظريات السياسة الدولية ومن ثم تنفيذها  منذ مغادرتها  لإنعزالية (مونرو)  بعد الحرب العالمية الثانية لتسيطر فكرة الهيمنة على عقول صناع السياسة وأجندات منفذي السياسة الدولية  لتترجم الى  إستراتيجية  (أولوية الهيمنة) التي تؤمن  بأن نظام توازن القوى لايحقق الامن والسلام العالمي  بل يعمل على انتاج عدم الاستقرار والحروب والصراعات الدولية  ولتفادي ذلك لابد من إحداث إختلال في هذا التوازن  سياسيا وعسكريا وإقتصاديا لصالح قوة عظمى وحيدة مهيمنة وهي الولايات المتحدة الامريكية والتي بما تملكه من مقومات القوة قادرة على تحقيق الاستقرار الدولي  المرتبط باستمرار الهيمنة الامريكية.

وهنا يرى (روبرت ويرلي) (أن الولايات المتحدة تعمل وفق هذه الاستراتيجية على الاحتفاظ بهيمنة عالمية حميدة وأن تمنع صعود القوى المنافسة في النظام الدولي)، لذا فإن هدف استراتيجية أولوية الهيمنة الأساس هو إشعار  الوحدات الدولية بأن مفتاح السلام العالمي لا يتحقق الا بالحفاظ عَلى هذه الهيمنة وسيطرة أمريكا عَلى النظام العالمي وأن الغرض من الاستراتيجية هي منع  ظهور أي قوى عالمية منافسة لأمريكا  كونه يمثل تهديد للنظام والاستقرار العالمي  ولتحقيق هذا الغرض  ومنع بروز قوى عالمية تزاحم الولايات المتحدة على زعامتها العالمية أنتج الفكر السياسي الامريكي عدد من السياسات  التي تقف بوجه أي قوة عالمية تسعى لاعادة التوازن الى النظام العالمي  ومنها سياسة (مفاتيح التدخل) التي تقوم على تدعيم الوجود الامريكي في مناطق النفوذ في العالم  لإضعاف أي نفوذ آخر منافس ومزاحم للهيمنة الامريكية وأحيانًا تذهب هذه السياسة بعيدا عندما تقوم بإذكاء الصراعات الاقليمية في مناطق النفوذ والتحكم في مسارات هذه الصراعات  وديمومتها لإضعاف القوى المنافسة وتتخذ منها ذريعة للتدخل وتواجد القوة الامريكية في هذه المناطق كما حصل في حرب البلقان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

كما يمكن أعتبار الحرب الروسية على أوكرانيا تجسيد حي لاستراتيجية  أولوية الهيمنة وسياسة مفاتيح التدخل .

فقد أشارت العديد من الدراسات والقراءات السياسية إلى أن النظام العالمي على أبواب تغيير وانتقال من نظام القطب الواحد الى نظام متعدد الاقطاب وهناك بروز قوى عالمية منافسة للهيمنة الامريكية منها روسيا وأوربا الموحدة وكذلك الصين واليابان لذلك عمدت الولايات المتحدة بدعم رغبة أوكرانيا بالانضمام الى حلف الناتو ونشر أسلحة الحلف على أراضيها الذي أعتبرته روسيا خرقا لامنها الحيوي وتهديدا قريبا لامنها القومي.

وبين إصرار اوكرانيا المدعوم من الغرب ورفض روسي مدعوم بشعور الامن والقوة نشب الصراع العسكري ودخلت القوات الروسية الاراضي الاوكرانية وهذا هو التطبيق المباشر لسياسة مفاتيح التدخل اذ تعمل الولايات على ديمومة هذا الصراع لأطول فترة ممكنة من خلال فرض الدعم العسكري من دول حلف الناتو واستمرار الصمود الامريكي، وهنا يتحقق الغرض من هذه السياسة، وهو إنهاك قوتين منافستين في صراع عسكري وإقتصادي وسياسي مما يضعفهما ويفقدهما قدرتهما على الحد من الهيمنة الامريكية أو بروزهما كقوى منافسة، وفي مرحلة معينة من الصراع  تفقد فيه الاطراف المتصارعة معالم قوتها، وبذريعة إيقاف الصراع  يتم نشر  قوات دولية بين الطرفين تكون وسيلة للوجود الامريكي بعنوان دولي.

وقد أشارت دراسة لمؤسسة راند عام 2019 الى ذلك جين ذكرت انه (يجب دفع روسيا الى ارتكاب مخالفة تبرر فرض عقوبات دولية على اقتصادها لتقليص إمكانياتها الاقتصادية) باعتبار أن مصادر قوة روسيا هي نفسها نقاط ضعفها وهو اقتصادها القائم على تصدير الغاز والنفط.

وعبر سياسة مفاتيح التدخل استطاعت الولايات المتحدة ان تزيل اثنين من القوى المنافسة لها وهي أوربا وروسيا معا عن طريق استراتيجية هيمنتها العالمية، وكذلك يمكن التوقع أن تكون تايوان هي الطعم الذي تستخدمه الولايات المتحدة لتوريط الصين في صراع عسكري وعقوبات إقتصادية لإنهاكها اولا ومن ثم إزاحتها من ميدان التنافس العالمي وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية.

ومن ذلك كله نستطيع التأكيد على أن الاحداث العالمية لا تخضع لمبدأ الصدفة أو الفوضى بل إنها حاصل لاستراتيجيات وسياسات معدة من قبل المفكرين وتطبق بدقة من قبل السياسيين لتحقيق أهداف الدول في الميدان الدولي والعالمي.