الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على تركيا

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-02-22 12:44:16

الدكتور طه محمد سعيد البياتي

تقع أوكرانيا في منطقة استراتيجية مهمة، فهي تصنف ضمن الدول التي تعزل بين قارتين، ضمن حزمة الدول التي تقع بين روسيا وأوروبا، وتعتبرها روسيا الحديقة الخلفية وأنها حاجز طبيعي بين الغرب وروسيا، بالإضافة الى انها أقرب الطرق من روسيا الى البلقان والبحر الأبيض المتوسط.

كذلك فإن نسبة الطاقة التي تسوقها روسيا لأوروبا عبر أوكرانيا تبلغ 80%، كما ان تراجع مخزونات الطاقة في الشرق الأوسط وحاجة الاقتصاد الغربي الى مزيد من امدادات الطاقة مستقبلا، جعل روسيا تعمل بأقصى جهد للحفاظ على أوكرانيا كمعبر لأنابيب الطاقة، خاصة ان روسيا تريد وضع يدها على نفط بحر قزوين وتوريده نحو أوروبا وقطع الطريق على المشروع الأوروبي – التركي "تاناب" الذي يعتبر مشروع القرن والذي يهدف لتخلص أوروبا من الصراع الاوكراني.

كما تعتبر روسيا أوكرانيا بلدا استراتيجيا من الناحية العسكرية باعتباره عازلا بينهما وبين دول حلف الناتو، بالإضافة الى أن هناك العديد من السكان الاوكرانيين الناطقين بالروسية لذلك فالمشاعر الموالية لروسيا قوية في أوكرانيا، وهذا يعد مصدر إضافي لروسيا للرغبة بالاتحاد مع أوكرانيا.

غرب أوكرانيا ينتمي ثقافيا وحضاريا الى أوروبا، فهو ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية، متمسك باللغة الأوكرانية، ومجتمع زراعي وله علاقات اقوى بدول أوروبا الشرقية التي أصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبي، بينما ينتمي الجزء الشرقي الى روسيا وكذا للكنيسة الأرثودوكسية ويحافظ على ولاء خاص لورسيا.

كانت بداية الازمة في أوكرانيا في عام 2013 على شكل احتجاجات على اثر رفض الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في الظاهر كانت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي هي من اطلق الاحتجاجات الأوكرانية الثانية في اقل من عشر سنوات ولكن الحقيقة ان هذه العلاقة ليست سوى تجسيد رمزي لجملة من الإشكاليات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها أوكرانيا، وتتعلق بجذورها كدولة مستقلة، حيث كانت هناك صلة وثيقة بين استقرار أوكرانيا وامن امدادات الطاقة لأوروبا ما دفع الاتحاد الأوروبي لبدء مباحثات حول اتفاقية مميزة بين أوروبا وأوكرانيا.

وبعد رفض العرض قدم الرئيس بوتين لأوكرانيا عرض مساعدات بقيمة 15 مليار دولار، وتسهيلات في أسعار الغاز، وهو ما تصوره بوتين كافيا للحفاظ على اوكرانيا خارج النفوذ الأوروبي وتصوره يانوكوفيتش كافيا لوضع حد لحركة الاحتجاج.

شهدت أوكرانيا العديد من الاشتباكات التي كانت أشدها بين الاوكرانيين والانفصاليين والذي دفع بممثلين من كييف وموسكو والانفصاليين الموالين لروسيا بعقد اجتماع مينسك وذلك بهدف التوصل الى خطة سلام لوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، وتتضمن اتفاقية مينسك[1] تم توقيعها في بيلاروسيا بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا 13 بندا في عام 2015.

أولا: استراتيجية الأمن القومي الروسي الجديد

تشهد روسيا الاتحادية منذ تولي فلاديمير بوتين رئاستها في 1999 طموحات لأن تعود قوة عظمى، وعبر عنها الرئيس بوتين في الرسالة التي وجهها بعد توليها الرئاسة، وأصبحت تعرف لدى المتخصصين بالشؤون الروسية باسم "رسالة الالفية".

يريد بوتين من نظرائه الغربيين ان يروا روسيا الجديدة وليس روسيا التي اعتاد عليها المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب الباردة، ومع انه سعى لإيصال رسالة واضحة وقوية الى الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي والاتحاد الأوربي الا ان نظرائه تغافلوا عن تصريحاته، وتجاهلوا أنه يريد من الجهات الغربية ان تعترف وتحترم مكانة روسيا الجديدة وان تتفاعل دبلوماسيا وفقا لمعايير متجددة.

وقد ظلت روسيا لحقبة طويلة من الزمن غير مرتاحة للنظام العالمي الحالي الذي يعمل على تهميشها واستدامة تراجع نفوذها وكان المسؤولون الروس صريحين للغاية في استيائهم واظهروا مقاومتهم سابقا بالأساليب الدبلوماسية والسياسية والعسكرية لكن الفاعلين الغربيين الرئيسيين لم يغيروا من مسار عملهم في اتجاه التوقعات الروسية فصار الخيار العسكري هو الملاذ الأخير لروسيا لتأكيد موقفها.

على هذا جاء التدخل في جورجيا في عام 2008 كخطوة عملية أولى لترجمة "الفكرة الروسية" في سياق رؤية رسالة الالفية وذلك بحجة الدفاع عن اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وهما منطقتان سعتا الى الانفصال وتأسيس جمهوريتين مستقلتين بدعم روسيا وحمايتها، ثم جاء التدخل في عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا والتطورات الأخيرة في منطقة دونباس والتوتر الروسي الاوكراني، وكانت موسكو حذرت حلف الشمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي من مواصلة توسيع نفوذهما في جمهوريات تعتبرها ضمن مجالها الحيوي.

وتبع ذلك تدخل روسي عسكري في سورية عام 2015، أصبح بعدها وجودا عسكريا شبه دائم على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وربط بين القاعدة الجديدة في طرطوس وبين سيباستوبل مقر قيادة الاسطول الروسي، لتعود روسيا الى الشرق الأوسط من جديد.

بعد أن مرت كل هذه العمليات تحت ترقب غربي، وفي ظل وجود إدارة أميركية ذات موقف شديد السلبية من سياسات الرئيس بوتين، وإزاء استفحال هذا الموقف، رأى بوتين أن يستبق التطورات بطلب تعهدات وضمانات أمنية واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية، دبلوماسيا في البداية، ثم على شكل انذار تمثل بحشد الجيوش على الحدود الأوكرانية، وتلا ذلك اعتراف روسي بالجمهوريتين دونيتسك ولوغانسك اللتان تشكلان إقليم دونباس، وذلك في شباط 2022، ثم الحرب الفعلية التي بدأت بتغطية جوية وصاروخية ثم اقتحام الجيش الروسي مناطق عدة في أوكرانيا وحتى الان فإن الحملة العسكرية مستمرة.

 وقد قدم الرئيس الروسي بوتين تحذيرات الى السلطات الاوكرانية بعدم الانجرار وراء مخططات الدول الغربية بجعل اوكرانيا ساحات نفوذ لحلف الناتو، والتي تعدها روسيا تهديدا حقيقيا لأمنها القومي.

وقد جاء انزعاج روسيا من تدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأراضي السوفيتية السابقة من خلال منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والجهات السياسية المؤيدة للغرب، وتحاول روسيا إيصال إشارات وتفسيرات تاريخية لجميع الدول والأمم التي تعيش في مناطق النفوذ السوفيتية السابقة وهي رسائل قد يكون أداة للدبلوماسية الروسية، فحواها تحذير هذه الدول من اتباع سياسة اوكرانيا.

اقرت روسيا في عام 2021 استراتيجية جديدة للأمن القومي الروسي، وهي استراتيجية "تحول في الأولويات الاستراتيجية لروسيا"، تضمنت إشكالية علاقتها مع الناتو ورفضها نشاطه العسكري الزائد وتمدده باتجاه حدودها، لكنها ابرزت اهتمامها بالحوار مع الاتحاد الأوروبي، وتنسيق عمليات التكامل في الجمهوريات السوفياتية السابقة.

الخلاصة فإن الاستراتيجية الروسية تتمثل بالتقويض الاستباقي لاستراتيجية الناتو والاتحاد الأوروبي في تحويل أوكرانيا الى ساحة مواجهة النفوذ الروسي، ورسالة تحذيرية الى بقية الدول المتواطئة مع الغرب التي تشكل تهديدا لمصالح والامن القومي الروسي.

ثانيا: استراتيجية الأمن القومي التركي اتجاه حرب الروسية الاوكرانية

يشكل حوض البحر الاسود منطقة استراتيجية في منظور الأمن القومي التركي، وله دلالات تاريخية في الجيوسياسية التركية، فضلا عن الاهمية الاقتصادية ولا سيما بوجود مضيقي البوسفور والدردنيل اللذان يربطان البحر الاسود بالبحر الأبيض المتوسط، وعلى هذا الاساس تهتم تركيا بأي تطور يخص المنطقة وبالدول المطلة فيه.

تشكلت منظمة التعاون الاقتصادي لحوض البحر الأسود في المؤتمر الذي عقد في أنقرة عام 1990، الدول الأعضاء في هذه المنظمة من الدول المطلة على البحر الأسود هي تركيا وروسيا وأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا وجورجيا بالإضافة الى بعض الدول التي ليس لها ارتباط مباشر مع البحر الأسود.

وقد شهدت العلاقة الروسية - التركية مرحلة توازنات متفق عليها فيما بينهما في النفوذ على البحر الأسود، وقد أمكن هذه المنظمة ان تتشكل أرضية للتوصل الى المصالح المشتركة بين البلدين، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي دخلت قوى جديدة الى الساحة في هذه المنطقة مثل أوكرانيا التي لا بد من الاستفادة من دخولها كعنصر توازن في هذه المنطقة من اجل الاستفادة لإنجاح منظمة التعاون الاقتصادي لحوض البحر الأسود، حسب رؤية الاستراتيجية التركية.

من جانب آخر، هناك نقاط تقاطع اضافية بين روسيا وتركيا، إذ تكتسب شبه جزيرة القرم أهميتها الاستراتيجية من تموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط من جهة والقوقاز من جهة أخرى، وقد كانت القرم جزءا من الدولة العثمانية وكان معظم سكانها من الأصول التركية، وحاليا يشكل الروس من سكانها حوالي 50% والاوكرانيبن 30% والباقي من التتار المسلمين.

وبعد ضعف الدولة العثمانية بدأ نفوذ الإمبراطورية الروسية بالظهور في المنطقة واحتلت الجزيرة عام 1783، ثم قام جوزيف ستالين بتهجير سكانها عام 1944 ووزعت أراضيهم على العمال القادمين من روسيا ليعظم وجود الروس في الإقليم، تسمية القرم هي كلمة تركية تعني القلعة او الحصن، وتعتبر شبه جزيرة القرم حتى عام 1954 جزءا من روسيا.

اخذت سياسات تركيا حيال حرب الروسية الأوكرانية، مسافة من روسيا دون تحديدها، ووجد الرئيس التركي اردوغان الذي استفاد من تأزم العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا خلال السنوات الأخيرة، نفسه امام فرصة استراتيجية للاستفادة من هذا النزاع مقابل عدم الافراط في استفزاز الرئيس بوتين، مع ما قد يعنيه ذلك من تبعات وإجراءات روسية عقابية محتملة قد تستهدف أسس الاقتصاد التركي.

ان تركيا تؤيد أوكرانيا في خطاباتها العلنية، وتوفر طائرات مسيرة صناعة تركية نوع "بيرقدار"، يستخدمها الجيش الاوكراني لصد هجمات الجيش الروسي، لكن تركيا نفسها في الوقت ذاته ترغب في تفادي ارتدادات الحرب على حدودها الشمالية، وترفض من ناحية أخرى مقابل دعمها الضمني والعلني لأوكرانيا فرض عقوبات على روسيا مثلما رفضت سابقا الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران، ومن ترك خطوط التواصل مفتوحة مع روسيا، اذ قال بعد اجتماع الحكومة التركية "اننا لن نتخلى لا عن أوكرانيا ولا عن روسيا".

وقد تستفيد تركيا من عزلة روسيا الاقتصادية، لان روسيا ستضطر الى الشراكة التجارية معها، والتسوية معها في مناطق النزاع التي تشاركان فيها، مثل قضية قرة باغ الأذربيجانية.

ان سقوط حكومة الرئيس الاوكراني زيلينسكي هو عمليا سيطرة لروسيا على كامل الشاطئ الاوكراني، ما يعني احكام سيطرتها على البحر الأسود، فضلا عما في هذا الامر من تحد لتركيا، وفي هذا الحال ستكون تحت سيطرة روسيا قواعد بحرية في سيفاستوبول وشبه جزيرة القرم وطرطوس.

ان تركيا تتعاون مع روسيا في أكثر من ملف إقليمي، لكنها تنافسها في سورية وليبيا وأذربيجان، وفي الوقت الراهن أصبحت تركيا فاعلة في أوكرانيا أيضا، وربما لا يتجاوز بوتين بسهولة قرار اردوغان المتمثل ببيع طائرات مسيرة للجيش الاوكراني.

وبعد انتهاء الهجوم العسكري على أوكرانيا، قد يكون موقفه اقل مرونة مع تركيا فيما يتعلق بإدلب، لكن روسيا غير قادرة حاليا على فتح جبهتين، وأصبحت وضعيتها الدولية اكثر هشاشة، بيد ان هذا لن يمنع بوتين من تحقيق اهداف تضر بالمصالح التركية، على غرار منعه 16 سفينة تركية محملة بزيت دوار الشمس الخام من العبور من خلال البحر الأسود، قد يؤدي الى نقص هذه السلعة في السوق التركية، لكن بشكل عام اصبح بوتين يحتاج الى اردوغان اكثر من احتياجه اليه من قبل، باعتبار تركيا لم تفرض عقوبات على روسيا، ثم انها قد تساعدها على كسر عزلتها، لا سيما مع احتمال هجرة رؤوس الأموال الروسية والسياح الى تركيا هربا من العقوبات، ولذلك من المستبعد ان يؤدي التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا لإعادة تموضع تركي كامل الى جانب الغرب.

ان سياسات الطاقة والأمن الغذائي والممرات الاستراتيجية تعد جزء رئيس من حسابات الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته، وقد انعكس الحياد العربي في المجال النفطي أيضا، وستبقى ارتفاع أسعار النفط مرتفعة في المدى المنظور، وقد انعكس هذا الحياد أيضا على المضائق الاستراتيجية التي لم يجر اغلاقها بشكل مباشر امام حركة الملاحة الروسية، طبقت تركيا بنود اتفاقية مونترو ومنعت كل السفن الحربية من عبور البسفور والدرنديل التركيتان، في حين ضمنت مصر حيادية قناة السويس وعدم اغلاقها في وجه السفن العسكرية او سفن الشحن الروسية المتبادلة بين روسيا ومصر.

ان ابرز التداعيات على المدى البعيد، تتعلق بقطاع الغاز فمع توقف مشروع "نورد ستريم 2"، وهو مشروع يربط الغاز الروسي بألمانيا عبر أوكرانيا بسبب العقوبات الأميركية دعمها لمشروع أنبوب "ايست ميد" الذي عارضته تركيا، وينقل غاز شرق المتوسط من إسرائيل عبر قبرص - اليونان الى إيطاليا، قد يفتح الهجوم الروسي على أوكرانيا احتمالات جديدة لأنابيب الغاز الى أوروبا، ثم ان من دوافع التزام تركيا الحياد بين روسيا وأوكرانيا إبقاء جسور التواصل مع الأوروبيين، ومحاولة ضمان سيناريو عبور غاز شرق المتوسط الى أوروبا عبر تركيا بدلا من اليونان، اما في حال كسب بوتين رهانه وسقوط مشروع "نورد ستريم 2" نهائيا فهناك أيضا خط "تورك ستريم" الذي يربط روسيا بتركيا، والذي يمكن وصله بأوروبا.

الاستنتاجات:

لا شك ان الحرب الروسية الأوكرانية لها ارتدادات عالمية، حيث يعد حلف الشمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي الغزو الروسي لأوكرانيا تهديدا لمصالح أمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة ولأمن المجتمع الدولي من جهة اخرى، وكذلك تعد روسيا محاولات توسيع الناتو لنفوذه في مجالها الحيوي خصوصا في اوكرانيا تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي، والمصالح الاقتصادية الروسية.

كما تهتم تركيا كسائر الدول للأزمة الروسية الأوكرانية، الا ان سياسات تركيا تتمتع باستراتيجية براغماتية حيال أطراف النزاع، ولا ترغب بالميل إلى طرف على حساب الطرف الاخر، وفي نفس الوقت تمارس السياسة الدبلوماسية والقوة الناعمة معا، وتسعى بان تلعب دور الوسيط في انهاء الحرب، لا شك ان الازمة الأوكرانية لا تنحصر فقط بالمشكلات السياسية والاجتماعية الأوكرانية وعلاقة روسيا فيها، بل تمتد ابعاد الازمة الأوكرانية تداعياتها الى الصراعات الدولية في الطاقة والغاز ومصادر امداداتها لأوروبا، فضلا عن صراعات النفوذ بين روسيا والناتو والاتحاد الأوروبي، لذلك فان موقع تركيا في هذا الصراع له جذور تاريخية وروابط جيوسياسية واقتصادية وحتى ثقافية.

كما ان تعاظم القوة العسكرية الأوكرانية ولا سيما في مجال الطاقة النووية لكونها ورثت من الاتحاد السوفيتي السابق عدة مفاعلات للطاقة النووية فإنها قد تشكل تهديدا للأمن القومي التركي باعتبارها دولة متشاطئة مع تركيا في البحر الأسود.

كما ان انضمام أوكرانيا لحلف الناتو قد ينعكس سلبا على تركيا، للأهمية الجيوالسياسية التركية التي كانت لها دورا محوريا في العلاقة بين روسيا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي خلال فترة الحرب الباردة، ونظرا لكون أوكرانيا تتمتع بأهمية جيبولوتيكية اكثر ديناميكية من تركيا، والتي تؤهلها ان تلعب دورا اكثر حيوية من تركيا في العلاقة بين روسيا والناتو والاتحاد الاوروبي، بالإضافة الى سياسات الاتحاد الأوروبي التي ترغب بانضمام أوكرانيا الى الاتحاد عكس سياساته حول انضمام تركيا اليه، وكذلك فإن مسار العلاقات التركية الروسية شهدت تقاربا ملحوظا في الآونة الأخيرة مع بروز توترات تركية مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

هذا وقد استضافت مدينة إسطنبول التركية مباحثات بين الوفدين الروسي والأوكراني، لذلك فان نجاح تركيا في حلحلة الازمة الروسية الأوكرانية قد تزيد من مكانة تركيا في مناطق النفوذ الروسي في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق المستقلة، ولا سيما ان بينها عدد مهم من الدول الناطقة باللغة التركية مثل أذربيجان وتركمانستان وقيرغستان وكازاخستان.. الخ ، فان تركيا تسعى بان تكون دولة رائدة في الرابطة التي تضم عضوية الدول الناطقة باللغة التركية.

وتعتبر تركيا البوابة الرئيسة لسياسات الناتو والاتحاد الأوروبي في تقويض مشاريع الطاقة الروسية، ومحاولات إيجاد بدائل عنها، وان تامين احتياجات أوروبيا من الطاقة والغاز من الخليج العربي وتحديدا الغاز القطري أو من مصادر أخرى، فأن تركيا بالنهاية هي المدخل الأساسي لهذه المشاريع.

وفي نفس الوقت فان سياسة تركيا لا ترغب بالاصطفاف مع الناتو والاتحاد الأوروبي في مواجهة المصالح الروسية بشكل مباشر، وأيضا لا تمانع المشاركة في مشاريع امدادات الطاقة والغاز الى أوروبا من مصادر أخرى قد تؤدي الى الاضرار بالمصالح الروسية، فهي تنتهج سياسة متزنة بين الأطراف المتصارعة الهدف الأساسي منها هو تامين المصالح التركية.

والخلاصة فإن السياسات التركية الراهنة في الازمة الأوكرانية هي كالاتي:

  1. ترويض الازمات الدائرة في المنطقة وضمان المصالح الاستراتيجية لها، من نفوذ سياسي، ومصالح اقتصادية، وحضور ثقافي، ورسالة دينية، وتفسير تاريخي لوجودها المعاصر في المجتمع الدولي الجديد.
  2. توظيف متغيرات خارطة طريق امدادات الطاقة والغاز الروسي الى أوروبا الى مناشىء أخرى في افريقيا واسيا والخليج العربي في إطار الاستراتيجية الامريكية الأوروبية الساعية الى انحسار الدور الروسي العالمي عبر فرض العقوبات على روسيا والاستغناء عن المنتجات الروسية لا سيما في مجال الطاقة والغاز.
  3. توظيف اثار الحرب الروسية الأوكرانية في المجال الاقتصادي من خلال فتح قنوات استيراد الحبوب التي تنتجها أوكرانيا وروسيا.
  4. كما ان الاستراتيجية التركية في استرجاع المناطق التي خسرها في معاهدة لوزان والتي كانت تعدها جزءا من الأراضي التركية، فإن مطالبتها مرهونة بالتطورات المستقبلية للصراعات الدولية.

 

التوصيات:

  1. من المهم أن يستثمر العراق متغيرات خارطة طريق امدادات الطاقة والغاز الجديدة المحتملة، ليكون شريكا أساسيا في نقل الطاقة والغاز من الخليج العربي وإيران الى أوروبا عبر تركيا او بحر المتوسط.
  2. تعزيز الشراكة العراقية مع دول الجوار لكونه محور الاتصال بين الدول المتجاورة مع العراق ومحطة اتصال تركيا مع الخليج العربي، واتصال إيران مع دول الشام.
  3. إعادة تنظيم العلاقة العراقية التركية في ملف نقل النفط العراقي الى ميناء جيهان التركي، ولا سيما توجه المحكمة الدولية البت في الحكم لصالح العراق في الدعوة التي أقامها ضد بيع إقليم كردستان النفط الى تركيا بشكل مباشر.
  4. تطوير ميناء الفاو الكبير ليكون محطة اتصال المشاريع المحتملة والتمهيد لطريق الحرير العالمي لربط اسيا بأوروبا وافريقيا.
  5. سد احتياجات العراق من الحبوب المستوردة من أوكرانيا وروسيا عبر تركيا وإيران.

 

 

 

 

 

[1]  معاهدة مينسك عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الدولية التي سعت الى انهاء الحرب في منطقة دونباس في اوكرانيا ، الاتفاقية الاولى المعروفة باسم بروتوكول مينسك صيغت في عام 2014 من قبل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن اوكرانيا والتي تتألف من اوكرانيا وروسيا ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا، وبعد محادثاث مكثفة وقع ممثلو مجموعة الاتصال الثلاثية وقادة جمهورية دونتيسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية، انذاك على الاتفاقية بدون الاعتراف بوضعهم وقد فشلت الاتفاقية بوقف النار.

وبالتالي تبعها اتفاقية منقحة ومحدثة، هي اتفاقية مينسك الثانية والتي وقع عليها في 12 فبراير 2015 وتتألف هذه الاتفاقية مجموعة من الاجراءات بما في ذلك وقف اطلاق النار، وسحب الاسلحة الثقيلة من المواجهة، والافراج عن اسرى الحرب، والاصلاح الدستوري في اوكرانيا، ومنح الحكم الذاتي لمناطق معينة من دونباس، واعادة السيطرة على حدود الدولة الى الحكومة الاوكرانية.