قــراءة فـــي خـطـاب الــمـرجـعـيـة الـديـنـيـة لـمـواجـهـة الـعـنـف والـتـطـرف

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-12-27 11:23:21

الباحث
محمد عباس اللامي

دعـا الـمـرجـع الـدينـي الأعـلــى سـمـاحـــة الـسيـد الـسيـستـانــــي ومـن خــلال الـمـوقــع الــرسـمـي لـمكـتـبـه الـى أهـميـة تـضافــر الـجـهـود فــــي الـتـرويـج لـثـقـافــة الـتـعـايـش الـسلـمـي ونـبـذ الـعـنـف والـكــراهــيـة وتـثبـيـت قـيـم الـتـآلـف الـمبـنـي عـلـى رعــايـــة الـحـقـوق والاحـتـرام الـمتـبـادل بـيـن معـتـنـقـي مـخـتـلـف الأديـــان والاتـجـاهـات الـفـكـريـة ، مـشيـراً الــى أن  الــمـآسـي التـي يـعـانـي مـنهـا الـعـديـد مـن الـشعـوب والـفـئـات الـعـرقـيـة والاجـتمـاعـيـة فـي أمـاكـن كـثيـرة مـن الـعـالـم ـ نـتيـجـةً لـمـا يـمـارس ضـدهـا مـن الاضطهـاد الـفـكـري والـديـني وقـمـع الـحـريـات الأسـاسيـة وغـياب الـعـدالـــة الاجـتـماعيـة ـ دوراً فـــي بـــروز بـعـض الـحـركــات الـمتـطــرفــة التـي تـستـخـدم الـعـنـف الأعـمـى ضــد المـدنـييـن الـعـزّل وتـعـتـدي علـى الـمـراكــز الـديـنـيـة والـمـواقـع الأثـريــة لــلآخـريـن المـخـتلفـيـن مـعـهــا فــــي الـفـكــر أو الـعـقـيدة ، مـشـدداً علـى ضـرورة معـالـجـة خـلفـيـات هـذه الـظـواهـر الـمـرفـوضـة والـمـدانـة فـــي كـــل الأحــوال، والـعـمـل الـجـادّ فــي سبـيـل تـحـقـيـق قـــدر مـن الـعـدالـــة والطـمـأنيـنـة فــي مخـتـلـف المجـتمعـات تـليـق بـكـرامـة الانـسـان كـمـا أرادهـــا الله تـعـالــى ، وهــو مـمـا يسـاهــم فــي الـحــدّ مـن الأجـــواء الـمـواتـيـة لانـتـشـار الأفـكـار الـمتـطـرفــــــــة .
قـد اصـدر هــذا البـيـان بـعـد الـلـقـاء بـالـسيـد مـيـغـيـل أنـخـيــل مـوراتـيـنـوس وكـيــل الأمـيـن الـعـام لــلأمــم الـمـتـحـدة و الـمـكـلـــف بـــوضـع خـطــة عـمــل الـمـنـظـمـة الـدولـيـة لـحـمـايــة الـمـواقــع الـديـنـيـة بـعـد الـهـجـمـات الـتـي تـعـرضـت لـهـا فـــي أمــاكــن مـخـتـلـفـة فـــي الـعـالــم فــــي الـسنـيـن الأخـيـرة. وهــذا مايــدعــو لأستثمار الـفـرصـة فـــي  الـخــوض  بـقـراءة الـخـطـاب الـصـادر عـن الـمـرجـعـيـة الـديـنـيـة الـعـلـيـا فـــي الـنـجـف الاشــرف والــغـوص فــي عـالــم الـتـنـوع الـفـكـــري والـثـقـافــي الــذي يـدعـو لـلـسلـم الـمجـتمـعـي ويـسهـم فــي التخـفـيـف مـن الألـــــــــم ، والخــــوف ، وهــلـــــع الإنســــــان أمــــام الـجـمـاعـات الـمتـطـرفـــة .
 إن هــذه الـمـبـادئ الـتـي أشـار الـيـهـا الـسيـد الـمـرجـع  فــــي بـيـان صـدر عـن مـكـتـبـه مستـنـداً الــى الـعـلـم والـمـعـرفــة ومـــا هـــي الا اضـاءات تـتـماشـى مــع الإتـسـاع الجـغـرافــي الــذي يـعـد قــانــون جـديـد لـلـتـواصـل والإتـصـال فــإنــهــا تـخـضـع لـمـفـاهـيـم واحــــدة ، تــعـمـل لـمـعـالـجــة وطــرح مـشـكــــلات الإنــسـان الـمـعـاصـر ضـمـن أبــعـــاد كــونــيـة بــإطـــار تـعـبـيـري مـنـفـتـح الآفــــاق فــالـخـطـاب يـخـتـص بــذات الانـسـان دون أن يـكــون خــاصـاً بـمجــتمــع مـــا وهـذا ماتـمـيـزت بـه مـرجـعـيـة الـنـجـف وتـشخـيـصهـا لـخـطـورة الــتطــرف الـذي يـعــد أسـلــوب مـغـلــق لـلتـفـكــيـر يـتــسـم بـعــدم الـقــدرة عـلـى تـقـبـل أيـة مـعـتـقـدات تـخـتـلف عـن مـعـتـقـدات الـشخـص أو الـجـمـاعـــة أو عـلـى الـتـسامـح مـعـهـا .
ان ظهــور الـحـركـات الـمتـطـرفـة يـعـد واحـداً مـن اهـم الاحـداث الـبـارزة الـتـي شـهــدهـا عـالـمـنـا سـواء علـى الـمـستـوى الايـدلـوجـي او الاجـتمـاعــي عـلـى حـد سـواء ، والـتـي تـشـكـل تـهـديـدا جـاداً لـلمـجـتـمـع ، فـقـد نـستـنـتـج مـن قــراءتـنـا  إن الــــــتطـرف هــو الـتـحــــول مــن مـجــرد فــكــر الــــى سلــوك ظــاهــري أو عمــل سياســـــي يلـجــأ عــــادة الــى اسـتــخــدام الــعـنــف كـوسيـلـــــة لتحـقـيــق المبــادئ التــي يــؤمــن بـهـا كــــفـكـر مـــتـطـرف ، أو الـلــجـوء إلــى الإرهـــاب الـنـفـســي أو المـــادي ضــد كــل مـا يـقــف عـقـبــة فـــي طــريق تــحقيــق تلــك الـمبــادئ والأفــكـار الـتــي يـنــادي بـهــا هــذا الـفـكـــر الـمـتـطـــــــرف الـذي يـحـذر مـنـه الـسـيـد الـمـرجـع والـذي يـتـبـنـى اتـجـاهـــا عـقـلـيـــاً وحالـــة نـفـسيــــة تـسمـى بالـــتعـصب لـلجـمـاعـــة الـتــي يـنـتـمــي إلـيـهــــا .
 والـــتعـصـب حـالــــة مـن الـكــراهـيــة تـــستـنـد إلـى حـكـم عــام يــتـسـم بـالـجـمــود وعـــدم الــمرونـــــة فالـــــــمتطـــرفــون يقومــــــون بتـــــوظـيـف الـديــــن مـــن أجــــل تبــــــريـر الـــعـنـف وتـقـديســــه مـــــا يبغيـــــه الــعـنف اتجــــــاه الافــــــراد والجماعـــــــات هـــو الاضــرار وإلحـــــــــاق الأذيـــــــة ، وهــــذا التعبيـــــر بـــــــات واضحـــــاً في النســـــق التــــــكراري لأعمــــــــــال الــــــعنف التـــي مازالـــــــت تــــــــلازم الــــكثـيـر مـن الــمـجـتمـعـات الـتــي تـشـهـــد الــحــرب ومـن خـــلال مــا تـقــدم فــإن الـدعــوة الـصـريـحـة الـتـي تـقـدم بـهـا سـمـاحــة الـمـرجـع فــي نـبـذ خـطـاب الـكـراهـيـة والـعـنـف والـتـطـرف أولـــويــة لـيــس لـعـمـل الأمـم الـمتـحـدة فـحـسـب بـل هـي دعــوة لـكـل الـمـؤثـريــن والـفـعـالـيـن مـجـتمـعـيـاً و الاعـتـمـاد عـلى اسـتـراتـيجـيـة الاحـتـواء والـمـعـالـجـة و تـفـعـيـل رأس الـمـال الاجـتـمـاعــي المـشـتـرك الــذي يـعـتـمـد عـلى الـجـهـات الـفـاعـلـة لـتـوظـيـفـها مـتـكـامـلـة مـع الـجـهـود الـحـكـومـيـة عـبـر اسـتـثـمـار الامـكـانـات الـتي تـسهـم فــي تـفـكـيـك الأفــكــار الــدوغـمـائــيــة والـعـمـل عـلـى إعـــــادة بـنـاء الـمجـتـمـع مـن خـلال تـحـقـيـق الـعــدالــــة الأجـتـمـاعـيـة  والـحـــث عـلـى زيــــادة الــوعــي مـــا بـيـن الـنـاس لأنـهـــم جـمـيعــاً مسـؤولــــون عـــن مـصالـــح ورفــــاه بـعضهــم تــجــاه بـعـــض .