الصراع الدولي على النفط في الشرق الاوسط العراق-سوريا-ليبيا- أنموذجاً

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-12-12 09:51:20

 أ.د. سميرة عبد الرزاق     

قسم الدراسات التاريخية والاستراتيجية

 بدأت الدول الصناعية بوضع إستراتيجية أمن الطاقة كاهم استراتيجية وطنية تناقش على أعلى المستويات وتٌعطى أهمية قصوى من حكوماتها، وذلك عقب استخدام النفط كسلاح فعال في حرب 1973 بين الدول العربية والدول الغربية المتواطئة مع اسرائيل .

     أولت الدول الكبرى منطقة الشرق الاوسط (مصطلح يشمل المنطقة الجغرافية الممتدة من تركيا شمالاً الى اليمن جنوباً ومن ليبيا ومصر غرباً الى إيران شرقاً ويتوسع ليشمل افغانستان وقبرص احياناً) اهتماماً كبيراً وذلك لاحتوائها على كميات هائلة من الثروة النفطية والغازية اضافة الى موقعها الاستراتيجي الهام الذي يربط الشرق بالغرب وتمر عبر طرقه اغلب مواد التجارة الدولية.

     تحتوي منطقة الشرق الاوسط على ما يقارب 70% من احتياطي النفط العالمي. ومن المتوقع وفقاً لمعلومات ادارة الطاقة الامريكية ان تظل منطقة الشرق الاوسط المصدر الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي حتى عام 2025، لاسيما ان معظم انتاج النفط يقع خارج سيطرة الدول الصناعية.

     أوحت المقاربات الدولية بعد الحادي عشر من أيلول 2001 بان الحرب القادمة هي حروب لأجل السيطرة على النفط والغاز. ويشير الاستهلاك العالمي الى استمرار بقاء النفط كمصدر رئيسي للطاقة الى وقت طويل الامد. وقد جاء اهتمام الولايات المتحدة الامريكية بمنطقة الشرق الاوسط لأنها تستهلك نحو 25% من انتاج النفط في العالم وتستورد 24% منه من منطقة الشرق الاوسط.

اعتبرت الولايات المتحدة ان الشرق الاوسط اهم اولوياتها التأريخية والمستقبلية لما تتمتع به من موقع جيوسياسي اولا ولانه مصدر مهم للطاقة ثانيا ، وعليه استدعى ذلك القيام بمجموعة خطوات دبلوماسية غير مباشرة وحتى عسكرية مباشرة من قبيل فرض القوة على دول بذاتها اعتبرتها الولايات المتحدة مرتكزا اساسيا في تنفيذ اجندتها الاستراتيجية والتي تبغي من خلالها تأمين الطاقة والوقوف ضد الزحف الروسي صوب الشرق ، وهنا لا ننكر ان منطقة الشرق الاوسط عامة وبعض الدول فيها خاصة هي بمثابة احد العوامل الرئيسة في التوازن الدولي والتنافس على مختلف الاصعدة.

      

     في كانون الأول عام 2002 طرحت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع "الاصلاح الديمقراطي" للعالم الاسلامي تحت عنوان "مهمة الشراكة الشرق أوسطية" وفي 20 آذار عام 2003 قامت الولايات المتحدة وحلفائها بأطاحة النظام البائد في  العراق، وفي اذار عام 2004 اعلنت الادارة الامريكية نص "مشروع الشرق الأوسط الجديد" ، وبهذا الصدد يذكر الاكاديمي اللبناني والخبير الاقتصادي سمير التنير في كتابه "اميركا من الداخل. حروب من اجل النفط"  ان الابعاد الاستراتيجية لمشروع الشرق الاوسط ماهي الا ضمان الهيمنة على منابع النفط وعلى نقله وتوزيعه لاسيما في منطقة الخليج العربي وفي المناطق القريبة من روسيا.

     وللوقوف اكثر على التنافس الدولي على نفط منطقة الشرق الأوسط سنسلط الضوء على المحاور الثلاثة التالية:

     اولاً: الصراع على نفط العراق

     تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر مستهلكي مصادر الطاقة وخاصة النفط وبواقع (19) مليون برميل يومياً، الامر الذي يتطلب منها تأمين مصادره والابتعاد عن الهزات الاقتصادية التي يسببها ارتفاع اسعار النفط او تخفيض انتاجه ، وهو ما يؤثر على اقتصادها ويضعف موقعها بين القوى الاقتصادية العالمية. ولتوضيح صرح لاري لندسي ، المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لصحيفة "وول ستريت" الامريكية بتاريخ 15 ايلول 2002 "بان النفط هو الهدف الرئيسي لمساعي الولايات المتحدة الأمريكية، وان افضل طريقة لضبط أسعار النفط هو تضمين السياسة الخارجية الامريكية سبل شتى يكون الخيار العسكري امرا واردا فيها". وهذا ما اعترف به بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الامريكي أنذاك "أن السبب الاساسي في حرب العراق... هو ان العراق يسبح على بحر من النفط"، حسبما اوردته (Aljazeera Magazine)  الاماراتية في عددها الصادر في تموز عام 2006.

     وبمعنى اخر ان مصلحة الاحتكارات النفطية للعالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية لاتزال متعطشة للنفط. وان العراق المصدر الأساسي الذي لا غنى عنه. فالعراق يمتلك (115) مليار برميل من احتياطي النفط كثاني أكبر احتياطي عالمي، ويؤكد الخبراء ان المخزون الحقيقي للنفط في العراق اكبر من ذلك تأثرت تقديراته بالسياسة العراقية قبل 2003 وما لحقها من انعكاسات سلبية وعقوبات اقتصادية لسنوات عديدة. فمنطقة الصحراء الغربية المحاذية للمملكة العربية السعودية والاردن ما زالت أرض بكر من كل تنقيب عن النفط فيها، وحسب تقديرات المعهد الفرنسي للنفط، وهي مؤسسة يشرف عليها عدد من المهندسين العراقيين، فان الاحواض الرسوبية لهذا الشريط يمكن ان تحتوي على (200 مليار) برميل من النفط الخام.

     شكل النفط العامل احد العوامل الاساسية في تحريك الاحداث الاقليمية والدولية بعد عام 2003 ، بل كان عاملا مهما لاحتدام التنافس الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا التي وقفت بالضد من التحرك الامريكي العسكري لاطاحة نظام صدام الدكتاتوري مدعية انه البداية الخطيرة التي تنذر بعدم استقرار منطقة الشرق الاوسط برمتها.

     لذا ارتأت روسيا كسر هذا الحصار، ففي 18 كانون الأول عام 2007 ، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علناً الولايات المتحدة الامريكية الى تحديد موعد ثابت ودقيق لانسحاب قواتها من العراق. وفي الوقت نفسه سعت روسيا لإقامة علاقات مع السلطة الجديدة في العراق.  كان هدف روسيا من وراء هذا الاجراء ان تكون شريكاً في التسوية على مستقبل البلد، مع المطالبة المستمرة بتحديد موعد لانسحاب القوات الاجنبية من العراق لتحصل من وراء ذلك على ميزات اقتصادية، حيث رست على الشركات الروسية في 13 كانون الاول 2009 صفقة تحديث بعض حقول النفط العراقية. ولا ننكر ايضا حسب رأينا الاكاديمي ان القلق في العلاقات الامريكية مع دول الشرق الاوسط يؤثر سلبا على اسعار النفط بالنسبة لها بينما قد ينعكس ايجابا على منافسين اخرين منهم روسيا والتي هي بالاساس من الدول المنتجة للنفط والمستفيدة اكثر من تداعيات ارتفاع الاسعار العالمية للنفط   وحسب رأي بعض الخبراء ان روسيا تعد المستفيد الاكبر من الوضع واستمرار تواجد أمريكا في العراقي لتحقيق العديد من المكاسب

    

ثانياً/ الصراع على النفط في سوريا

      خرج الشعب السوري في مظاهرات ضد الرئيس بشار الاسد بتاريخ 15 آذار 2011. إذ زعمت روسيا ما يحدث في سوريا "شاناً داخلياً"، وان مسالة التغيير يقررها الشعب السوري وحده، وبعد شهرين تقريبا وتحديدا في أيار 2011 اعلنت انها لن تسمح بعرض عقوبات دولية ضد سوريا من خلال وزير خارجيتها الذي صرح رسميا " ان بلاده ليس لديها نية السماح لمجلس الامن بالتدخل في سوريا كما فعل في ليبيا" . وبما ان لروسيا مصالح اقتصادية وعسكرية في سوريا تريد الدفاع عنها، فإن التدخل الروسي لم يكن لحماية تلك المصالح فحسب، وانما هو لحماية النظام السوري وتكريس بقائه باعتباره حارساً وضامناً لتلك المصالح على المدى الطويل. في 30 أيلول 2015 بدأت روسيا التدخل العسكري في سوريا بأطلاق ضربات جوية، معلنة بداية عمليات عسكرية كبيرة بذريعة انها جاءت بطلب من الحكومة السورية الشرعية ورئيس الجمهورية بشار الاسد.

       شكل التدخل العسكري الروسي في سوريا مفاجأة للمتابعين باعتبار انها لم تتدخل عسكرياً في شؤون الشرق الاوسط منذ زمن ، ولا يمكن ان تتدخل دولة عسكرياً في دولة اخرى الا اذا كانت لها دوافع واسباب ومصالح لذلك.

      ان الدافع المهم والاساسي للتدخل الروسي في سوريا وان تعددت غاياته بين اقتصادية وسياسية الا ان التنافس الدولي في الشرق الاوسط كان محوره الاساس ، خاصة لما تتمتع به سوريا من موقع جيوسياسي مهم يؤثر على خلخلة الميزان الدولي بين روسيا والولايثات المتحدة الامريكية ناهيك عن اهمية السياسة الاقتصادية الروسية النابعة من الاستثمار في الشركات النفطية في سوريا خاصة وان النفط مهم لموازنة أرصدة روسيا من العملة الصعبة، حيث تسبب انخفاض اسعار النفط في عام 2014و2015 في تراجع روسيا من المركز الثالث الى المركز التاسع في قائمة الدول الاغنى بالاحتياطات النقدية الاجنبية، وتسبب في هبوط قيمة الروبل الروسي بنسبة 43% مقابل الدولار الامريكي خلال عام 2015 التي وصل فيها التضخم الى أعلى مستوياته في ثلاثة عشر عاماً.

       وهنا يمكننا ان نضيف ان التدخل الروسي في سوريا جاء للحفاظ على تواجده العسكري في "المياه الدافئة" بالبحر الابيض المتوسط، والدفاع عن القاعدة البحرية التي أنشأتها روسيا في ميناء طرطوس عام 1971 والتي تعد قاعدة التموين الوحيدة للاسطول الروسي في البحر الابيض المتوسط. وهذا العامل يتداخل بشكل أو بآخر- مع العامل الاول، فتلك القاعدة لم تخضع لأي عمليات تجديد طيلة أربعة عقود حتى عام 2009 عندما خضعت لتحديث محدود. وفي نهاية عام 2013 بدأت عملية توسعة وصيانة إثر توقيع اتفاقية التنقيب عن النفط في مياه الساحل السوري التي منحت روسيا بموجبها حق التنقيب في مساحة تزيد على ألفي كيلو متر مربع، على امل استخراج ملياري برميل من النفط سنوياً وفقاً لما نشرته آنذاك مجلة "ذا أويل أند جاز".

      وبذلك فان روسيا ادركت ان لعبة المصالح السياسية الجديدة في الساحة الدولية بوابتها الطاقة وتأثيرها في العلاقات الدولية، إذ صرح فوزي شعيب النعيمي رئيس ادارة المعطيات الاستراتيجية في سوريا في شباط عام 2018 ان الاكتشافات في الساحل السوري قدرت بـ (14) حقل نفط وغاز حسب شركة (Nss) النرويجية بعد المسح الجيولوجي الذي خرج بنتائج ان الحقول (9،10،14) اكبر ما هو موجود لدى انتاج الكويت، وهو ما يفسر تواجد الاسطولين الروسي والامريكي على سواحل شرق البحر المتوسط من سوريا ولبنان.

     وفي 23 أيلول 2014 شنت واشنطن بمساعدة حلفائها اولى ضرباتها في سوريا ونشرت (2000) جندي في سوريا. وفي تشرين الاول عام 2015 تشكلت قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ (قسد) من (25) الف كردي جميعهم من السوريين، وهذه القوات تتلقى مساعدات لوجستية من الولايات المتحدة في السلاح والدعم الجوي ايضا.

     وفي شباط  عام 2018 هاجمت قوات روسية بالاشتراك مع قوات حليفة اخرى حقل نفط تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من دير الزور، لكن مجموعة من مشاة البحرية الامريكية المتمركزة في المنطقة تمكنت من صد الهجوم وابادة القوات المهاجمة ابادة كاملة خلفت ما يربو على (416) قتيلاً. رسالة الامريكان كانت واضحة مفادها لن نسمح لاحد من الاقتراب من حقول النفط بمنطقة دير الزور حيث تنشر حقول النفط السورية. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد الجهاديين من شمال سوريا، بما في ذلك الرقة وغالبية بلدات محافظة دير الزور وتمكنت في آذار 2019 من طرد تنظيم "الدولة الاسلامية" المعروف اختصاراً بـ "داعش" من اخر معاقله السورية في الباغوز.

      صادق مجلس الشعب السوري على عقود وقعت في أيلول عام 2019 مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في سورية وان حقل النفط يقع في منطقة الجزيرة، شرق الفرات. واكد وزير النفط والثروة المعدنية في الحكومة السورية انه ستكون خلال الفترة المقبلة عقود مع شركة روسية للتنقيب عن مصادر الطاقة في مياه البحر المتوسط.

      وبالرغم من ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب اعلن في تشرين الاول عام 2019 انسحاب القوات الامريكية من الشمال السوري، الا انه فاجأ الجميع في 27 تشرين الثاني بانه يعتزم عقد صفقة مع شركة (إكسون موبيل) احدى اكبر الشركات الامريكية للذهاب الى سوريا والقيام بذلك (بشكل صحيح، وتوزيع الثروة النفطية) مشيراً الى ان حماية ابار النفط تحرم تنظيم (داعش) من عوائده، فيما سيستفيد منه الاكراد، ويمكن ان تستفيد الولايات المتحدة منه ايضاً. مضيفاً انه "يجب ان نأخذ حصتنا الان".

      شكل تصريح ترامب صدمة كبيرة لروسيا فقد وصفت وزارة الدفاع الروسية التصريح بمثابة "لصوصية عالمية". وبدأت تدفع بالمزيد من قواتها الى مناطق شرق الفرات بالتوازي مع قوات مماثلة للنظام السوري في محاولة للسيطرة على حقول النفط هناك. وعلى الضد من ذلك وصلت في نهاية تشرين الثاني قوات امريكية قادمة من شمال العراق الى القواعد الأمريكية القريبة من حقول النفط في محافظتي دير الزور والحسكة شمال شرقي البلاد، وذلك لتقوية حلفائها الاكراد، ولمنع أي سيطرة اقتصادية لروسيا وايران على منابع النفط السورية بهدف تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران وسوريا وحرمانهما من استغلال مناطق شرق سوريا للتحايل على العقوبات وتامين طرق وموارد النفط.

          ان السياسة الامريكية في سوريا تكاد تنحصر اهدافها في تمويل قواتها الموجودة هناك اضافة الى تمويل حليفتها "قسد" بهدف تخفيض تكاليفها من اموال ميزانية وزارة الدفاع الامريكية. بالإضافة الى ان حرمان النظام السوري وروسيا من الوصول الى ابار النفط وابقائه تحت حصار اقتصادي ولعل الرسالة الامريكية ان النفط السوري ورقة سياسية تستخدمها واشنطن لمنع اتمام أي حل سياسي لا يحصل على موافقتها.     

 

 

ثالثاً/ الصراع على النفط الليبي.

          بدأ الصراع الدولي على النفط الليبي في عام 2011 مع اندلاع الحراك الشعبي ضد نظام العقيد معمر القذافي، مما قاد الى تدخل حلف شمال الاطلسي (الناتو) بعد الحصول على تفويض من الامم المتحدة والاطاحة بنظام القذافي، مع سقوط النظام تعرضت ليبيا لا حدى أكبر عمليات نهب النفط بدءاً بتدخل الناتو عسكرياً وتم من خلال شركات وهمية وجوازات سفر دبلوماسية.

          هناك عوامل دفعت بعض الدول للتعجيل بالإطاحة بالقذافي. وان كل الدول المتداخلة كانت تسعى لتعزيز شركاتها وموقعها في الاقتصاد الليبي. كانت ايطاليا من أهم هذه الدول خاصة وانها من أكبر المستوردين للنفط الليبي، وتمتلك اكبر شركة عاملة في قطاع النفط الليبي وهي شركة "ايني" الايطالية التي ابرمت عدداً من الاتفاقيات مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبي.

          أعلنت الشركة الايطالية مطلع العام 2013 انها تعتزم استثمار (8) مليارات دولار في ليبيا حتى عام 2023 لتطوير انشطتها والدخول في مشاريع استكشاف جديدة، يمتد نشاط الشركة في انحاء ليبيا وتبلغ طاقتها الانتاجية اكثر من 300 الف برميل يومياً، منها حوالي (50) ألف برميل يومياً من النفط المكثف والباقي ضمن النفط الخام.

          أما الاسباب التي دفعت فرنسا الى التدخل في ليبيا والاطاحة بالقذافي فمن ضمنها الرغبة في الحصول على حصة أكبر من انتاج النفط الليبي الموضوع الذي اكدته صحيفة "ليبراسيون" اليومية الفرنسية في أيلول 2011 عندما كشفت رسالة مؤرخة بتاريخ 3 نيسان 2011 تظهر تعهد ما عرف بـ "المجلس الوطني الليبي" بحصول فرنسا على 35% من اجمالي النفط الليبي الخام، مقابل حصول المجلس على دعم باريس. وكانت فرنسا اول دولة اعترفت بالمجلس كممثل لليبيا في اذار 2011.

          بريطانيا كان لها دور بارز في محاولة تعزيز دورها الاستراتيجي في مفاوضات النفط الليبي. فقد أنشئ ديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطانية ما اسماه بـ"خلية النفط الليبي" للقيام بعمليات سرية ضد نظام القذافي وقد ساهمت بشكل أساسي في عرقلة وصول امدادات الطاقة الى طرابلس الغرب، مع ضمان وصولها الى المليشيات المسلحة في شرق ليبيا وذلك من خلال عمليات استخبارية مكنت المليشيات المسلحة من قطع تلك الامدادات، فيما أعطت الضوء الاخضر لشركات وتجار نفط بريطانية لبيع الوقود للمسلحين في بنغازي الى جانب ذلك كانت الخلية تعمل على تأمين عودة شركات النفط الكبرى الى ليبيا، كما امضى الضابط السابق في القوات الجوية البريطانية "جون هولمز" أشهر في ليبيا محاولاً ابرام صفقات مع المجلس الوطني وفق ما ذكرته وكالة "رويتر" في تقرير بتاريخ 25 أيلول 2011، وهولمز يمثل شركة النفط البريطانية "هريتدج أويل" التي كانت تسعى لتامين الحقول وعمليات الصيانة مقابل حصة من انتاج البلاد النفطي.

           ومنذ عام 2014 تجمعت المليشيات المتنافسة على السلطة في ليبيا تحت معسكرين متحاربين تمثلهما سلطتان متنافستان هما حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج المعترف بها دولياً. وسلطة الجنرال خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا وبعض المناطق الجنوبية.

          ولم يغمض الجانب التركي عينيه عن المنافسة النفطية ذاتها فقد أعلنت الحكومة التركية مطلع العام 2013 عن مساعي التنقيب عن النفط في حقول ليبية جديدة. ان شركة النفط الوطنية التركية تدير اعمال التنقيب عن النفط في صحراء الليبية منذ عام 2009 . واصبح التدخل التركي عاملاً حاسماً في الصراع الليبي لإعادة توازن القوة وانقاذ حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بعد ان وصلت قوات حفتر الى ضواحي العاصمة طرابلس . استخدمت أنقرة عنواناً فضفاضاً لتدخلها هناك تحت باب تقديم "المشورة والتدريب". وتبرر أيضاً تدخلها بانه جاء بناءً على دعوة من حكومة معترف بها دولياً. وكانت المصالح الاقتصادية في مقدمة الدوافع وراء التدخل التركي.  إذ تسعى تركيا التي تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة للحصول على حصة من نفط ليبيا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة الافريقية. وقد وقعت أنقرة مع طرابلس أكثر من اتفاقية للتنقيب عن مصادر الطاقة فضلاً عن مذكرتي تفاهم وقعتا في اسطنبول في تشرين الثاني من عام 2019 بشان التعاون الامني والعسكري والسيادة على المناطق البحرية.

          وبعد محاولات التدخل الروسي في ليبيا بدأت الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها تبحث عن وقف الحرب في ليبيا والضغط على الاطراف المتنازعة للوصول الى حل سريع للازمة الليبية.