السياسة الخارجية لسلطنة عُمان والعلاقات العراقية العُمانية

التصنيف: المحاضرات

تاريخ النشر: 2017-10-19 17:37:33

ألقيت في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية محاضرة بعنوان ( السياسة الخارجية لسلطنة عُمان والعلاقات العراقية العُمانية ) القأها الاستاذ الدكتور . محمود علي الداود ، مشرف قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في بيت الحكمة بتاريخ 21/2/2016 الساعة 10 صباحا وكانت الجلسة برئاسة مدير عام مركز النهرين الاستاذ حمزة شريف.

خلاصة

اذا القينا نظرة على خارطة الوطن العربي او خارطة العالم الاسلامي عامة لرأينا ان الغالبية العظمى من هذه الدول تأن من ثقل المشاكل الداخلية والخارجية التي تعصف بها فالكثير منها تعاني من الصراعات والحروب الاهلية والتخلف. ويبدو ان النهضة العربية والاسلامية التي بدأت قبل أكثر من قرن قد بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً بفعل الحروب والتطرف وحالات التفكك والضياع التي تسود العالمين العربي والاسلامي. وقد ضاعت فرص عديدة لبناء دول عربية عصرية تحترم حقوق الانسان وتؤمن بالعدالة كما ضاعت دول كانت رائدة في الاستقلال الوطني والتقدم وتدريجياً اصبحت فكرة الدولة الموحدة لدى شعوبها مجرد خيال كما اصبحت معظم الدول العربية بيئة طاردة لمئات الالوف من الشباب والشابات الذين يتدفقون الى الدول الغربية في هجرة غير مسبوقة يسارعون الخطى الى المجهول.

ومن حسن الحظ ان دول عربية أخرى ظلت متماسكة بفضل وحدة شعوبها وقوة اعتزازها بتاريخها وتراثها بالاضافة الى حكمة قادتها وفي مقدمة هذه الدول سلطنة عُمان وذلك بفضل عراقة وتماسك شعبها وحكمة قائدها السلطان قابوس بن سعيد الذي نجح بتأسيس نظام سياسي قائم على اسس المساواة والعدالة وروح التسامح واحترام التراث. وقد أكد منذ بداية النهضة عام 1970 على ان الرغبة في بناء الدولة العصرية تأخذ بأساليب العلم والتقنية لم تجعل هذا البلد الأصيل يتنكر لتراثة العريق وأمجادة بل سعى دائماً الى مزج الحداثة بالأصالة.

وعاهد السلطان نفسه في اول خطاب وجهه الى الشعب العماني عام 1970 ان يؤسس دولة عمانية عصرية وفي حينه

كان العديد من المراقبين والمختصين في الشؤون الدولية والمطلعين على حقائق الامور في الاوضاع الداخلية العمانية يشككون في إمكانية تحقيق هذا الحلم الذي حوله عهد السلطان قابوس الى حقيقة واقعة علماً وان التقارير الدولية وخصوصاً تقارير الأمم المتحدة حين عرض القضية العمانية على الأمم المتحدة في ستينات القرن الماضي كانت تصف سلطنة عُمان بانها الأكثر تخلفاً بين الدول النامية . من ناحية أخرى يجد الدارس لتاريخ سلطنة عُمان ودورها الاقليمي والدولي في القرن التاسع عشر وخصوصاً النصف الاول من ذلك القرن لايستغرب من تصميم العمانيين وقدرتهم على النهوض في ضوء التراث الضخم لعمان في الحضارة الاسلامية واشير بصورة خاصة الى دور عمان في تقدم الاستكشافات والتجارة والملاحة الدولية بين كل اطراف المحيط الهندي . وكان للتجار والملاحين والعلماء العمانيون دوراً هاماً في نشر الاسلام وتطوير التجارة وبناء علاقات انسانية دولية في كل هذه الاصقاع واشير بصورة خاصة الى العصر الذهبي وهو عهد السلطان سعيد ابن سلطان (1804-1856) الذي نجح في تأسيس علاقات تجارية وثقافية مع كافة دول المحيط الهندي وبالاضافة الى تأسيس مراكز تجارية شملت جنوب وجنوب شرق اسيا فقد أسس نفوذاً سياسياً وتجارياً وثقافياً على كافة الساحل الشرقي لافريقيا بما في ذلك منطقة البحيرات الوسطى واعالي النيل وجزر المحيط الهندي المحاذية للساحل الشرقي في افريقيا ومن عاصمته الثانية زنجبار أسس السلطان سعيد بن سلطان مراكز ثقافية لتعليم اللغة العربية ونشر الاسلام وظل الساحل الشرق لافريقيا حتى عام 1964 متأثراً بالجهود العظيمة التي بذلها العمانيون حتى اصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية تقريباً لكل اقوام شرق افريقيا . وفي منطقة الخليج العربي كانت معظم موانئ الساحل الشرقي هي مراكز تجارية عمانية وفي المحيط الهندي كان الاسطول الحربي والتجاري العماني هو الاكثر نفوذاً بعد الاسطول البريطاني واقامت عمان في تلك الحقبة علاقات دبلوماسية مع بريطانيا وهولندا وبلجيكا واسبانيا والبرتغال وفرنسا والولايات المتحدة وعلاقات تجارية مع الصين والهند وجنوب شرق اسيا وايران ومصر وفي عام 1840 زارت سفينة عمانية هي (السلطانة) ميناء نيويورك وكانت اول سفينة عربية تصل الى العالم الجديد وقد رافقت هذه الجهود العمانية والتي كانت جهوداً سلمية بحته هجرة عدد من العلماء الى افريقيا وجنوب شرق اسيا بهدف نشر الاسلام جنباً الى جنب مع الجهود الدبلوماسية والتجارية هذا بالاضافة الى انتشار الفكر العماني الاباضي في الاقطار الافريقية وخصوصاً في الشمال الافريقي بما في ذلك الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا .

من هنا نستطيع القول ان سلطنة عُمان الحالية هي سليلة تراث عريق وعلاقات خليجية ودولية واسعة تم تحقيقها سلماً وليس حرباً ويرجع الفضل الى العمانيين الرواد في نجاحهم في اوسع حملة فكرية وثقافية في التاريخ لنشر الاسلام عن طريق الحوار والثقافة والتجارة .

أ.د. محمود علي الداود

مشرف قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية