مشكلة المياه

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-03-15 10:13:57

 

أ. د. قبس ناطق محمد                   قسم الدراسات التاريخية والاستراتيجية

 

تعد منطقة الشرق الاوسط من المناطق المتنوعة في جغرافيتها، وفي تعدد لغاتها واديانها، فلا يوجد سوى القليل من المناطق على سطح الكرة الارضية اكثر تنوعا من منطقة الشرق الاوسط، من حيث الجغرافية الطبيعية والاديان والمجتمعات والثقافات.

ولا توجد اية بقعة في العالم تتماثل من حيث اختلافاتها مع منطقة الشرق الاوسط، التي تحتوي على مزيج من الاختلافات والصراعات والتعقيدات، وتبرز هنا مشكلة رئيسية وهي مشكلة المياه وعلى وجه التحديد نقصان المياه في المناطق الجافة من الشرق الاوسط.

ولما يحتله الماء من أهمية بالنسبة للصحة والزراعة والطاقة والعلوم والصناعة والنقل، أصبحت قضية معقدة ومتعددة الجوانب، منها الجانب السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي، ومن خلال ذلك تشكل المياه في الشرق الاوسط عنصر صراع رئيسي يحدد كلا من السياسات المحلية والخارجية لحكام المنطقة.

وسط هذا الجو المحتدم بالخلافات السياسية يعمل نقصان المياه على زيادة حدة التوتر في منطقة الشرق الاوسط، ويتضح هذا ويتكامل على ما يبدو انه بداية حرب بين موريتانيا والسنغال حول مياه نهر السنغال، الذي يفصل بين الدولتين ويتكامل ايضاً مع التوتر الذي يسود العلاقات بين مصر والسودان من جهة واثيوبيا من جهة ثانية حول نهر النيل، وكذلك توتر العلاقات التركية العراقية السورية حول مياه نهر الفرات.

من هنا يبدو ان العالم يقف على حافة حرب جديدة، يمكن تسميتها بحرب المياه، والواضح ان افتعال هذه الحرب والتخطيط المبرمج لها يهدفان الى نسف الجسور، بين الدول العربية ودول الجوار غير العربية الامر الذي يحقق لاسرائيل هدفاً امنياً استراتيجياً.

لقد كانت قضية المياه لا تثير ذلك القدر من الاهمية والخطورة في العلاقات السياسية الدولية بين دول المنطقة، لانها لم تبلغ بعد مرحلة الازمة الحقيقية، الا بعد السياسات المائية التي اتبعتها بعض دول المنطقة، خاصة في جانب اقامة مشاريع الخزن والسدود الضخمة بشكل منفرد، دون التشاور مع الدول المتشاطئة وهذا ما يجعل المياه احد العوامل الاستراتيجية في السلوك السياسي الخارجي لدول المنطقة الآن ومستقبلا. واذا كانت عملية استغلال مياه الفرات لم تثير اية مشكلة في السابق بسبب وقوع النهر من المنبع الى المصب تحت سيادة دولة واحدة هي الدولة العثمانية والذي يتطلب منها حماية المنتفعين به جميعاً.

لذلك فان بوادر المشكلة لم تبدأ الا بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وتحطم الكيان السياسي للامبراطورية العثمانية، وما ترتب على ذلك من قيام دول جديدة اختصت اولها وهي تركيا بالمجرى الاعلى للنهر وحظيت ثانيهما وهي سوريا بالمجرى الاوسط منه، في حين بقي المجرى الاسفل وهو اكبر الاجزاء مساحة ضمن الحدود العراقية.

وبذلك تغيرت طبيعة نهر الفرات واصبح نهراً دولياً، بعد ان كان وطنياً، فلم يعد استغلال مياهه من اختصاص دولة واحدة، وانما تنازعت في ذلك المصالح الذاتية لاكثر من دولة، مما يفرض ضرورة ضمان مصالح دولة المجرى الاسفل للنهر وتأمين احتياجاتها المائية، كونها المتضرر المباشر والرئيس من اي استغلال للمياه، يفتقر للتنظيم والتنسيق خاصة فيما يمثله نهر الفرات من اهمية للعراق.

في ضوء ما تقدم يتضح ان تركيا الغنية بالثروات المائية تحاول توظيف هذا الموضوع في المجالين السياسي والاقتصادي وهذا الامر مشروع مبدئياً شرط احترام حقوق العراق وسوريا المكتسبة في مياه نهر الفرات.

فعلى الصعيد الاقتصادي ستحصل تركيا على عوائد مالية مرتفعة من بيع المياه لدول المنطقة ويؤكد المختصين في هذا المجال ان الواردات التي ستحققها تركيا من خلال مشاريعها على نهر الفرات اكثر من (3 مليار) دولار، كما ستتيح هذه المشاريع لتركيا حجج جديدة لخفض المياه في الفرات وتعزيز دورها الاقليمي تجاه دول المنطقة، فضلا عن سبب آخر اكثر اهمية وهو مساومة العراق وربط تجهيزهم بالنفط الخام مقابل تسهيل مسألة المياه.

إما على الصعيد السياسي فان للمشاريع التركية مردودات سياسية كبيرة، خصوصاً فيلما يتعلق بالمشاريع المائية التركية – الاسرائيلية والتي تستهدف ربط اسرائيل بالمنطقة العربية بمصالح سياسية مشتركة، وهذا ما تسعى اليه تركيا تحقيقاً لمصالح الولايات المتحدة الامريكية، ومن ورائها اسرائيل بعدما تصبح مشكلة المياه اكثر الحاحاً ومصيرية.

في الوقت الذي تفتقد فيه دول المنطقة المشتركة بهذه المصادر الطبيعية الى التعاون فيما بينها لما يسود علاقاتها من خلافات عرقية وتاريخية وعقائدية يندر معها ان يقع اي شكل من اشكال التعاون بينها, فعدم توافر حسن النية سيجعل الاوضاع اكثر تعقيداً، لذلك ستبقى المياه العامل الاستراتيجي الاول خلف المناورات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط.