أوكرانيا بين استراتيجية الوقيعة وسياسة الخديعة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-03-13 07:57:44

الباحث / زهير حمودي الجبوري

 

السمة الصراعية للنظام الدولي أوجد تحالفات دولية تقودها الدول الكبرى وتنظم اليها الدول الاخرى بارادتها  أو مجبرة لتأمين حماية حدودها وأمنها، ولكنها بنفس الوقت قد تكون هذه الدول ساحة لصراعات هذه الأحلاف الدولية وهذا ما وقعت فيه أوكرانيا اليوم.

إذ كانت من الدول المؤسسة للاتحاد السوفيتي السابق وبعد تفككه في عام 1991 أعلنت أوكرانيا استقلالها كدولة محايدة مع شراكة واضحة مع روسيا ورابطة الدول المستقلة التي تقودها روسيا فعليا، ولكن بعد احتجاجات شعبية تشكلت حكومة جديدة أدارت وجهها تدريجيا من روسيا الى حلف شمال الأطلسي (الناتو) حتى وصل الحال الى طلب الانضمام الى حلف الناتو الذي اعتبرته روسيا تهديدا خطيرا لأمنها إذ ان نشر صواريخ الناتو في اراضي أوكرانيا يعد خرقا أمنيا لا يمكن تحمله.

حاولت روسيا ثني أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف الناتو، وسعى إلى إبقائها في الفلك الروسي عبر -استراتيجية الوقيعة - أي استراتيجية تفكيك تحالفات الاعداء(wedge strategy)  والتي عرفها تيموثي دبليو كروفورد (انها محاولة زيادة قوة الدولة النسبية في مواجهة تهديد خارجي وذلك من خلال منع تكوين تحالفات معادية او من خلال إضعاف هذا التحالف في حالة نشوئه من خلال الوقيعة بين أطرافه وذلك بتكلفة مقبولة) وبعد فشل روسيا في تحقيق عزل أوكرانيا عن حلف الناتو أو تحييدها باستراتيجية الوقيعة الناعمة
(soft Hedging)  استعانت باستراتيجية الوقيعة الخشنة(Hard  Hedging)  واجتاحت أوكرانيا لعزلها عن حلف الناتو واحتمال احتلال العاصمة كييف وخلق حكومة متعاونة مع روسيا ومعارضة لسياسة الناتو  المهددة لروسيا  التي سبق وان طبقت هذه الاستراتيجية (الوقيعة الناعمة) إبان فترة الاتحاد السوفيتي السابق عام 1941 عندما حيدت اليابان التي كانت تقاتل مع جيوش دول المحور بتوقيع اتفاق مع اليابان بعدم القيام بأعمال عدائية بين الطرفين ليتمكن الاتحاد السوفيتي من نقل قواته الى الجبهة الغربية لمواجهة الألمان.

 من جهة اخرى وقعت أوكرانيا ضحية سياسة الخديعة من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو الذين دفعوا بها للمواجهة مع روسيا مع وعود عريضة بأنها ستكون محصنة وآمنة بوجود قوات حلف الناتو التي ستقف بوجه اَي عدوان روسي، ولكن بانت الخديعة بعد بداية الاجتياح الروسي لاراضي أوكرانيا وتنصل الجميع عن اوكرانيا، لتجد نفسها وحيدة في مواجهة غير متكافئة مع الدب الروسي، وقد يكون حلف الناتو استدرج روسيا الى مستنقع الحرب اللامتماثلة طويلة الامد على الساحة الاوكرانية لاستنزاف القوة الروسية، أو تكون الخديعة الامريكية لاستغلال الغزو الورسي لأوكرانيا لفرض حصار اقتصادي اوربي على روسيا لمنع استيراد الغاز الروسي واستبداله بالغاز الصخري الامريكي الغالي التكلفة والعاجز عن منافسة سعر الغاز الروسي الا بقطعه عبر العقوبات .

هذا الصراع يوضح بأن القرار السياسي لأي دولة يجب ان يعتمد على الجيوبولتيك وفهمه وفهم تداعياته قبل الإقدام على الدخول في عالم المحاور لأنه قد ينقلب عكسيا من طلب الامن والحماية الى فقدانها وفقدان السيادة كما حصل اليوم مع أوكرانيا.