اوكرانيا .. المعضلة الأوربية والولايات المتحدة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2022-02-13 15:07:13

علي عبد الهادي المعموري

في الوقت الذي تلوح فيه نذر الحرب على الحدود الاوكرانية الروسية، يتسائل الكثيرون عن الموقف الأمريكي، وهل سيتحرك الناتو للدفاع عن اوكرانيا؟ أم سيتركها لمصيرها؟ لتواجه بمفردها الدب الروسي الذي سبق أن خضعت له إبان حقبة الاتحاد السوفيتي، ولم تستقل عنه إلا لوقت قصير لم يتجاوز الثلاثين عاما.

والحقيقة أن فهم الموقف الأمريكي يتطلب فهم الوضع الدقيق للناتو، ولطبيعة قوة الدول المشتركة فيه، ومدى استعدادها لخوض حرب مع روسيا لأجل أوكرانيا، بعبارة أخرى، هل تستحق اوكرانيا الذهاب الى الحرب دفاعا عنها؟ وهل تمتلك اوربا القدرة على حرب مثل هذه؟

 

الناتو..الدول العالة والدولة المعيلة

في الحقيقة، لم تعد الدول الأوربية تهتم بالتسليح منذ نهاية الحرب الباردة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين عام 1991، وتحولت موازنات التسليح الى موازنات التنمية المستدامة وبرامج دولة الرفاه الاجتماعي التي صارت نمطا اوربيا سائدا.

ومنذ سنوات، تحديدا خلال ولايتي الرئيس الأمريكي باراك اوباما، ومع الصعود السريع للصين، وعودة روسيا الى السباق الدولي بقوة، أخذت الولايات المتحدة تطالب بأدب بأن يتم زيادة موزانة التسليح الاوربي من 2% من الناتج القومي الاجمالي الى 4%، الأمر الذي استمر طوال ولايتي اوباما، دون استجابة من الدول الاوربية الاعضاء في الناتو.

وبعد تولي دونالد ترامب لمنصب رئيس الولايات المتحدة، أخذ يطالب الاوربيين بأسلوبه الوقح المعروف أن يسهموا بشكل فعلي في أعباء حمايتهم، وأن الولايات المتحدة لن تنفق على حماية اوربا بعد الآن، مما زاد الأزمة داخل الناتو، والدول الاوربية التي ترتبط بدورها بالاتحاد الاوربي، الذي لا يمكن اتخاذ قرار فيه إلا بالإجماع من قبل الدول الاعضاء، وزيادة موازنة التسليح ستتطلب المزيد من الحرية لحركة القوات المسلحة بين الدول الاوربية، وهو أمر غير ممكن إبدا.

من جانب آخر يعتمد الناتو بشكل كبير على قوة الولايات المتحدة داخل الحلف، وحتى الدول الأخرى الاعضاء التي تخصص موازنة كبيرة للتسليح مثل تركيا أو بريطانيا فإنها لا تتحرك بمعزل عن سياسة الولايات المتحدة وبما لا يحرج وضعها الاقليمي والدولي الدقيق، أما بقية الدول الكبيرة فهي تتعامل وفق مصلتحها ووفق التهديد الأكبر بالنسبة لها، فعلى سبيل المثال، لا تقلق إيطاليا من الصين وروسيا، وهمها الأكبر هو موجات الهجرة من افريقيا، على عكس المانيا التي يشكل الهاجس الروسي أول أولوياتها.

أما الدول الصغيرة في الحلف، مثل لاتفيا وليتوانيا وغيرها من الدول المحاذية لروسيا، فهي عبء مطلق، وتبحث عن الحماية دون أن ترغب بتحمل أعبائها، هذه الدول طالبت بضم اوكرانيا الى الحلف، وحين تم سؤال حكوماتها عن استعداد بلدانهم لتحمل نتائج الغضب الروسي إذا ما تم ضم اوكرانيا للحلف، كانت الاجابة: "اجلبوا فرقة أمريكية" وهو ما لا تريده الولايات المتحدة.

بالنتيجة، وبحساب الرغبة بالحرب، واستحقاق اوكرانيا لهذه الحرب، في ظل الوضع الدقيق لاوربا والناتو، نخلص الى أن اوكرانيا لا تعد من بين أولويات الولايات المتحدة فيما لو تم اجتياحها من قبل روسيا، الأمن الاوربي يتحدد من الدول التي تلي اوكرانيا، أو ذات الوضع الأكثر حرجا مثل بولندا التي كثف طيران الناتو طلعاته فوقها خلال الأيام الماضية، دون الالتفات الى اوكرانيا، ويبدو أن الولايات المتحدة ـ والناتو من خلفها ـ لن تتحرك بشكل فعلي لحماية اوكرانيا من الروس، وقد توافق على خيار تقسيم اوكرانيا بين طرفين، الجزء الراغب بالانضمام الى روسيا، والجزء المتناغم مع الغرب، اوربا والولايات المتحدة.

هذه الفرضية مطروحة، ولكن من المهم الالتفات الى أن الحرب ليست حتمية الوقوع، فالتجارب السابقة في العلاقات الدولية تذهب الى أن تصاعد نذر القتال ترافقها عادة مفاوضات سرية، وكما قال كلاوزفيتر مرة أن الحرب هي استمرار للسياسة بطريقة أخرى، وكذلك نذر الحرب، هي سياسة، مفاوضات؛ مفاوضات تدرك الولايات المتحدة خلالها أن اوكرانيا لا تستحق الثمن الغالي الذي قد يدفع لأجلها، وهو حرب عالمية ثالثة.