المنطقة الرمادية في العلاقات الدولية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2021-10-26 06:01:46

 

عند الخوض في موضوعات العلاقات الدولية لابد أن يكون للصراع دور مهم في طبيعة أي مرحلة من مراحل النظام السياسي الدولي، ,وفي هذا الخصوص يعزو العديد من منظرين العلاقات الدولية، فيما يخص طبيعتها، ومنهم (هانس مورغنثاو) و(كينيس تومسون)، عبر عن ذلك بقولهم أن جوهر العلاقات الدولية التي تشكل مادتها الأساسية هو الصراع من اجل القوة بين الدول ذات السيادة، وعلى هذا الأساس يمكن ان تأخذ المنطقة الرمادية الجزء المهم في التنافس الدولي ضمن مفهوم الصراعات الغير مباشرة، في مناطق مختلفة من العالم سيما ذات الأهمية الاستراتيجية من الناحية الجيوبولوتكية، والاقتصادية والموارد الطبيعية المتمثلة بالنفط والغاز الطبيعي. وبهذا المفهوم تشكل المنطقة الرمادية بُعد جديد في العلاقات الدولية.

 إذن ماهي تلك المنطقة؟ هي المساحة الواقعة بين السلام والحرب، والتي تنطوي في ظاهرها على أعمال حرب، لكنها من الناحية القانونية ليست كذلك. أي التي تقع خارج المنطقة الجيوسياسية الخاضعة للصراع المباشر، وبعبارة أخرى تعد المنطقة الرمادية على أنها التهديدات المختلطة، والقوة الحادة، والحرب السياسية، والنفوذ السلبي، والحرب غير النظامية، والردع الحديث.

 وعلى هذا الأساس هناك العديد من المناطق في مختلف القارات تأخذ مساحتها بشكل اكبر )المنطقة الرمادية(، ومن اهم تلك الدول هي المتوزعة بشكل مختلف بين  دول عديدة أهمها في اسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأمريكا الجنوبية، لاسيما الدول التي حدثت بها التغيرات السياسية داخل نظامها السياسي، وهذا التغير السياسي احد اهم العوامل التي تدعم دور المنطقة الرمادية فيها. مما يعطي لها الإمكانية بأن تنمو بسرعة عندما تتوفر الظروف المناسبة. كونها قد لا تصل الى مستوى النزاع المسلح، في حين يتم تنفيذ الأعمال في (المنطقة الرمادية) من قبل الدول في اغلب الأحيان باستخدام وكلاء تابعين للدول التي ترغب ان تؤدي دور مهم في المنطقة الرمادية في علاقتها بما في ذلك التنظيمات الارهابية، وهذا اعلى مستوى يتم استخدامه، فضلاً عن الجهات الفاعلة غير الحكومية. وغالبا ما تكون إجراءات المنطقة الرمادية عدوانية غامضة ويمكن إنكارها ومبهمة.

أما اهم الأساليب التي تطبق داخل المنطقة الرمادية هي :

الهجمات الإرهابية، والاغتيال، والابتزاز، واحتجاز الرهائن، والتجسس، والتخريب مثل تمويل الجماعات السياسية والتلاعب بها في بلد مستهدف، والهجمات الإلكترونية، والصراعات السياسية، والدعاية والتأثير الانتخابي، و الإكراه الاقتصادي.(من خلال الطرف المسيطر اقتصادياً في النظام السياسي الدولي).  وقد تشمل في بعض الأحيان استخدام الردع العسكري فضلاً عن عمليات عسكرية تقليدية وغير تقليدية.

وعلى هذا الأساس تأتي المخاوف إلى الكثير من الدول من الخوض في هذه المنطقة في علاقاتها الخارجية، كونها تحتاج للكثير من القدرات والإمكانيات الكي تؤهل الدولة لأثبات وجودها داخل تلك المنطقة في سياستها الخارجية.

إذ ماهو الموقف الدولي القانوني من هذه المساحة الرمادية في العلاقات الدولية؟ جاء موقف القانون الدولي من الأحداث التي تندرج ضمن المنطقة الرمادية، التي تؤدي إلى المساس بالاستقرار و الأمن الدوليين، أي عندما تدخل الأحداث ضمن الفوضى التي تؤدي بأحداث تصنف ضمن اختصاص القانون الدولي العام، فإن القانون الدولي يسمح بتدخل مجلس الأمن عند الضرورة في شكل إيفاد بعثات تقصي الحقائق و فرض التدابير القسرية، نتيجة ربط  الأمن  والسلم الدوليين بالأمن القومي للدولة.

 كما تعد منطقة الشرق الأوسط اكثر المناطق  تكويناً للمنطقة الرمادية في العلاقات الدولية، سيما مناطق الصراع الإرهابي وتواجد عناصر تنظيم داعش الإرهابي. وعلى هذا الأساس يفترض بصانع القرار الخارجي أن يأخذ في حساباته جميع أبعاد العلاقات الدولية وتقاطعها مع بعضها من اجل تحقيق ادراك حقيقي لما يدور حول مصالح الدولة الإقليمية والدولية.

ومما سبق يتضح أن للمنطقة الرمادية في العلاقات الدولية تطبيقاً واضحاً في الكثير من السياسات الخارجية لأغلب الدول التي ترغب بالتدخل الغير مباشر في مختلفة الدول التي تشكل أهمية استراتيجية لها. كون ذلك يحقق لها إدارة علاقات الصراع مع الخصوم بهدف تحقيق مصالح الدولة من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. لان التدخل المباشر سواء العسكري او الدبلوماسي غير مرغوب فيه ويعرض الدول إلى الكثير من المسائل القانونية، سيما بعد تغير طبيعة العلاقات بين الدول من منطلق الاعتمادية الاقتصادية فضلا عن اغلب المصالح المشتركة في الجانب التجاري التي من الممكن أن تعرقل أي فكرة للصدام المباشر بين الدول. هذا لاينفي عدم وجود الصراع والتنافس بين الدول لاسيما الدول الكبرى التي تريد أن تحقق اكبر قدر ممكن من النفوذ داخل الدول الأخرى كونها تشكل أهمية استراتيجية لمصالحها القومية العليا.

قسم الدراسات السياسية

                                                                                د. محمد الساعدي