الاستقرار الالكتروني الأمريكي الروسي يحتاج إلى "منهج الحلول الأكثر عملية : المحددات والردع والتواصل

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2021-10-25 06:39:51

الكاتب: جوزيف س. ناي 

مكان النشر: موقع قضايا روسية (Russian Matters)

تاريخ النشر: 6/10/2021

ترجمة: أ.م.د. طارق محمد ذنون الطائي/ استاذ الاستراتيجية والعلاقات الدولية المساعد/ جامعة الموصل

 

         على مدى عقدين من الزمن، قدمت روسيا الاتحادية مقترح لمعاهدة إلكترونية في الأمم المتحدة، واعترضت عليها الولايات المتحدة بوصفها معاهدة غير قابلة للتحقق، استناداً الى أنه لا يوجد فرق في كثير من الأحيان بين السلاح الالكتروني والبرنامج غير الضار باستثناء النية غير معروفة للمستخدم، وبدلاً من ذلك، اجتمع خبراء من (15) إلى (25) دولة في الأمم المتحدة منذ عام (2004) لتحديد المعايير الإلكترونية التي يمكن من خلالها تعزيز الاستقرار، ولكن بعد وقت قصير من توقيع روسيا على تقرير مجموعة الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة لعام (2015)، والذي أوصى بالامتناع عن شن هجمات على "البنية التحتية الحيوية"، بدا بأن موسكو انتهكت روح الوثيقة من خلال شن هجمات إلكترونية مزعومة على شبكة الكهرباء الأوكرانية (وهي التهمة التي نفتها روسيا الاتحادية).

       ومع ارتفاع مستوى انعدام الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت الاتفاقيات المعيارية يمكنها حقاً تعزيز الاستقرار الالكتروني، لا سيما بدون التطبيق أو الردع، ولكن هناك تفاعل إيجابي يجب أخذه في الاعتبار ألا وهو: يمكن للمعايير أن تعزز الردع، غالباً ما يتم تصميم العلاقات الدولية على أنها لعبة "معضلة السجين" حيث يكون لكل جانب فيها حوافز ساحقة للغش في حالة معينة، ولكن كما أظهر علماء السياسة في دورات الحاسوب من خلال الألعاب المتكررة لمعضلة السجين، تبين بأن المعاملة بالمثل هي أفضل استراتيجية للاعبين على المدى الطويل.

فضلاً عن ذلك، تعد المعايير من المرتكزات البارزة المفيدة في المساومة الضمنية التي ينطوي عليها الأمر، وكما أشار توماس شيلينج، فإنه في المفاوضات الضمنية، قد تبحث فيها الأطراف عن نقاط مشتركة منظورة لكلا الجانبين حتى لو لم يتم توضيحها بشكل صريح، وتعد بعض المعايير لاسيما مثل عدم التدخل في "الجوهر العام" للإنترنت، والتي اقترحتها اللجنة العالمية غير الحكومية حول الاستقرار في الفضاء الإلكتروني (التي كنت عضواً فيها)، هي في مصلحة جميع البلدان.

  ومن ثم، فإنه على الرغم من أن المعاهدة الالكترونية لن يكون من الممكن التحقق منها، تبقى احتمالية وضع المحددات على أنواع معينة للسلوك والتفاوض بشأن القواعد التقريبية للسلوك تتم من خلال الجمع بين الردع والمعايير وجاذبية المصلحة الذاتية للدول المعنية.

فعلى سبيل المثال، خلال مدة الحرب الباردة، كانت القواعد غير الرسمية التي تشكلت بين واشنطن وموسكو تحكم معاملة جواسيس كل منهما، اذ كانت تتمثل بالطرد بدلاً من الإعدام كقاعدة، فضلاً عن ذلك، في عام 1972، تفاوضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على اتفاقية لمنع الحوادث في البحر للحد من السلوك البحري الذي قد يؤدي إلى التصعيد.

وقد تتفاوض الولايات المتحدة وروسيا بشأن حدود سلوكهما فيما يتعلق بمدى ونوع (وليس وجود) تجسسهما الإلكتروني، أو قد تتفق الدولتان على وضع قيود على تدخلاتهم في العمليات السياسية الداخلية لبعضهم البعض، وعلى الرغم من أن الصياغة اللغوية الدقيقة للمعاهدة غير مرجحة، فإنه يمكن للجانبين إصدار بيانات أحادية الجانب حول مجالات ضبط النفس وإقامة آلية استشارية لاحتواء الصراع، قد تجعل الاختلافات الأيديولوجية من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق تفصيلي حولها ـ الاتفاقية ـ ولكن الاختلافات الأيديولوجية الأكبر لم تمنع الاتفاقات من الحيلولة دون التصعيد خلال الحرب الباردة، اذ يمكن أن تكون الحصافة في بعض الأحيان أكثر أهمية من الإيديولوجيا.

  وفي القمة التي عقدت في جنيف في شهر حزيران من عام (2021)، سلم الرئيس جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين قائمة تضم (16) مجالاً للبنية التحتية الحساسة، بما في ذلك الطاقة والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية والمواد الكيميائية والاتصالات، والتي "يجب أن تكون محظورة على الهجوم"، وكشف بايدن أنه سأل بوتين عن شعوره إذا ما تم التحكم بخطوط الأنابيب الروسية عن طريق برامج الفدية، وفي مؤتمر صحفي لاحق قال: "بينت له  بأن لدينا قدرة إلكترونية كبيرة وهو يعرف ذلك، هو لا يعرف ما هي بالضبط ، لكنه يدرك بانها مهمة، وإذا ما انتهكوا هذه المعايير الأساسية في الواقع، فسنرد الكترونياً، هو يعلم ذلك" لكن المجالات الـ (16) واسعة للغاية (ومتاحة على المواقع الحكومية)، وغياب الاستجابات القوية على الهجمات التي مصدرها من روسيا يشير إلى أن إدارة بايدن لم تنشئ قوة للردع.

   كان بعض النقاد قلقين بأن تحديد ما الذي يجب حمايته قد يعني ضمناً بأن اللعب في المناطق الاخرى هي لعبة عادلة، إلى جانب ذلك، يجب تطبيق الخطوط الحمراء من اجل أن تكون فعالة، لكن يجب أن يكون تركيز التحذيرات على مقدار الضرر الذي حدث، وليس على الخطوط أو السلوكيات المحددة، التشبيه هو إخبار مضيفي حفلة في حالة سكر بأنه إذا ارتفعت الضوضاء بشكل كبير، فسوف تتصل بالشرطة، فالهدف هو ليس إيقاف الموسيقى الذي من المستحيل تحقيقه، ولكن الهدف الأكثر عملية هو خفض مستوى الصوت إلى مستوى يكون مقبولاً بشكل أكبر.

   وعندما تتجاوز روسيا أو غيرها مثل هذا الخط، سيتعين علينا الرد بهجوم انتقامي، قد يشمل ذلك عقوبات عامة، ولكن أيضاً من خلال إجراءات إلكترونية ضد الجهات الفاعلة ذات الصلة بالسياسة، مثل تجميد الحسابات المصرفية أو الإفصاح عن معلومات حرجة عن الأوليغارشية. وتعد المعاقبة الأخيرة في بورصة العملات المشفرة في روسيا هي مثال على ذلك، وبشكل عام، يمكن أن تكون الممارسة المتمثلة في "الدفاع إلى الأمام" و"المشاركة المستمرة" مفيدة أيضاً هنا، على الرغم من أنه من الأفضل أن تكون مصحوبة بعملية الاتصال الهادئ، ويمكن القيام بذلك من خلال مجموعات عمل رسمية، ولكن يمكن أيضاً التعامل معه في القنوات الاستخباراتية.

         غالبًا ما تعمل الفواعل من غير الدول كوكلاء للدول بدرجات متفاوتة، لكن قواعد السلوك الأمريكية الروسية قد تتطلب تحديدها ومحدداتها، وتعد برامج الفدية مثالاً على ذلك، هنا قد تتعاون الولايات المتحدة وروسيا من خلال معاملة المجرمين كطرف ثالث والتخلي عن استخدامهم كوكلاء، فضلا عن ذلك، وكما جادل ديمتري ألبيروفيتش، بأنه يمكننا استخدام قدراتنا الهجومية والتنظيمية لتعطيل شبكات برامج الفدية والمدفوعات الإجرامية كما فعلنا مع شبكة داعش الإرهابية في عام (2015)، ولأن قواعد السلوك لن تكون مثالية أبداً،  فعليه يجب أن تكون مصحوبة بعملية استشارية ويتم وضع إطار للتحذير والتفاوض، ومن غير المرجح أن توقف مثل هذه العملية، جنباً إلى جنب مع تنفيذ تهديدات رادعة أقوى، عملية التداخل تماماً، ولكن إذا تم تخفيض المستوى، فإنه قد يعزز الاستقرار في الفضاء الالكتروني.