العنف الرمزي وتاثيره على الامن الوطني

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2021-05-26 07:11:18

العنف ليس دائماً بالضرب أو بالايذاء البدني ،ولكنه يمكن أن يكون عنف باللغة والصورة أوالاشاره ،وهو مايطلق علية العنف الرمزي، فهو كالأفعى ناعم الملمس لكنه قاتل ،وهو شكل من اشكال العنف نمارسه جميعاً بقصد ومن غير قصد يعبر عن رواسب التمييز والكراهيه والعنصريه في نفوسنا ،والتي تغلف بغلاف شفاف ناعم نسميه باللباقه واللياقة انه مزيج من ثقافة التعميم والتربية على كراهية المختلف ،عنف لا يغفر له ولا يبرر، أنه لايسبب نزف جسدي ،بل هو نزيف نفسي أخطر وأعمق في سحق النفس وتدميرها، وهذا ما نسميه القوة الناعمه التي تستخدم ضد الأخر للتاثير عليه . وبالتالي تؤثر على الامن الوطني .

والأمن الوطني في الواقع يرتبط بقدرة الدولة في المحافظة على كيانها وحماية مواطنيها ضد أي تهديدٍ (داخلي او خارجي ) قد تتعرض له الدولة ،ووضع الحلول بما يتلائم مع كل موقف . فمفهوم الأمن الوطني تندرج تحت مسماه عدة عناصر بدءاً بالأمن العسكري ،الأمن الاقتصادي ،الأمن الصحي ، الأمن البيئي ، الأمن الثقافي الأمن المجتمعي ... ومن هنا تفرعت وتعددت اهداف الامن الوطني تبعا لتلك العناصر ،المتمثلة في الأتي :

1 . حماية الكيان الاقتصادي للدولة ( الأمن الاقتصادي )

2 . حماية البناء المادي للدولة ( الأمن العسكري )

3 . حماية الركائز الحضارية ( الأمن العقائدي)

4 . المحافظة على النظم السياسية والايديولوجية السياسية ( الأمن السياسي )

5. الحفاظ على الكرامة الأنسانية ( الأمن المجتمعي )

6. الحفاظ على قيم القانون والفصل بين السلطات ( الأمن الدستوري والقانوني )

والذي يهمنا هنا في هذا الموضوع ،هو الأمن الاجتماعي الذي يعد مسألة الحفاظ على المجتمع في أي دولة من الدول ،من المسائل الحساسة والمهمة ، لكون المجتمع هو الساحة والميدان الذي تعمل فيه جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، وهو غاية الدولة وهدفها ، لأن المجتمع هو الانسان، وعندما يصاب هذا المجتمع بخللٍ ما ، فإن الدولة وغايتها ستنتهي في هذه الحالة وتصبح فارغة من معناها . والمشكلات التي قد تعترض المجتمع كثيرة، أشدها وأكثرها خطورة هو عندما يصاب النسيج والترابط بين المواطنين بخلل فعندها قد تتعطل حياة الأفراد وتصبح مسألة نشوب حرب أهلية أو تمزيق أمر وارد .

ولأن العنف ظاهرة اجتماعية بالأساس ولها أشكال متعددة فالتربية والثقافة والعلاقات الاجتماعية دوراً مهماً في جعل بعض الأفراد أو الجماعات اكثر ميلاً إلى استخدامها بشكل واسع في ظل تقنية تكنلوجيا  ووسائل الاعلام الجديدة ،إذ تأخذ الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي النصيب الأكبر كمنبرٍ حرً لابداء الرأي ومناقشة القضايا بحرية اللغة والصور مكرسه ممارسات تساهم في نشر ثقافة العنف لدى متلقي الرسالة الإعلامية .

 أشكال العنف ، العنف الرمزي :هو النقد الذي يسمح بتهديم أشكال أجتماعية معينة أو مفاهيم مشينة بانشاء تحديدات أو تعريفات اجتماعية جديدة للوجود الاجتماعي أو أشكال جديدة ، أي إن وظيفة العنف الرمزي هي تهديم وتخريب الأشكال الأجتماعية المفروضة عنوة على المجتمع ، وهي تخدم مصالح فردية ومجموعات وإنشاء أشكال أخرى بديلة . و يتميز العنف الرمزي الموجود في العالم الافتراضي مثله مثل العالم الواقعي بالتخفي والانسياب في العقل دون أن يشعر الفرد الضحية بهذه القوة التي تجعله يخضع لها ، أذا أنها تبرمجه بصورة لا واعية ، وتستقر في عقله الباطن ، وكأنه يخضع لذاته ولكنه في الواقع يخضع لها ،لأ سيما إذا كان  يصدر من طبقة متمركزة في موقع الهيمنة . وللعنف الرمزي أسس وحواضن فكرية سرعان ما تتحول في لحظة مواتية إلى عنف وقسوة. فهو يتغذى من نفس المنبع الذي يستمد منه العنف الدموي أفكاره ودوافعه وتفسيراته المؤولة ومرتكزاته الفكرية والايديولوجية، وكذلك تفسيراته الخاصة للنصوص وتضليلاته المشوهة.

ويرى عالم النفس الاجتماعي الفرنسي بيار بورديو، أن الخطاب الديني المتطرف(الأصولي) هو خطاب رمزي يوؤل النصوص الدينية ويشوهها عبر خطاب عاطفي لاعقلاني.فهو يمتلك سلطة رمزية تكتسب شرعيتها من مقولاتها الخاصة ومن منطقها الداخلي ومن مفاهيمها الذاتية. كما يستمد شرعيته من استعدادات مؤيديه بشكل غيبي وانفعالي يدغدغ الغرائز الحسية والجسدية ،وينتج تأويلات خاطئة لمفهوم الحوار الثقافي، لأنه مستمد من خطاب ديني أسير الصورة الأولى البدائية وتتحكم فيه ثنائيات ساذجة كالخير والشر والايمان والكفر والعقل والنقل، إذ ينتقل الخطاب الديني الى خطاب الهي يتماثل مع النص الديني المقدس أو يتماهى معه أويخلق صورة لخطاب يقترب من المقدس ويتعالى على الواقع ولا يعترف بالمتغيرات التي تحدث فيه. وإذا كان هذا النوع من العنف هو آلية من آليات الدفاع عن الذات العاجزة التي لا تستطيع تحقيق أهدافها بصورة شرعية وصحيحة ومباشرة، فإنه غالباً ما يعبر عنه بأساليب عدوانية ملتوية، كالكراهية والسيطرة على الضعفاء واستغلالهم المادي والمعنوي والاتهام بالباطل واطالة الأعراض الاغتصاب وأضطهاد الأطفال وكبار السن والعجزة والمعوقين، وكذلك تخريب الممتلكات العامة و توجيه الانتقام نحو الخارج، أي نحو الآخر وتدميره. ان مجتمعا تسوده ثقافة العنف بدل التسامح والتواصل والتفاهم والحوار هو مجتمع عدواني

 وهذه هي القوة الناعمة التي استخدمتها الجماعات الارهابية بالتجنيد باستثمارها العنف الرمزي بسوق الأفراد الى اللا وعي بتنفيذ العمليات الارهابية ،التي أصبحت تحدي الأمن المجتمعي الذي هو أحد عناصر الأمن الوطني ،فلم يغيب العنف الرمزي عن المشهد الامني بالتأثير على المجتمع من خلال اساليب تجاهل الأخر ، والتعدي عليه واحتقاره، أو اهانته ، مما يفكك أواصر المجتمع وينهك قواه ويؤدي الى اهتزاز القيم الاجتماعية المستقرة في المجتمع وانعدام الروابط بين افراده و بالتالي إلى شيوع العنف والجريمة المنظمة والتمرد على القانون لتدمير النظام القيمي والاخلاقي في المجتمع.

ومن هذا المنطلق ،جاءت استراتيجية الأمن الوطني بمشروع متكامل من أجل صياغة عقيدة واستراتيجية عراقية جديدة قادرة على مجابهة التحديات وتفعيل المصالح الوطنية التي تضمنت :

1 . تفعيل الرؤى الموحدة التي تنص على أن شعب العراق هو ( موحد، آمن ، فيدرالي ، ناشر للعدل والمساواة ، يؤدي دوراًموثراً في المجتمع الدولي )

2 . تحديد مشاغل البيئة الاستراتيجية المقبلة للعراق الديمقراطي من حيث ( الإرهاب ، التطرف الديني أو الايديولوجي ،التشويه الإعلامي ، الحقيقة الديمغرافية ،ظاهرة العولمة ،التعاون الأمني الإقليمي والدولي)

3. تطوير الشبكة المعلوماتية والاتصالية والبنية التحتية ،مع الأخذ بالحسبان وسائل التطور الوطني المتكامل والبنى التحتية السياسية والقانونية والاجتماعية

4 .  تحديد جوهر المصالح الوطنية العراقية المتمثلة بالمصالح الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومعالجة التهديدات التي تتعرض لها المصالح الوطنية العراقية كالإرهاب والتطرف والفساد الإداري والجريمة المنظمة  .

الخاتمة

يتميز العنف الرمزي عبر الفضاء الافتراضي مثله مثل العنف في الواقع بالتخفي والانسياب في العقل دون أن يشعر الفرد ( الضحية) بهذه القوة التي تجعله يخضع لها إذ إنها  تبرمجه بصورة لا واعية وتستقر في عقله الباطن على إنها ممارسات طبيعية ومنطقية ، وتكون فضاء رحباً للعنف والعنف المضاد  . فمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الانترنيت بشكلٍ عام تعد تحدياً للأمن الوطني بشكل خاص الأمن المجتمعي على وجه العموم   ...

                                                                          اللواء الركن الدكتور

                                                                        خالد عبد الغفار البياتي

                                                                   باحث بدراسات التطرف العنيف   

المصادر

علي عبد الهادي المعموري ، سياسة الامن الوطني بعد 2003 رسالة ماجستير كلية العلوم السياسية ،جامعة النهرين 2014ص32

د.فراس البياتي ، السياسة العامة للامن الوطني العراقي بعد2005، بغداد 2016 ، ص58

عائشة لصلج ،العنف الرمزي عبر شبكات الاجتماعية الافتراضية ، الجزائر 2016

د.منعم ضاحي العمار،العقيدة العسكرية العراقية الجديدة،الدواعيوالمنطلقات والمضامين،مركز حمرابي للدراسات ،بابل 2007ص191.