أول مئة يوم من حكم الرئيس الأمريكي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-12-10 17:52:12

   د. مصطفى كامل                                                                

 

مركز النهرين/ قسم الدراسات السياسية

 

لماذا يعطي الإعلاميون والمحللون السياسيون أهمية كبيرة لأول مئة يوم من انتخاب الرئيس الامريكي في بداية ولايته، تاريخايً لمن يعود هذا التقليد؟ وهل المئة يوم مهمة بالنسبة للرئيس جو بايدن؟ و ما هي الوعود التي وعد بتنفيذها خلال المئة يوم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها سيتم الاجابة عليها في هذه الورقة.

تاريخياً ينسب المؤرخون هذا التقليد إلى الرئيس الأمريكي الأسبق (فرانكلين روزفلت) في ريادة مفهوم أول مئة يوم كمقياس لنجاح لأدائه مهام الرئاسة عندما تولى منصبه في العام 1933، والذي كان يواجه حينها مشاكل اقتصادية صعبة مما دفع حكومته إلى وضع برامج جديدة من اجل معالجة الوضع الاقتصادي، وبالفعل تمكن روزفلت خلال المئة يوم الاولى من إصدار ستة عشر مشروع قانون كبير بعد مصادقة  الكونغرس عليها.

كذلك تعد فترة أول مئة يوم من الرئاسة مهمة جدا على صعيد التنظيم الاداري، فالإدارة الجديدة تسعى ليكون جميع موظفي البيت الأبيض قد تولوا مهامهم يوم 20 كانون الثاني/ يناير من تسليم الرئيس مقاليد الحكم وأن تكون أسماء المسؤولين الذين سيشغلون أعلى 150 منصباً قد تحددت من أجل كسب موافقة مجلس الشيوخ عليها بحلول شهر آب/ أغسطس، ويختار الرئيس الجديد أيضا وزراء حكومته ويعيِّن أيضاً 4000 من المسؤولين السياسيين الآخرين، الذين ينبغي على 1100 منهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ، كذلك جرت العادة على ان  يقدم الرئيس إلى الكونغرس الموازنة الفدرالية المؤلفة من آلاف الصفحات بعد مرور شهر واحد من التنصيب.

وأولى القضايا التي من المتوقع ان  يتصدى لها بايدن خلال المئة يوم الاولى من فترة حكمه هي:

  • وعد بايدن خلال حملته الانتخابية ان أولى القضايا التي سيعمل عليها بعد توليه المنصب هو موضوع فيروس كورونا، إذ صرح بأنه سيقوم بتشكيل مجموعة عمل من 12 عضوا لوضع تصور للتعامل بفعالية مع فيروس كورونا، و سيجري بايدن تعيينات سريعة لوزراء سيكون لهم دور أساسي في التصدي للمرض، ومن بينهم وزير الصحة ووزير الخزانة ومدير المجلس الاقتصادي الوطني، وسيعطي الأولوية لطلب المشورة من الدكتور أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية وكبير خبراء الفيروسات في الولايات المتحدة، ويجعله شخصية محورية في جهود المكافحة الحكومية، وسيقوم بايدن حسب قوله بتعيين قائد إمداد يكون مسؤولاً عن إنتاج وتوزيع الاختبارات والأقنعة واللقاحات، وسيقوم بإنشاء مجلس للأوبئة يقرر الموارد المطلوبة، كما تعهد بايدن بشراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص، يطلق عليها اسم "مجلس فحوص الجائحة"، تكون مسؤولة عن تعزيز إنتاج أدوات الفحص وإمدادات المعامل، فضلاً عن تنسيق الحصول على تلك الخدمات، إضافة إلى تعهده بإتاحة فحوص وعلاج ولقاحات مرض كورونا مجاناً لكل الأمريكيين.
  • سيطرح بايدن خطة مساعدات ضخمة لإنعاش الاقتصاد بعد أزمة فيروس كورونا بقيمة 700 مليار دولار، ولتمويلها ستزيد الضرائب على أغنى الأميركيين والشركات الكبرى، لاسيما من خلال مضاعفة الضرائب على الأرباح المحققة في الخارج، كذلك تعهد بايدن بإلغاء الكثير من التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب للشركات والأثرياء بمجرد تولي السلطة، رغم أن التغييرات تحتاج موافقة الكونغرس.
  • في مجال الحقوق المدنية تعهد بايدن بالعمل على إقرار (قانون المساواة)، وهو مشروع قانون يضيف بنود حماية واسعة جديدة لمناهضة التمييز على أساس الجنس أو النوع، ومن المتوقع أيضاً أن يُصدِر أمراً تنفيذياً يدعم التنوع والشمول في الحكومة الاتحادية، ويشكل (مجلس البيت الأبيض بشأن المساواة بين الجنسين)، وهو مجلس جديد لتنسيق السياسات المتعلقة بالمرأة.
  • تعهد بايدن بإصلاح القضاء وعد بتعيين لجنة وطنية مكونة من أعضاء من كلا الحزبين والتي سيكون عليها اقتراح إصلاحات في غضون 180 يوماً في النظام القضائي الذي أصبح، حسب قوله، (خارج نطاق السيطرة)، وقال إن (هذا لا يتعلق بزيادة عدد القضاة)، في وقت يشتبه برغبة الديمقراطيين بزيادة عدد القضاة التقدميين في المحكمة العليا، والتي يسيطر عليها حاليا التيار المحافظ.
  • في جانب الهجرة يعتزم بايدن أن يرسل إلى الكونغرس مشروع قانون بشأن الهجرة في اليوم الأول من ولايته، يتضمن سبيلاً للحصول على الجنسية لنحو 11 مليون مهاجر يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، وهو هدف سعت إليه وأخفقت فيه العديد من الإدارات الأمريكية من الحزبين، وتعهد أيضا بوقف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين خلال المئة يوم الأولى له في السلطة، كما يعتزم إلغاء قرارات حظر السفر التي فرضها ترامب، والتي تفرض قيوداً على المسافرين من 13 دولة، معظمها ذات أغلبية مسلمة أو دول إفريقية.
  • في جانب السياسية الخارجية سيقوم بايدن بالعمل على إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية بعد أن اعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة منها، كذلك ستعود الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ بعد انسحاب ترامب من الاتفاق ايضاً، وهو إحد إنجازات الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان بايدن نائباً له، وستعود الولايات المتحدة أيضاً إلى الاتفاق النووي الذي تفاوضت بشأنه إدارة أوباما وانسحب منه ترامب، كذلك ذكر بايدن أنه سيقضي اليوم الأول في مكالمات هاتفية مع حلفاء لإعادة مصداقية الولايات المتحدة في الخارج، بعد شعار "أمريكا أولاً" الذي رفعه ترامب لمدة أربع سنوات، وقد ذكر بايدن ايضاً انه إذا فاز (فسأقوم في اليوم الأول بإجراء الاتصالات الهاتفية مع حلفائنا في الناتو لأقول لقد عدنا ويمكنكم الاعتماد علينا مرة أخرى)، كذلك سبق أن تعهد بايدن بتمديد معاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، وإخطار موسكو بنيته هذه سيكون على الأرجح إحدى أولى خطواته، يُشار إلى أن العمل بمعاهدة نيو ستارت سينتهي بعد 16 يوماً من تنصيب بايدن لتُرفع بذلك كل القيود على نشر الرؤوس النووية الاستراتيجية والقاذفات والصواريخ التي تحملها، ما قد يؤجج سباقاً جديداً للتسلح، كما سيعيد بايدن النظر بعلاقته مع الصين لكن بالتشاور مع الحلفاء مثل الدول الاوربية واليابان قبل اتخاذ أي قرار بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين وسياسات أخرى.

لكن لابد من الاشارة إلى أن أي قرار تشريعي للرئيس الجديد بايدن خلال المئة يوم الاولى يمكن ان يصطدم بعرقلة من مجلس الشيوخ، لاسيما بعد احتفظ الجمهوريين بالأغلبية في المجلس مع بقاء الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، لذلك يحتاج بايدن وقت أطول من المئة يوم لتحقيق بعض وعوده وقد يحتاج سنوات لتغير بعض القرارات أو التشريعات التي حدث في عهد الرئيس ترامب، لأن بعض القرارات كما اشرنا تحتاج توافق بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل الكونغرس.