"دور الاعلام في محاربة الشائعات"

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-12-10 17:48:59

 

بقلم د.اثمار شاكر مجيد الشطري

اكاديمية نفسية في جامعة بغداد

 

  إن الإشاعة لم تكن وليدة اليوم، منذ فجر التاريخ كان الإنسان يعيش في حال تأثير متبادل بينه وبين الآخرين، وقد يكون هذا التأثير ضيق الحدود، راكداً جامداً. او واسع الحدود فيكون صراعاً دامياً. ومن هنا كانت محاولات التأثير على آراء الاخرين وافكارهم واتجاهاتهم، قديمة قدم التاريخ بل هي أقدم من التاريخ المكتوب. وتكون ممارسة التأثير على الآخرين ليس بالتحدث وحده بل قد يتعامل الإنسان بالعنف او التهديد باستخدام هذا العنف.

ومع التقدم الذي حظيت به العلوم الإنسانية، والتقدم الهائل في تكنولوجيا الإتصال والإعلام ووسائلهما. وفي ظل الواقع الحالي لإنتشار الإشاعات وتغلغلها في مختلف جوانب الحياة، وعلى جميع المستويات، لذلك اصبحت عملية مواجهة الإشاعات ومحاربتها واقعاً ملحاً، ومسؤولية كل افراد الشعب بطبقاتهم وفئاتهم، وقضية شاغلة لكل العلماء والمختصين، وبالأخص علماء الاجتماع والنفس والدين والإعلام والتربية والسياسيين.

الإشاعة، لغة اشتقاق من الفعل "أشاع" اما الشائعة فهي إشتقاق من الفعل "شاع" اي ان الشيء ظهر وانتشر.

الإشاعة تتحول الى شائعة عندما تظهر وتنتشر.

اهم ما يميز الإشاعات: -

  1. هي عبارة او قصة مقدمة، قابلة للتصديق، ويتم تناقلها من شخص لآخر عادة بالكلمة المنطوقة.
  2. ان الإشاعة ليست خبراً مجرداً إذ ان الخبر هو مجرد نقل واقعة بوسيلة اعلامية، اما الإشاعة فهي التعليق على الخبر بقصد تحقيق حالة نفسية معينة من الإشباع او التخلص من التوتر او التعبير عن حالة من حالات الكبت والاحباط.
  3. هي معلومات او اخبار شفهية او كتابية غير مؤكدة المصدر وتظهر لتفسير موقف يكتنفه الغموض نتيجة لغياب الأخبار الدقيقة والموضوعية والشاملة ويدور موضوع الإشاعة حول شخص او فكرة او شيء ما ويعتمد مدى انتشار الإشاعة على اهمية موضوعها في حياة الناس ووجود وضع غامض يحتاج الى تفسير.

  ويؤكد علماء النفس ان الخواء الفكري والفراغ الروحي وانعدام التربية السلمية وتتبع شهوات النفس وعدم الجد في الامور والانسياق وراء الشبهات، كل ذلك يؤدي الى إحداث شرخ كبير في بنية المجتمع ووعيه وتماسكه، ما يجعله فريسة للإشاعات ومرتعاً خصباً لمروجي الاكاذيب ودعاة التهويل والتضليل.

  وفي مواجهة الإشاعات استخدم الباحثون في مجال الإرشاد والعلاج النفسي مهارات وأساليب مختلفة يستند بعضها الى تفنيد الإشاعة من خلال مواجهة المشكلة، وبعضها الآخر تتعامل مع الجوانب المعرفية المرتبطة بتقييم مصدر الاشاعة او تقييم الموارد المتاحة لمواجهتها بشكل مباشر، بينما استخدمت اساليب تعديل الأفكار غير العقلانية مع الفرد الذي تفاعل مع الإشاعة وتصحيح معتقداته.

تعد الإشاعات من أخطر وأفتك أساليب الحرب النفسية،لأنها تندس بطريقة أشبهبالسحر وسط الجماهير، ولأنه من الصعب معرفة مصادرها ولأن ضحاياها يسمعونها من اصدقائهم مما يعطيها صورة الخبر

والإشاعة هي عملية نشر الاخبار والمعلومات، ونشر نتائجها. وهي تنطلق بسهولة وسرعة عندما تكون الظروف ملائمة لما تتضمنه من اخبار. وهناك مصدر الإشاعة وهو الذي يقوم ببنائها وتشكيلها ويبدأ في نشرها، كان فردا او جماعة، وهناك متلقي الإشاعة، وناشر الإشاعة والشرط الاساسي لانتشار الإشاعة انعدام الحقيقة، ورغبة المتلقي في المعرفة، ووجود دافع وفائدة لمطلق الإشاعة لنشرها.

  الإشاعة الان يمثلها الاعلام، والاعلام لا يمكن ان يكون بدون هدف، لذلك دائما الاعلام هو موجه وله غاية. ودائما مرسل الاعلام يراعي خصائص وقدارت المتلقي الموجه له هذا الاعلام. وان قوة وسرعة انتشار الاخبار او الإشاعات تابع للرغبة في تقبلها لتوافقها مع دوافع ورغبات وتوجهات المتلقي.وعدم تناقضها مع العقائد والمعارف والاخبار التي يتبناها المتلقي.

  يمكن عن طريق نشر الاخبار بين الافراد والجماعات التحكم بدوافعهم وتوجهاتهم، ودون ان يعلموا ان ذلك جرى لهم. وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة انواعه واشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب واذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة، وايضا اجهزة تعليم بكافة اشكالها.

فأصبح الاعلام يعمل على نشر الاخبار او الإشاعات في كافة المجالات وعلى كافة المستويات سواء على مستوى الفرد او المجموعة او مستوى شعب كامل. الاعلام يعتمد على استخدام الطرق النفسية والجسمية والتاثير على المشاعر والعواطف سواء كانت مؤلمة او مفرحة، واساليب الاقناع الفكري، والترغيب والتهويل ولفترة طويلة، وهذا يجبر اغلب الاشخاص على تغيير افكارهم ومبادئهم وعقائدهم، وهذا هو تأثير الإشاعة التي يتبناها الاعلام على اختلاف وسائله.

تعد الحرب النفسية أحد الاركان الاساسية في الحربالشاملة ضد الشعوب عن طريق اساليبهاالمتعددة، ومن ضمنها واهمها (الإشاعة)

 

 

من امثلة الحرب النفسية على العراق، والتي استعملت الإشاعة وسيلة لتحقيق اهداف العدو،هي: -

  1. اثارة الفتن والنعرات الطائفية في العراق
  2. الفرقة والانقسام بين جميع افراد الشعب وانعدام ثقة المواطن بحكوماته، مع الفرقة بينهم وزعزعة ثقة العراقيين باحزابهم.
  3. اضعاف ايمان المواطن بقضية الحرية والديمقراطية. فهي انتجت بعض الشخصيات التي اساءت الدولة او المواقع التابعة للحكومة، واشاعة الفساد واضعاف الثقة بالمؤسسات الامنية والعسكرية.

وعن الاشاعة ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن القول انه بات واضحا ان انتشار الاشاعات الالكترونية بصورة واسعة في المجتمعات هو احدى سمات عصر الثورة التكنولوجية وابتكار التقنيات الاتصالية الحديثة، لان كل شيء يدور في هذا العالم الافتراضي يتم التعامل معه على اساس انه معلومة بغض النظر عن صحته او خطئه،وإذا كانت مفيدة او غير ذلك. كما ان المعلومة لم يعد انتاجها حكرا على جهة معينة او شخص محدد يمتهن انتاج المعلومات كالصحفيين او المؤسسات الاعلامية وفقا لمعايير محددة، فقد اصبح بإمكان اي شخص يمتلك الوسيلة المناسبة وبعض المهارات التقنية ان يكون بنفسه منتجا وناشراً للمعلومة, ولهذا نلاحظ ان مشكلة شديدة التعقيد ظهرت حين اصبح من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات ان يميز الصحيح من الخاطيء والجيد من الرديء والحقيقة من الاشاعة.

لذا وجب علينا إذا ما سمعنا شائعة ان لا نقوم بنشرها بل نحاول التثبت منها. ومن هنا تبرز أهمية  الإعلام في ممارسة دوره من خلال التثبت من المعلومات قبل بثها للرأي العام، وإذا لزم الأمر اطلاع الرأي العام على وقوع حالات او حوادث معينة لم يستكمل التحقق فيها، بالإشارة الى ان الخبر لا زال جاري التحقق منه. إضافة الى عدم تضخيم الأخبار لدرجة الإخلال بالمصداقية والتأكيد على استقاء المعلومات من مصادرها  الرسمية والحقيقية. ولابد لوسائل الإعلام من ان يكون لها دور توعوي لمحاربة الشائعات من خلال برامجها.