"كوروناوالعنف الأُسري"

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-12-10 17:46:05

 

بقلم د.اثمار شاكر مجيد الشطري

اكاديمية نفسية في جامعة بغداد

 

  العنف الأُسري موجود في كل المجتمعات والأزمات، لكن ترتفع نسبته ويبرز ظهوره عندما تشتد الأزمات والكوارث، وخاصة ما نشهده اليوم من ازمة جائحة كورونا-19 التي اجتاحت العالم. وللعنف عدة أوجه، منها العنف البدني، العنف اللفظي، العنف الاقتصادي، العنف العاطفي. وتتنوع الأساليب المستخدمة في العنف بين الإساءة المعنوية، مثل استخدام الاكراه والتخويف والتهديد وأيضا استخدام السلطة الذكورية على المرأة، وبين العنف اللفظي الذي يعد الأكثر شيوعا وتداولا، وهو من أكثر الأنواع التي يتعرض لها الأفراد، ويتم غالبا تجاهلها لعدم وجود علامات ظاهرة مثل الكدماتواثار الضرب او أي اشكال أخرى يمكن ان يظهرها العنف البدني، وهذا يجعل تحديده، والاعتراف به صعب جدا. ويتمثل ذلك من خلال الاستهزاء بالفرد، او شتمه واهانته والصراخ عليه بصوت عالي، او نعته بأسماء والقاب مشينة، وعادة ما يوجه هذا النوع من العنف الى الأطفال من قبل ذويهم، وهو يؤدي الى اضعاف القدرة الجسدية والعقلية لدى الأبناء بشكل عام ويؤدي بهم الى ما نسميه في علم النفس بالإعاقة النفسية، وزعزعة ثقته بنفسه ويكون أكثر عرضة للإصابة بالكآبة والقلق المفرط والتوتر واقل قدرة على التواصل الاجتماعي، وتضعف المناعة لديه ويكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العضوية. حتى ان منظمة اليونيسف حذرت من انتشار العنف الموجه ضد الأطفال واعتبرت ذهاب الأطفال الى المدارس متسع لتخفيف عبء العنف الذي قد يوجه ضدهم.

السبب في انتشار العنف الاسري الذي نشهده اليوم يعود لسببين، الأول: الظرف الاستثنائي الذي تعيشه الاسر وخاصة تلك التي تسكن في مساحات ضيقة، إضافة لسوء الوضع الاقتصادي الذي قد يؤثر بشكل كبير على الحالة المزاجية والانفعالية للزوج والزوجة وينعكس أيضا على الأولاد. الثاني: عدم معرفة ووعي المتعرضين للعنف بوسائل الاتصال بالجهات المختصة للإبلاغ عن حدوث العنف الاسري.

ان تفعيل دور الجهات المختصة بالحماية من العنف الاسري وما ينتج عنه من انفاذ للقانون، وكذلك الوعي داخل الاسر وتعزيز قدراتهم لحمايتهم من الوقوع أسرى للضغط النفسي الناجم عن تردي الأوضاع بسبب الحجر المنزلي الكلي او الجزئي وتجنب الآثار النفسية الناجمة عن تأثر المصالح الاقتصادية للأسرة، كفيل بالحماية من الوقوع ضحية للعنف الأسري.

وهنا لابد من الإشارة الى أهمية التوعية النفسية التي تتبناها الحكومة من خلال مؤسساتها، وبرامج التوعية التي تتبناها في توعية الاسرة وحمايتها ودورها في تقليل العنف داخل الاسر العراقية.

وقد اكدت الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة من خلال نداء لها وجهته لكل حكومات العالم حول أهمية اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة العنف الاسري الموجه بالأخص ضد النساء والفتيات في ظل جائحة كورونا وتفعيل الخطوط الساخنة. فبحسب احصائيات الأمم المتحدة، مع ازدياد الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن انتشار فايروس كوفيد-19، هناك دول شهدت ازدياد حالة العنف الاسري الموجه ضد النساء خاصة، مثل استراليا ولبنان وماليزيا حيث سجلت اعداد مضاعفة على الخطوط الخاصة بالإبلاغ عن حالات العنف الاسري. وكانت لأستراليا اعلى نسبة تسجيل لحالات الإبلاغ عن العنف الاسري.

والسبب قد يكون ليس لازدياد العنف الاسري في هذه البلدان وانما وعي المواطنين ومعرفتهم بوسائل الإبلاغ عن ذلك العنف وكذلك توفر سبل الإبلاغ عنه.

في العراق شهدنا حالات من العنف الاسري لعوائل عراقية تمثلت بأفعال عنف بشعة أودت بحياة افراد الاسرة كالزوجة والأولاد، قوبل بشجب ورفض واستنكار شعبي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واستنكار وسائل الاعلام كافة، وتدخل حكومي لإنفاذ القانون بحق مرتكبيها.

وهنا لابد من الإشارة الى ضرورة حث البرلمان العراقي للإسراع بتشريع قانون الحماية من العنف الاسري لأنه أصبح حاجة ملحة وضرورية. وأيضا لابد من التأكيد على وسائل الاعلام ضرورة تحشيد برامجها لرفع مستوى الوعي النفسي والاجتماعي خاصة ونحن نتعرض لازمة صحية استثنائية تحتم تحشيد الجهود لرفع مستوى المناعة النفسية لدى المواطنين لمواجهة هذا الوباء وتجنب الوقوع ضحية لآثاره النفسية ومنها العنف الاسري.

وهنا أيضا يأتي دورالشرطة المجتمعية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في توعية الناس بضرورة الإبلاغ عن أي حالة عنف أسرى. والتعاون مع الأجهزة الأمنية والمؤسسات الصحية لنشر الوعي بأهمية تطبيق إجراءات الأمن والسلامة لتفادي انتقال العدوى والاصابة بفايروس كورونا. كما ان هناك ضرورة ملحة لان يأخذ الاخصائيين النفسيين في هذه المرحلة دورهم في تعزيز القدرات النفسية ورفع مستوى الطاقة الإيجابية وقدرة الذات على مواجهة الشدائد والأزمات.

كما ان هناك ضرورة لحث المؤسسات التربوية لتفعيل المنصات التعليمية الالكترونية للمرشدين التربويين للتواصل المستمر مع ذوي الطلبة لرفع مستوى الوعي النفسي والاجتماعي لديهم خلال هذه الفترة خاصة لمساعدة العوائل لتجاوز المواقف التي يمكن ان تتسبب بعنف أسري.