العلاقات القطرية-السعودية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-11-15 10:31:09

 

سارة حسن

قسم الدراسات السياسية

 

المقدمة

ينبغي أن تقوم طبيعة العلاقات بين الدول على أسس واضحة من التعامل، تجسد اهمية ورغبة الدول في بناء علاقات تخدم المصالح العليا للدول، وفق قاعدة الاحترام المتبادل لكافة الدول في المجتمع الدولي، طبقاً للمواثيق العالمية والقانون الذي ينظم مثل هذه العلاقات، وفي هذه الورقة نسلط الضوء على العلاقة بين دولتين عربيتين خليجيتين، تربطهما العديد من العلاقات وهما دولة قطر والمملكة العربية السعودية.

يربط دولة قطر والمملكة العربية السعودية بعلاقات متذبذبة، فتكون جيدة تارة ويسودها التوتر تارة اخرى، بحكم العلاقة الجغرافية بارتباطها بالمملكة العربية السعودية بحدود طولها 60 كيلو متر وتراكم المشاكل بسبب الحدود بين البلدين التي لم تحل لغاية سنة 2001، وترتبط الدولتان بعلاقات اقتصادية كونهما عضوين فعالين في مجلس التعاون الخليجي ومنظمة اوبك، اما على الصعيد الدبلوماسي لتبادل الدولتان التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، وحافظت الدولتان على علاقتهما الودية والجيدة نوعا ما قبل عام 2017. وسنتطرق في هذه الورقة لعدة مواضيع منها نشأة وتاريخ هذه العلاقة، والجانب الاقتصادي والعسكري، واسباب الخلاف بينهما.

 

أولاً: نشأة وتاريخ العلاقات السعودية-القطرية.

مرت العلاقات بين البلدين بمنعطفات كثيرة، وكانت العلاقات قبل القرن العشرين، تكون احياناً بين دولتين لهما سيادة وأحياناً اخرى تكون العلاقة بين تابع ومتبوع، وان تحديد نوع العلاقة متوقف على العائلة التي تكون لها السيادة على قطر في حينه، فعندما كانت السيادة تؤول لبيت ال ثاني تكون العلاقة بين دولة وأخرى، وعندما كانت السيادة تؤول لآل سعود تكون قطر تابعة للسعودية، وفي بعض الاحيان كانت السيادة تؤول لبيت آل خليفة وهي الاسرة الحاكمة في مملكة البحرين حيث كانت السلطة في قطر تنتقل بين هذه الاسر الثلاثة، وبحكم طبيعة المجتمع القطري العشائرية، كانت لبعض العشائر القطرية ولاء للسعودية مما زاد من ضبابية المشهد السيادي للآسرة الحاكمة وفي ظل انشغال المملكة العربية السعودية بالحرب مع الامبراطورية العثمانية ظلت السيادة لآل خليفة لفترة معينة مما زاد من فتور العلاقة بين الدولتين وظلت الاحوال على ماهي عليه لحين حصول دولة قطر على استقلالها واعلانها دولة مستقلة ذات سيادة تحكمها اسرة آل ثاني في عام1971، فيما بعد تطورت العلاقة بين الدولتين لتصل للتمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء ودخولهم في اتفاقيات في مختلف المجالات، ولكل دولة سفارة وتمثيل دبلوماسي، حيث كانت قطر تعتمد نفس المواقف السياسية الخارجية للمملكة العربية السعودية، وكانت لهما نفس الآراء والتوجهات ضد الثورة الاسلامية في ايران وضد الوجود الاسرائيلي في فلسطين حيث لم تعترف كلا الدولتان بوجود الكيان الصهيوني، وتوجستا من الثورة الإيرانية، إذ للدولتان نفس المواقف في العديد من الاحداث في المنطقة كالاحداث التي جرت في البحرين وتغيير الملك في حينه، وسحبهما السفراء من ايران لتؤكدا على نفس التوجهات السياسية.

ولكن هذه العلاقات الطيبة لم تدم طويلاً حيث بدأت بالتزعزع، فمنذ استقلال قطرعام1971 وخروجها من الانتداب البريطاني، عانت عدة أزمات دبلوماسية مع جارتها السعودية، كانت اولها ازمة ترسيم الحدود سنة 1992، بالرغم من توقيع اتفاقية الترسيم عام 1965بين البلدين الا ان الحدود ظلت دون ترسيم، ففي عام 1992 وقع صدام مسلح على الحدود في منطقة تسمى (الخفوس)، قتل على اثرها ضابط سعودي وجنديين قطريين وانتهت بسيطرة السعودية على هذه المنطقة.

وفي العام 1996 أتهمت قطر أفراد من قبيلة بني مرة بدعم محاولة الانقلاب بالتعاون مع الامير خليفة بن حمد ال ثاني مما دفع قطر الى نزع الجنسية عن مئات منهم وطردهم للسعودية.

وفي عام 2002 عندما أرادت الولايات المتحدة الامريكية التخطيط لإسقاط الحكم في العراق طلبت من المملكة العربية السعودية انشاء قاعدة عسكرية تكون انطلاق العمليات منها، ولكن رفض المملكة مما فسح المجال لدولة قطر للتحرك والخروج من الهيمنة السعودية، وكانت الاتفاقية بين الولايات المتحدة الامريكية ودولة قطر بداية لعصر جديد من العلاقات بين قطر والسعودية حيث ضمنت قطر عدم التدخل العسكري لأي دولة بوجود الجيش الامريكي فيها مما اتاح لها حرية التعبير عن مواقفها في مختلف الاصعدة مما ادى الى امتعاظ السعودية من هذه الخطوة  وسحب سفيرها من قطر لمدة معينة.

وفي عام 2010 وعند اندلاع الثورة المصرية وقفت قطر الى جانب المتظاهرين ودعمت هذه الثورة اعلامياً بينما وقفت المملكة العربية السعودية الى جانب حسني مبارك.

وفي عام 2013 بعد الانقلاب في مصر وعزل الرئيس محمد مرسي اجتمع عدد من قيادات الاخوان في الدوحة، وعلى اثرها تم استدعاء الامير تميم بن حمد الى السعودية وإبلاغه بضرورة انتهاج سياسات تتوافق مع مجلس التعاون الخليجي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس.

وفي عام 2014 زادت حدة الازمة بين قطر ودول مجلس التعاون مما دفع كل من السعودية والامارات والبحرين الى سحب سفرائها من الدوحة احتجاجاً على التدخل بالشأن الداخلي لدول مجلس التعاون بحسب تعبير مسؤولي هذه الدول، وكذلك الاحتجاج الاماراتي على استضافة قطر عدداً من اعضاء جمعية الاصلاح الإماراتية المقربة من الإخوان والمحظورة في الامارات.

وفي عام 2017 وبعد استقبال الرئيس الامريكي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، ودعوة المملكة لزعماء بلدان اسلامية وعربية وخليجية لحضور مؤتمر تحت رعايتها يجمعهم بالرئيس ترامب، ومحاولة المملكة تتويج نفسها كزعيم للخليج والمنطقة العربية بمساندة الولايات المتحدة الامريكية، وبعد ايام من هذا المؤتمر نشرت تصريحات منسوبة لأمير قطر ذكر فيها انه لا ينسجم والتوجهات السعودية التي تتحرك باتجاه اقامة نظام اقليمي أمني وعسكري يتحرك ضد ايران، وبالرغم من نفي القطريين صحة هذه التصريحات، ولكن بدعم من الدول المعادية لسياسة ايران في المنطقة، على اثرها قررت المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وفرضها مقاطعة اقتصادية وسياسية عليها.

 

ثانياً: الجانب الاقتصادي في العلاقات السعودية-القطرية.

بحكم الشراكة الحدودية بين البلدين ونمو الصناعات السعودية بمختلف المجالات، كانت قطر من اهم المستوردين للمنتجات السعودية وذلك لقرب المسافة بين البلدين وانتمائهما لمجلس التعاون الخليجي الذي يرتبط اعضاؤه بعلاقات اقتصادية وتجارية وطيدة، إذ توجد العديد من الشركات السعودية العاملة في دولة قطر بمختلف المجالات ويصل التبادل التجاري بين البلدين لمليارات الدولارات لصالح المملكة، وكانت اغلب المواد الغذائية والادوية في الاسواق القطرية هي من صناعة السعودية، وانتعشت العلاقة الاقتصادية بسبب توجيهات قادة الدولتين ودخول الشركات في اتفاقيات واسعة، ولكن بسبب الازمة السياسية التي حصلت في عام 2017، الغيت وعلقت كافة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ومما زاد في تأكيد الغاء هذه الاتفاقيات هو قرار قطر بحظر استيراد كافة المنتجات السعودية وفتح خطوط تجارية مع دول اخرى، والبحث عن بديل للمنتجات السعودية، ولكن هذا القطع بالعلاقات التجارية كان له الاثر السلبي في عدم استقرار التجارة الخارجية القطرية، وغلق الحدود هو من اسباب هذا التدهور الاقتصادي بسبب ان السعودية هي المنفذ البري الوحيد لقطر حيث يتم منه استيراد المواد الانشائية ومواد البناء التي تعول عليها قطر لأحداث نهضة وطفرة نوعية في عدد من القطاعات وتحسين موقع البلاد على الخارطة التنافسية، ومن اثار هذا الحصار هو تراجع الاستثمار الاجنبي واضطرابات مالية كبيرة وخسائر في مختلف القطاعات ومن اهمها قطاع السياحة فبسبب هذا الحصار منعت السعودية ومن معها من الدول مواطنيها من السياحة في قطر ومن العبور من خلالها، ولكن تدارك قطر لهذا الحصار وتوقيع اتفاقيات مع ايران وتركيا قلل من الخسائر التي حصلت في اقتصادها وبدأت تتدارك الوضع الاقتصادي.

 

ثالثاً: الجانب العسكري بالعلاقات السعودية- القطرية .

يرجع تاريخ تأسيس الجيش القطري لعام 1971، ويضم عدة صنوف تمثل القوام الاساسي لهذه القوات، وكان تاريخ تأسيس مثيلتها في المملكة العربية السعودية في عام 1902 وبما ان الدولتين تربطهما عدة عوامل واشتراكهما في مجلس التعاون الخليجي، وبما ان الدولتين تنتميان لمجلس التعاون الخليجي فكانت هناك عدة تفاهمات واتفاقيات عسكرية ما قبل الازمة بينهما، منها اشتراك الدولتان في قوات درع الجزيرة التي دخلت للمملكة البحرينية بطلب من المملكة، وكذلك شاركت في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن الذي يمثل عملية عاصفة الحزم للحرب ضد الحوثيين والذي شاركت فيه قطر بما يقرب 1000 جندي، وكذلك انضمت قطر الى "مؤتمر دول التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي" والذي عقد في الرياض شهر كانون الثاني عام 2017، وكانت قطر تعتمد على المملكة العربية السعودية في الحفاظ على امنها القومي، ولكن تبعات الازمة السياسية آلقت بضلالها على العلاقة العسكرية بين البلدين حيث تم تعليق كافة الاتفاقيات والتفاهمات العسكرية واخرها تعليق السعودية لمشاركة قطر في عملية عاصفة الحزم لتنتهي حقبة من التعاون العسكري بين البلدين.

 

رابعاً:اسباب الخلاف السعودي القطري.

هناك مجموعة من الاسباب التي ادت إلى الخلاف بين البلدين منها:

الاسباب السياسية والجغرافية.

أن الدولتين ترتبطان بشريط حدودي طويل كان سبباً من اسباب النزاعات والخلافات منذ عام 1935، وكانت الخلافات تدور حول النقطة الواجب انتهائها للحدود السعودية من الشريط الحدودي جنوب غرب دولة قطر، واستمرت هذه النزاعات لسنوات عديدة لم تصل التفاهمات السياسية الى اتفاق بين الدولتين يحفظ الحقوق لكلاهما، لغاية 1965 حيث تم التوصل لاتفاقية الرياض والتي تعتبر اول اتفاقية بين البلدين بهذا الصدد، والتي من خلالها تم تحديد الحدود البرية وضم مدينة سلوى للمملكة العربية السعودية وتقسيم خليج سلوى مناصفةً، ولكن هذه الاتفاقية لم تنتهي عندها الخلافات حيث كانت العديد من المشاكل بين البلدين عند الحدود وصلت في بعض الاحيان الى تبادل اطلاق النار، وبعد تبادل الحوارات والاجتماعات وتدخل الوساطات العربية والدولية لحل هذه المشكلة تم التوصل لاتفاق ترسيم الحدود بين البلدين بشكل نهائي في عام 2001، وبموجب هذه الاتفاقية تم انهاء هذا الخلاف الذي دام لسنين عديدة.

اما على المستوى السياسي فقد مرت العلاقة بعدة خلافات كما ذكرنا سابقاً، تتعلق بموضوع خروج قطر من الهيمنة السعودية وبناء كيان سياسي مستقل يتمتع بإرادة قوية بعيداً عن مجلس التعاون الخليجي، وبناء علاقات مع دول عديدة خصوصاً ايران وتركيا، وهذا ما لم ترحب به المملكة العربية السعودية،  وبالرغم من دعم قطر للعديد من القرارات الخليجية والدولية، الا انها خالفت بلدان الجوار والولايات المتحدة في ملفات عديدة منها التعامل مع حماس وحزب الله، وايدت الربيع العربي سنة 2010 وبذلك اختلفت مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقامت بدعم التنظيمات داخل سوريا بالتنسيق مع تركيا.

اما في اليمن فإن السعودية اتهمت القطريين بدعم الحوثيين بالرغم من ان قطر ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وفي مصر فإن قطر دعمت الاخوان المسلمين، وبذلك خالفت المملكة العربية السعودية التي كانت ضد الاخوان في مصر والتي قدمت المعونات للبلاد مما دفع مصر إلى قطع علاقاتها مع قطر.

وفي علاقات قطر مع طهران، فان الرياض وحلفاؤها تحاول اجبار الدوحة على قطع علاقاتها مع طهران، ولكن قطر وبسبب تقاسمها الحدود مع ايران فأنها تحاول الحفاظ على علاقات ودية مع جارتها، وهذا ما جعل السعودية تنتقد الموقف الحيادي الذي تتبعه قطر مع ايران.

الاسباب الدينية.

ان جزء من هذا الصراع بين الدولتين هو صراع مذهبي، يتعلق بالطريقة السلفية التي تتبناها وتدعمها السعودية، بينما تدعم قطر الاخوان المسلمين.

فالسعودية  تتبنى المذهب الحنبلي السلفي وفق تفسيرات محمد بن عبد الوهاب كمذهب رسمي للدولة، ويمثل هذا المذهب اهم الدعامات السياسية في نظام الحكم في السعودية، واهم اسس السياسة الخارجية للمملكة،  وللمملكة مؤسسة دينية وهابية متكاملة متداخلة مع نظام الحكم.

اما قطر تعتبر ثاني دولة بعد السعودية تتبع المذهب الحنبلي بتفسيره الوهابي، ولكن ما يميز قطر عن المملكة العربية السعودية انها استخدمت هذا المذهب لدواعي سياسية بحتة، وعلى هذا الاساس بدأت تتعامل مع المذهب كمنافس سياسي مع السعودية اكثر مما هي قضية اعتقاد ديني، وان قطر تحاول ان تتبنى منهج الاعتدال للمذهب الوهابي الذي يعرف بطبيعته الايديولوجية الميالة للتشدد الذي اولد حركات عنيفة ومتطرفة، وان المذهب يتحرك باتجاهين مختلفين ترعاهما قطر والسعودية، واتجاهات اخرى تتحرك بما يعرف بالسلفية الجهادية والارهابية مثل داعش والقاعدة.

 لكن هناك العلاقة بين قطر والاخوان ترجع الى خمسينيات القرن الماضي، وان لهذا التنظيم اهمية بالنسبة لقطر على الرغم من ان الدولتين تتبنيان المذهب السلفي الا ان قطر لا ترغب يكون المذهب اساس شرعيه النظام، لان ذلك يعني ارتباط قطر مع المملكة السعودية، وبذلك تتحكم المملكة بقطر، ولان التنظيم يوفر أدوات التأثير والانتشار والمواجهة لقطر، وان قطر توفر الاعلام والدعم المالي والحماية للتنظيم، وان قطر هي الداعم الاكبر للاخوان مما يجعلها هي الاقوى في التأثير على النظام.

وفي الختام يمكن الاستنتاج:

ان بقاء العلاقات بين الدولتين متأزمة هو الاكثر ترجيحاً، بسبب ان كلا الدولتين لديها مطالب عدة لعودة العلاقة بينهما، وان السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة ومصر متمسكة في قراراتها تجاه قطر، ومن بين هذه القرارات قطع العلاقات بين قطر وايران، وقطع العلاقات  مع جماعة الاخوان المسلمين وكذلك غلق قناة الجزيرة والتي تعتبر الواجهة الاعلامية لقطر وكذلك من جملة مطالبها اغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وهذا ما ترفضه قطر.

او يمكن ان يطرأ عليها بعض التحسن بعد مبادرة احدى الدول مثل (الكويت او عمان)، وهذا الامر يمكن حدوثه لعدة اسباب كون تلك الدولتان قادتا اكثر من مبادرة للصلح بين (السعودية وقطر)، وايضاً لا زالت قطر ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، وكذلك هناك خطط امريكية بتوحيد صفوف دول مجلس التعاون الخليجي ونبذ الخلافات لمواجهة العدو المشترك ايران حسب تعبير (الولايات المتحدة ).