روسيا الرابح الاكبر من فوز ترامب بولاية رئاسية جديدة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-09-06 11:03:25

 

د. احمد يوسف كيطان/ قسم الدراسات السياسية

في كل نقاش يدور حول انتخابات الرئاسة الامريكية، يثار جدل كبير عن مواقف القوى الاخرى من مرشحيها؛ حلفاءً كانوا ام خصوم، تأييداً ام انتقاداً، مدحاً ام ذماً، وهذا الامر اصبح امراً بديهياً في عالم تداخلت فيه الاحداث بشكل كبير واصبحت تداعياتها تطال بقاع العالم المختلفة، وذلك بفضل العولمة التي جعلت العالم كما يقال اشبه بقرية صغيرة، فكيف الحال بقضية تخص اعلى سلطة في الدولة العظمى الوحيدة والاقوى في العالم، يجري سباق انتخاباتها كل اربع سنوات، فينطلق ماراثونها في الثالث من شهر تشرين الثاني، وتنتهي بتقلد الفائز بها منصب الرئيس في العشرين من كانون الثاني من مطلع السنة التي تليها مباشرةً، بعد فرز الاصوات واعلان النتائج بشكل رسمي.

ومن اهم القضايا التي اصبحت مثار جدل كبير في السنوات الاخيرة هي قضية مزاعم التدخلات الخارجية التي اصبحت الشغل الشاغل للمؤسسات الحكومية والشخصيات الرسمية والحزبية في الولايات المتحدة، منذ انتخابات العام(2016) بعد اتهام دولة بعينها بالتدخل فيها ومحاولة التأثير على خيارات الناخبين الامريكيين لصالح مرشح بعينه، القضية التي ظلت مدار تحقيقات رسمية تولتها اجهزة الاستخبارات والتحقيقات الامريكية المختلفة على مدى الاربع سنوات الماضية، عادت والقت بظلالها من جديد وتصدرت النقاشات العامة وعناوين الصحف وبرامج القنوات الفضائية الامريكية، لا بل واجندات الحملات الانتخابية للمرشحين انفسهم، محذرةً من تدخل محتمل لخصوم الولايات المتحدة في الانتخابات المقبلة وتوظيفه لخدمة هذا الطرف او ذاك.

تقليد تاريخي مستمر

وعلى الرغم من ان قضية التدخل في الانتخابات ليست جديدة، إذ يعود تاريخها الى حقبة الحرب الباردة، وتندرج في اطار المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، إلّا انه على ما يبدو انها لم تنته ولا تزال مستمرة منذ نحو اكثر من سبعين عاماً، ففي عقد التسعينات من القرن الماضي مارست الولايات المتحدة بصورة سرية التأثير على الانتخابات في كل من فرنسا وإيطاليا ودول اخرى منعاً لوصول الشيوعيين إلى السلطة، كما تدخلت في روسيا في انتخابات العام(1996) لضمان انتخاب الرئيس(بوريس يلتسين) مرة اخرى، فأرسلت مستشارين سياسيين ومختصين في العلاقات العامة إلى روسيا لهذا الغرض، كما اعلنت إدارة الرئيس كلينتون موقفها في: "أن يلتسين هو مرشحها المفضل".

روسيا طرفٌ رابح ام متهم

كثيراً ما يتردد السؤال الآتي: ما المنفعة التي ستجنيها روسيا –المتهم الاول بمحاولات التدخل في الانتخابات- من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية ثانية؟ وما الذي جنته اصلاً في ولايته الاولى؟ وهل سيكون فوز ترامب بولاية ثانية بمثابة انتصار يحسب للسياسة الخارجية الروسية؟

في البدء وعند الاجابة عن السؤال، لابد من التعريج على الحقائق الآتية منذ تولي ترامب السلطة في كانون الثاني من العام 2017 ولغاية الوقت الحاضر؛ استمرت ادارة ترامب في تجديد العقوبات على روسيا والتي فرضتها ادارة الديمقراطي اوباما منذ العام(2014) ابان الازمة الاوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وقدمت مساعدات عسكرية للحكومة الأوكرانية التي تخوض حرب بالوكالة(Proxy War) ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في اقليم الدونباس شرق البلاد، كما واصلت وزارة الخزانة الامريكية في عهد ترامب فرض عقوبات صارمة على روسيا بسبب اتهامها بالتدخل في انتخابات الرئاسة الامريكية لعام(2016)، وانضمت الولايات المتحدة إلى حلفائها الاوربيين في طرد عشرات الدبلوماسيين الروس في أعقاب قضية تسميم العميل الروسي السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني(MI6) سيرغي سكريبال في لندن في آذار العام(2018)، وانسحبت رسمياً في آب عام (2019) من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى المعقودة مع روسيا عام(1987)، وهي خطوة أدانها الكرملين، كما تتقاطع مواقف واشنطن مع موسكو في مجموعة من القضايا والأزمات الدولية؛ بدءاً من الصراع في سوريا وانتهاءً بالاضطرابات السياسية في فنزويلا، وتستمر بتحمل تكاليف اي مواجهة محتملة معها.

لكن بالمقابل، كان هناك تصعيد روسي-امريكي في فترة رئاسة (باراك اوباما)، إذ أتهم رئيس الوزراء آنذاك(فلاديمير بوتين) الولايات المتحدة بإثارة الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي أعقبت مزاعم بـ"التزوير على نطاق واسع" في الانتخابات البرلمانية الروسية عام(2011)، كما كان هناك تشدداً واضحاً لوزيرة الخارجية الامريكية آنذاك(هيلاري كلينتون) تجاه روسيا اثار غضب الكرملين في مناسبات عدة، بالنتيجة فإن الروس ينظرون الى المرشح الديمقراطي(جو بايدن) على أنه شخص سيسير على خطى عقيدة السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون وحزبها الديمقراطي.

لذا يعد الرئيس ترامب خياراً أفضل بالنسبة لروسيا من بايدن، لاسيما وان سياسة ترامب الخارجية تنحو باتجاه الانعزالية والتشكيك في نظام التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وترى في ذلك التوجه خدمة كبيرة لأهداف روسيا الاستراتيجية، لاسيما وانها تراهن على الانقسام الغربي في رفع العقوبات الاوروبية المفروضة عليها منذ العام 2014، والتي يعاني اقتصادها منها بشدة وقيدت حركتها الخارجية بشكل واضح، كما تحرص روسيا على تأكيد تفوقها في جوارها القريب والحصول على اعتراف الغرب بمصالحها الجيوسياسية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ومن ناحية اخرى، هناك توجس روسي من الصين التي تفوق قوتها بشكل كبير، وتقلق من تسللها إلى منطقة آسيا الوسطى، وارتياح بالمقابل لسياسة ترامب تجاه الصين التي تستهدف اضعافها اقتصادياً والحد من نفوذها الاقليمي.

بوتين وترامب: تناغم ومكاسب

ذكر تقرير لمركز التقدم الامريكي(Center for American Progress) نشر في العام(2018) ان بوتين حقق نحو(12) مكسباً على صعيد السياسة الخارجية الروسية، بفضل سياسة ترامب الخارجية الداعمة له، وهذه المكاسب هي الآتي:

  1. يسعى بوتين الى إضعاف التحالف عبر المحيط الأطلسي وتقسيمه، وهذا ما تساعد على تحقيقه سياسة ترامب التي قوضت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين ووضعت التزامها تجاه الناتو موضع تساؤل.
  2. يسعى بوتين الى إضعاف الاتحاد الأوروبي وتعزيز الحركات السياسية الموالية لروسيا، وهذا ما يعمل عليه مستفيداً من سياسة ترامب التي تهاجم الاتحاد الأوروبي، وتدعم الأحزاب المناهضة له والمدعومة من الكرملين.
  3. يسعى بوتين الى تعطيل القيادة الأمريكية العالمية والهيمنة على النظام الاقتصادي العالمي، وهذا ما يأمل بتحقيقه من سياسة ترامب التي تدفع باتجاه حرب تجارية شاملة مع أوروبا.
  4. يهدف بوتين الى بناء استياء وانعدام ثقة عالمي تجاه الولايات المتحدة وإذكاء المشاعر المعادية لها، وهذا ما تساعد على تحقيقه سياسة ترامب التي جعلت أقرب حلفاء الولايات المتحدة يتشككون، ولا يثقون بها، بسبب خطاب ترامب وأفعاله.
  5. يهدف بوتين الى تخفيف الضغط الاقتصادي والسياسي المحلي للعقوبات الأمريكية على روسيا، وهذا ما يسعى الى تحقيقه من محاولات ترامب المستمرة التراجع وعرقلة وتقليص حدة وتأثير العقوبات على روسيا في كل مناسبة.
  6. يسعى بوتين الى إضفاء الشرعية على نظامه امام المجتمع الدولي، وهذا ما حققه من امتداح ترامب المتواصل له والدفاع عنه، واضفاء مصداقية الرئاسة الأمريكية إلى مكانة بوتين ونظامه.
  7. يهدف بوتين الى إحياء مكانة روسيا السابقة كقوة عظمى، وكسب اعتراف دولي باستيلائها غير القانوني على شبه جزيرة القرم، وهو ما يصرح به ترامب علناً بأن شبه جزيرة القرم هي جزء من روسيا، ويدعو إلى الترحيب بروسيا واعادتها إلى المجتمع الدولي بدون ان تقدم تنازلات.
  8. يسعى بوتين الى الاستمرار في زرع الفتنة في الديمقراطيات الغربية والحرص في الوقت نفسه على انكار التدخل في الانتخابات الأمريكية والأوروبية، وهذا ما يعززه ترامب من خلال رفضه الاعتراف بالتدخل الروسي، وعدم قيامه بإجراءات تمنع التدخل الخارجي في المستقبل، الامر الذي جعله على خلاف مع مجتمع استخباراته.
  9. يهدف بوتين الى تليين موقف أمريكا العدائي تجاه روسيا، وهذا ما يعمل عليه ترامب من خلال سعيه لتغيير وجهات النظر المتشددة للحزب الجمهوري لأجيال طويلة تجاه روسيا.
  10. يهدف بوتين الى زعزعة استقرار الولايات المتحدة من الداخل، وهذا ما تساعد عليه هجمات ترامب المتكررة على المؤسسات الأمريكية، وتعزيزه السياسات الانقسامية وتقويضه الأعراف الديمقراطية.
  11. يهدف بوتين الى نشر آراء الكرملين حول تشكيل التصورات العالمية، وهذا ما يساعد على تحقيقه ترامب من خلال قيامه مراراً وتكراراً -ولسبب غير مفهوم- بتعزيز آراء الكرملين تجاه مجموعة من القضايا العالمية.
  12. يسعى بوتين الى تقويض الأعراف والقيم الديمقراطية في الخارج، وهذا ما يعززه فشل ترامب في العديد من المناسبات في الرد على انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية في الخارج، وهو ما خلق بيئة أكثر تساهلاً مع الحكام المستبدين وسياساتهم القمعية.

وسواء اتفقنا ام اختلفنا مع الفرضيات والآراء السابقة، فإن اغلب المختصين والباحثين في حقل العلاقات الدولية يرون ان قرارات ترامب في مجال السياسة الخارجية خلال الاربع سنوات الماضية قد خدمت بصورة مباشرة وغير مباشرة أهداف السياسة الخارجية الروسية، وتناقضت في كثير من القضايا مع أولويات حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، بل واضرت في بعض الاحيان بمصالحهم، وهذا ما يفسر تفضيل روسيا تولي ترامب لفترة رئاسية ثانية، وعدم تفضيلها منافسه الديمقراطي جو بايدن بما عرف عنه انتقاداته وتصريحاته العدائية تجاه روسيا -عندما كان نائباً للرئيس- واتهامها باتباع سياسات عدوانية تزعزع الأمن والاستقرار. وبغض النظر عن تفضيل روسيا وغيرها لهذا المرشح او ذاك، فإن من سيحسم الجدل حول الموضوع هي ارادة الناخب الامريكي الذي سيكون له القول الفصل في صناديق الاقتراع يوم الثالث من تشرين الثاني المقبل، مع بقاء فرضيات التدخل الخارجي ومحاولات التأثير على ارادات الشعب الامريكي وخياراته الانتخابية.