انتخابات الرئاسة الامريكية وهواجس التأثيرات الخارجية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-08-31 07:40:55

 

د. احمد يوسف كيطان

القسم السياسي

مع قرب موعد انطلاق سباق الرئاسة الامريكية في الثالث من تشرين الثاني المقبل، تعالت الاصوات هنا وهناك محذرةً من احتمالات سعي دول معينة الى التدخل في الانتخابات، ومحاولة التأثير على خيارات الناخبين الامريكيين في التصويت واختيار مرشحي الرئاسة الامريكية، هذا التأثير يأخذ شكل تنظيم حملات دعم او تسقيط، يستغل ما يوفره الفضاء السيبراني من ادوات جديدة مضافة الى ادوات القوة والتأثير في حقل العلاقات الدولية، حرصت القوى الدولية في السنوات الاخيرة على توظيف تقنياتها في صراعاتها مع بعضها البعض، من خلال شن هجمات الكترونية على اهداف ذات طبيعة استراتيجية او سياسية او عسكرية او غيرها، مستفيدة من الطبيعة غير المتماثلة لهذه الهجمات الالكترونية وانخفاض تكلفتها وصعوبة اكتشاف الجهة التي تقف ورائها.

  • تقارير وتحذيرات

في مطلع العام الماضي، حذرت تقارير مخابراتية امريكية من "سعي خصوم اجانب الى اطلاق عمليات عبر الانترنت للتأثير على انتخابات العام2020، تهدف إلى تقويض ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية والتأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية"، واتهم مسؤولون وخبراء امريكيون كل من (روسيا والصين وايران) بالسعي الى شن حملات الكترونية تستهدف إثارة عواطف الناخبين الامريكيين، بمزيج من ما اسموه "غسيل المعلومات السري وبعض الدعاية الفاسدة"، للتأثير على المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية.

في واقع الامر، تختلف اجندة الدول الثلاث(روسيا والصين وايران) ومواقفها من انتخابات الرئاسة الامريكية 2020، حيث تأمل كل من الصين وايران بهزيمة المرشح الجمهوري (دونالد ترامب) وعدم فوزه بولاية ثانية، وتعوّل بالمقابل على وصول منافسه الديمقراطي(جو بايدن) الى الرئاسة أملاً بإصلاح مسار العلاقات الثنائية التي عملت سياسات ترامب على تخريبها واعادة صياغتها بصورة جديدة، اضرت كثيراً بمصالح الدولتين (الصين وايران) خصوصاً على المستوى الاقتصادي. بالمقابل، تبدو روسيا وكأنها الطرف الاكثر استفادة من فوز الرئيس ترامب وهزيمة الديمقراطيين، لاسيما وان ما حققته من مكاسب على صعيد الملف السوري يعود في جزء مهم منه الى موقف ترامب من الصراع في سوريا، ورغبته في سحب القوات الامريكية منها، وهو ما عزز موقف روسيا في سوريا، وحققت ما حققت من مكاسب وانتصارات، لم تكن لتتمكن من تحقيقها في ظل ادارة امريكية يدير دفتها رئيس من الحزب الديمقراطي.

في وقت سابق من شهر تموز الماضي، حذّر مدير المركز الوطني الامريكي لمكافحة التجسس والأمن(وليام آر إيفانينا)، من تدخلات خارجية محتملة و"نشاط خبيث" لدول معينة في انتخابات الرئاسة المقبلة، وقال في بيان: "نحن مهتمون في المقام الأول بالصين وروسيا وإيران، على الرغم من أن الدول القومية والجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى يمكن أن تضر بالعملية الانتخابية لدينا"، فبالنسبة للصين، نص البيان على انها: "تعمل على توسيع جهود نفوذها قبل الانتخابات، إنهم يستخدمون نفوذهم لتشكيل بيئة السياسة في الولايات المتحدة والضغط على السياسيين الذين يرون انهم مناهضين لمصالح الصين"، وجاء هذا التحذير في خضم توتر استثنائي بين البلدين، بعد أيام قليلة من اتهام الولايات المتحدة اثنين من المتسللين الصينيين (الهاكرز) بسرقة حقوق ملكية فكرية أمريكية، بما في ذلك لجهاز المخابرات المركزية(CIA)، وجرى على اثرها طرد دبلوماسيين صينيين واغلاق قنصليتهم في مدينة هيوستن الامريكية، كما اتهمت الصين بسرقة ابحاث امريكية تتعلق بلقاح فايروس كورونا، وفي السياق نفسه اتهم البيان روسيا بـ: "مواصلة نشر معلومات مضللة في الولايات المتحدة تهدف إلى تقويض الثقة في عمليتنا الديمقراطية"، اما إيران فقد وصفها البيان بأنها: "طرف فاعل ناشئ في التدخل في الانتخابات، تسعى لنشر معلومات مضللة، واشاعة مشاعر مناهضة للولايات المتحدة الامريكية".

  • انتقاد وتشكيك

بالمقابل، وبعد ساعات قليلة، صدر بيان من رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية(نانسي بيلوسي) وعدد من اعضاء مجلسي النواب والشيوخ الديمقراطيين، ينتقد بيان المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن وبيانات الحكومة الاخرى، ويصف ما تضمنته من "أوصاف النشاط الخبيث" بانها "اوصاف عامة ولا معنى لها تقريباً"، وانها "لا تذهب بعيداً بما يكفي في تسليح الشعب الأمريكي بالمعرفة التي يحتاجها حول كيفية سعي القوى الأجنبية الى التأثير على عمليتنا السياسية"، ويعود اصل الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قضية التدخل في الانتخابات الى انتخابات الرئاسة عام(2016)، وفضيحة اختراق البريد الشخصي لمرشحة الرئاسة الديمقراطية(هيلاري كلينتون)، ازدادت هذه الخلافات حدةً وعمقاً بعد اتهام روسيا بالوقوف وراءها والتدخل في الانتخابات لصالح المرشح الجمهوري(دونالد ترمب).

لقد تركزت انتقادات الديمقراطيون بشكل خاص على وصف النشاط الروسي، وهو الموضوع الأكثر حساسية من الناحية السياسية، وذلك بسبب رفض الرئيس ترامب الاعتراف بأفعال روسيا وتدخلها في الانتخابات السابقة، ويرون بأن الاشارة فقط الى "ان روسيا تسعى إلى تشويه سمعة مؤسساتنا الديمقراطية"، هو كلام عام ليس له معنى تقريباً، وهو ما دفع رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الى "حث وليام إيفانينا وآخرين في مجتمع الاستخبارات على أن يكونوا على مستوى اعلى من الصراحة مع الشعب الأمريكي بشأن ما يحدث، وان بيان التحذير أعطى إحساساً زائفاً بالتكافؤ بين ما تفعله روسيا، وما تفعله الصين، وما تفعله إيران"، ويرى الديمقراطيون بأن روسيا قد تشكل التحدي الأكبر والمباشر لانتخابات هذا العام، ويستشهدون بمعلومات من بعض المسؤولين والخبراء، تفيد بأن روسيا وعبر منصات التواصل الاجتماعي قامت بإعادة نشر محتوى مضلل يعود لعام(2016) يتضمن قصص في الصحافة الامريكية، تحاول روسيا تضخيمها وتسليط الضوء عليها بهدف الاساءة الى سمعة نائب الرئيس السابق(جو بايدن).

في السياق ذاته، كشف تقرير شامل لمجلس الشيوخ صدر الاسبوع الماضي، عن تفاصيل مقلقة بوجود شبكة اتصالات واسعة النطاق بين عملاء تابعين للكرملين وأعضاء من حملة ترامب في عام 2016، عندما حاولت روسيا التأثير في الانتخابات لصالح ترامب، وأشار التقرير إلى: "أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد وجّه شخصياً بـعملية الاختراق وحملة التسريب، وذلك بهدف إلحاق الضرر بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون".

ويرى خبراء و باحثون امريكيون، أن مساواة أنشطة روسيا والصين وايران سيكون خطأً وقصر نظر، وانه ليس من الصواب التعامل مع الدول الثلاث على أنها متشابهة وظيفياً؛ فمعظم المعلومات المضللة الصينية تأتي في سياق "دفاعي"، وتركز على القضايا التي تهم الحكومة كقضية التعاطي مع تظاهرات هونغ كونغ، حيث كشفت تقارير عن أن شبكة من الحسابات الصينية المزيفة كانت تنشر مقاطع فيديو تنتقد اغلاق ترامب القنصلية الصينية في هيوستن، وتعامله مع وباء فيروس كورونا وتهديداته بالحظر، وتستخدم تطبيق الوسائط الاجتماعية الشهير(TikTok). وفي حين أن الصين غالبًا ما تستخدم حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المسروقة مع متابعين عشوائيين أو روبوتات ليس لها متابعين على الإطلاق، فإن روسيا تنشئ حسابات تستهدف قضايا معينة تعمل على جذب متابعين حقيقيين، حيث تلعب روسيا دوراً (هجومياً) بالمقارنة مع الصين، وتحاول التأثير في قضايا لا تهم روسيا بصورة مباشرة كقضايا العرق والهجرة والجنس وملكية السلاح، ولكنها تهدف من خلالها إيذاء الغرب، فالحسابات الروسية محترفة ورسائلها مصممة بعناية لجمهور محدد ولها قدرة كبيرة على الانخراط ثقافياً، فبعض المواقع المرتبطة بروسيا مثل(Ruptly) المملوكة لشبكة(RT) الروسية المدعومة من الكرملين، وكذلك وكالة انباء(InfoRos) المرتبطة بوكالة المخابرات الروسية، لعبت دوراً كبيراً في الترويج لروسيا ونشر قصص تحرض على معاداة الولايات المتحدة، كما نشرت مؤخراً مقالات تنتقد بايدن وعملية اختياره لمنصب نائب الرئيس. أما بالنسبة لإيران، فإن نشاطاتها غالباً ما تحاول تقليد روسيا في محاولة تقويض المؤسسات الديمقراطية وترامب، لكن قدراتها لا تزال متواضعة مقارنةً بقدرات روسيا والصين. وتتماشى المعلومات السابقة مع تقييمات اجهزة الاستخبارات الأمريكية.

  • مخاوف من تدخلات اخرى

تبرز قضية خلافية اخرى بين الجمهوريين والديمقراطيين، والسبب هو نفسه "هاجس التدخل في الانتخابات" لكن هذه المرة على الصعيد الداخلي، حيث مرر مجلس النواب الامريكي السبت الماضي مشروع قانون أسماه (قانون التوصيل من أجل أمريكا)، يتضمن تمويلاً لخدمة البريد الوطنية مقداره(25)مليار دولار، في إطار تمويل طارئ لمواجهة آثار فيروس كورونا، سيتعين بموجبه على هيئة البريد الامريكية التعامل مع كل الرسائل الخاصة بعملية الاقتراع باعتبارها من فئة بريد الدرجة الممتازة، وسيكون محظوراً على الهيئة وحتى كانون الثاني(2021) إدخال أي تغييرات على عمليات أو مستويات الخدمة البريدية من شأنها ان تقلل من سرعة أو كفاءة أو موثوقية خدماتها، بما في ذلك إغلاق مكاتب بريد أو تقليص عدد ساعات العمل او وقف العمل بنظام الساعات الاضافية أو إزالة ماكينات الفرز وصناديق البريد، ويعارض الرئيس ترامب بشدة التصويت عبر البريد، ويقول بأنه يريد تقييد عدد الأمريكيين الذين يمكنهم التصويت عن طريقه، بحجة أن ذلك قد يسفر عن عمليات تزوير في الأصوات على نطاق واسع وأنه مليء بالاحتيال، ويصر على أنه إذا خسر، فسيكون نتيجة لفساد غير مسبوق، وهو ما حذر منه ايضاً (وليام إيفانينا) رئيس المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن بالقول: "إن القلق يتمثل في جهود التدخل المحتملة بعد يوم الانتخابات عندما تؤدي زيادة في التصويت بالبريد إلى تأخير اعلان النتيجة النهائية"، وقد هدد ترمب باستخدام حق النقض الرئاسي ضد مشروع القانون، كما أكد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري(ميتش ماكونيل)، إن القانون "قطعاً لن يمرر" في مجلس الشيوخ، والذي يسيطر عليه الجمهوريون.

  • حذر وترقب

مما تقدم، يتضح بأن هناك مخاوف جدية وهواجس قلق من تعرض انتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة الى عمليات تلاعب وتأثير داخلية وخارجية؛ فالبعض يتخوف من تدخلات تقوم بها جهات داخلية تستهدف التلاعب بالنتائج، وهو ما عبر عنه الباحث(بريت شافر) المختص بالمعلومات المضللة في برنامج (التحالف من أجل تأمين الديمقراطية) التابع لصندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، بالقول: "بصراحة أنا قلق أكثر بشأن اللاعبين المحليين هذه المرة"، بينما يتخوف البعض الآخر من تدخلات خارجية تقوم بها دول بعينها عن طريق الفضاء السيبراني وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف الى التأثير على الناخبين الامريكيين بنشر معلومات مضللة او اختراق حسابات بريدية لمرشحين ومسؤولين، وهذا ما أكدته شركة غوغل في حزيران الماضي: "أن قراصنة اجانب حاولوا اختراق حسابات(Gmail) لموظفي حملتي ترامب وبايدن، لكن لم تكن هناك مؤشرات على نجاحهم، وليس من الواضح ما إذا كانت جهودهم تلك مقدمة لإطلاق رسائل بريد إلكتروني تهدف إلى تعطيل الحملة، كما حدث في عام 2016"، فضلاً عن ما صرح به علناً (وليام إيفانينا) مطلع آب ولأول مرة: "ان روسيا تستخدم مجموعة من الإجراءات لتشويه سمعة نائب الرئيس السابق بايدن وما تعتبره مؤسسة مناهضة لروسيا"-في اشارة الى الحزب الديمقراطي.

نختم مقالنا بعبارة للسيناتور الديمقراطي(ريتشارد بلومنتال) في مقاله الافتتاحي في صحيفة الواشنطن بوست مطلع آب الجاري، تفيد بأن: "أضواء التحذير تومض باللون الأحمر؛ انتخابات امريكا تتعرض للهجوم"، “The warning lights are flashing red. America’s elections are under attack”، بانتظار ما سيؤول اليه سباق الرئاسة الامريكية من نتائج، وما سيثار على تلك النتائج من شكوك واتهامات، في ظل المعطيات الآنفة الذكر.