خطاب الكراهية بداية التطرف العنيف

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-08-25 08:06:13

يحظى موضوع خطاب الكراهية, على اهتمام كبير من قبل الامين العام للامم المتحدة (انطونيو غوتيريش) وتجسد ذلك باقرار استراتيجية شاملة لمكافحة خطاب الكراهية. لذا عملت المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان على حشد قوى العالم في مواجهة الكراهية بجميع أنواعها، وقد استعانت في عملها بإجراءات شديدة التنوع قصد الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بسيادة القانون. لانها وجدت في حالة عدم المعالجة سوف تكون هناك انعكاسات خطرة على تماسك المجتمعات المتعايشة في البلد الواحد او في اكثر من بلد من ناحية الاستقرار والسلم المجتمعي, وتكمن خطورة خطاب الكراهية لانه يعتبر الخطوة الاولى باتجاه توليد حالات التطرف والتطرف العنيف في البيئة التي تتوفر لها المقومات والظروف المناسبة لاتساع هذه الافة المجتمعية التي تتحول الى حالة الارهاب بكل يسر وسهولة عند عدم المعالجة. ومن خلال ما ذكرناه اعلاه يمكن تعريف خطاب الكراهية وهو اي نوع من التواصل في الكلام او الكتابة او السلوك الذي يهاجم او يستخدم لغة استصغار او تمييز بالاشارة الى شخص او مجموعة على اساس ديني او عرقي.

ويستخدم خطاب الكراهية كسلاح او ورقة بيد بعض التوجهات السياسية التي تريد الوصول الى منصات السلطة عبر استخدام المجتمعات ذات التعددية فيه, بعد ان يتم التلاعب على جوانب عده منها العرقية والعنصرية وكذلك الطائفية. وينتشر خطاب الكراهية  بشكل سريع في المجتمعات التي تعاني من اهمال او تقصير على اغلب المستويات ومنها (التربوي, الخدمي, الامني, اقتصادي). وايضآ بعض التوجهات الدينية تستخدم وتستغل بعض المنابر الدينية التي تتخفى خلف اقنعة مزيفة بأسم الدين, والغرض منه تجهيل المجتمع وخلق عقل جمعي متطرف يستخدم مفردات الكراهية بالتخاطب للوصول الى اهداف غير انسانية.

وللاسف خطاب الكراهية اصبح شائع ومتداول لدى اغلب الفئات العمرية والشرائح في المجتمع. وهناك مغذيات رئيسية منها (الجماعات الارهابية, بعض التوجهات السياسية, بعض التيارات الدينية) تعد وتهيئ الاجواء الى المجتمعات لاستقبال خطاب الكراهية وعن طريق (وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي, والمنابر الدينية).

ويشكل خطاب الكراهية تهديدات ومخاطر كبرى على القيم الانسانية والمجتمعية بل يهدد كيان الدولة في حالة عدم السيطرة عليه, ويمكن ان يؤدي الى حالات الاقتتال العرقي والطائفي واعمال العنف وتخريب الدولة, ويمكن ان يتمدد على دول اخرى التي تتشابه بذات النسيج المجتمعي.

الامم المتحدة وعن طريق لجنة القضاء على التمييز العنصري اعربت عن قلقها ازاء خطاب الكراهية في العراق الذي رصد من خلال  وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وعن طريق شخصيات عامة بما في ذلك السياسسين, وهناك مشكلة اخرى في العراق وهي والتشريعات القانونية لا تغطي بشكل كافي خطر جرائم الكراهية وخطاب الكراهية وذلك بسبب التباعد السياسي بين المكونات السياسية وعدم وجود الاهتمام والجدية الكافية عند المشرع العراقي.

العراق بعد ان حقق الانتصارات العسكرية على داعش الارهابية بواسطة القوات المسلحة العراقية وتحرير المناطق التي كانت مغتصبة من قبل داعش, اصبح الزامأ على الدولة العراقية ان تشرع القوانين التي تلامس عمق وخطورة المشكلة وان تضع الخطط والبرامج لمكافحة ومنع تفشي خطاب الكراهية. وكي لا يتحول الى حالات من التطرف العنيف, يجب على الدولة بكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية مواجهة خطاب الكراهية والحد منه, ويجب الاسراع بالمعالجة من خلال عدة اجراءات منها:-

  1. تفعيل المواد الدستورية
  • المادة (7): اولآ:- يحضر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي, او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له, وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه, وتحت اي مسمى كان, ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق, وينظم ذلك بقانون.
  • المادة (14) العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او المذهب او المعتقد او الراي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي.
  • المادة (38):  تكفل الدولة, بما لا يخل بالنظام العام والاداب: (اولا) حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
  1. العمل بقانون العقوبات العراقي  لسنة 1969 المادة (372).
  2. فرض سيادة القانون في جميع انحاء العراق.
  3. العمل بقواعد البث الاعلامي لسنة 2019.
  4. رصد خطاب الكراهية من قبل مؤسسات المتخصصة.
  5. السيطرة على منابع ومغذيات خطاب الكراهية.
  6. استحداث مناهج حديثة تحاكي متطلبات المرحلة الراهنة وفق ما تحتاجها المجتمعات وللمكونات العراقية.
  7. الاستمرار بتحديث المناهج التربوية والتعليمة لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف وكذلك مكافحة الارهاب.
  8. النهوض بواقع المدن بطرق عادلة تشمل الجميع دون تمييز.
  9. حماية وصيانة الاقليات في المجتمع العراقي وبشكل عادل ومنصف.
  10. تعزيز دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
  11. تعزيز العلاقة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية.

ان اعاده ترتيب الاولويات بالتسبة للتهديات والمخاطر ومنها خطاب الكراهية, عندها يمكن منع التفاقم والتفشي والسيطرة على تحوله الى ما هو اخطر وخاصة التحريض على التمييز والعدوانية القتل.

العراق رغم الانتصارات والنجاحات  في مجال محاربة ومكافحة الارهاب  الا انه بحاجة الى جهد وطني شامل كفيل بأنقاذ البلد من الكراهية اولا والتطرف ثانيآ والارهاب ثالثآ ويفترض ان يتجلى ذلك باليات عمل حقيقية واعدة ومنها تعزيز (برامج المصالحة الوطنية, قوانين العدالة الانتقالية, برامج الاندماج المجتمعي), كذلك البرامج للمؤسسات الامنية والعسكرية, وهنا اذكر مثالا تجربة الحشد الشعبي الذي اعطى انطباعآ ايجابيآ لمكونات الشعب العراقي بحيث كان المزاج الوطني العام  يشيد بهذه التجربة, رغم حملة الكراهية التي تبنتها جهات اقليمية وسياسية من خلال وسائل الاعلام  بالضد من الحشد الشعبي. وايضآ من الاليات تفعيل المؤسسات التابعة الى الوزارات الخدمية والتربوية والثقافية المعنية بمكافحة خطاب الكراهية وعلى مستوى كافة الوحدات الادارية كي تملاء المساحات التي سبق وان استغلت من قبل الارهاب  والجماعات المتطرفة التي اثارت النعرات الطائفية والقتل على الهوية والدمار والتخريب.

 

 

 

المهندس محمد عبد الكاظم العكيلي

 مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية