الأمن المنشود في مجتمع المُخاطرة العالمي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-07-12 15:19:53

 

اعداد القسم الاجتماعي

 أسماء خيرالله كريم

     تعيش مجتمعاتنا اليوم ما يطلق عليه عالم الاجتماع الألماني أورليش بيك "مجتمع المخاطرة العالمي" حيث يشير مفهوم المخاطرة إلى أحداث يمكن توقعها، كمخاطر التدخين والمرور والبطالة والطاقة النووية والتغير المناخي والإرهاب وكذلك الحرب البيولوجية، اذ ارتبط ظهور مصطلح المخاطرة بعلم الاحتمالات، حيث ان الاحتمالات تقوم على المحاولة في التحكم فيما هو غير متوقع وذلك بحساب إمكانية النجاح والخسارة مع الاخذ بعين الاعتبار المكان والزمان ويمكننا التميز هنا ما بين المخاطرة والخطر اذ ان المخاطرة أَذى محتمل يخيف الفرد ويقوم على قرار اتخذه بنفسه، بالتالي هي عملية حسابية تأخذ بالاعتبار الخسارة والفائدة المُحتملة بالاستناد الى الزمن، أما الخطر فهو الأَذى المحتمل الذي يتعرض له الفرد بفعل عوامل ومؤثرات خارجية، دون تدخله او قرار منه، مثل الكوارث الطبيعية.

     وبالتالي يكون مجتمع المخاطر العالمي كما يراه المفكر الألماني" اورلش بيك " هو المجتمع العالمي الذي اشترك في احتضان المخاطر و الاخطار على حد سواء، بعدما كانت المخاطر و الاخطار لا تتعدى حدود الدولة القومية أصبحت اليوم في عصر العولمة تتخطى الحدود،  لتتدفق في مختلف الاتجاهات، كالإرهاب والحروب البيولوجية وغيرها، ففي عالمنا اليوم يجمع علماء الاجتماع على اننا نعيش مجتمع مخاطرة بحق، حيث يطلق عالم الاجتماع البولندي سيجموند بومان على عالم "ما بعد الحداثة "  صفة السيولة، فالحداثة اليوم هي " الحداثة السائلة " بعدما كانت "حداثة صلبة "، ومن جملة السيولة يذكر بومان "الخوف السائل" ليصف شكل المخاطر في مجتمعاتنا المعولمة، وكيف سيتعدى الخوف حدود الدول القومية ليسيل الى العالم اجمع (الإرهاب تدهور البيئي، الامراض، الحرب النووية. الخ) وسيترتب عنه لا محالة سيلان الخوف، ولن يقتصر ذلك على دول بعينها، اذ سوف يخترق امن الدول شأت ذلك ام ابت.

فمجتمع ما بعد الحداثة كما يراه "أولريش بيك" مجتمع جديد يختلف عن المجتمع الصناعي التقليدي وصفة هذا المجتمع الجديد هي الفوضى، حيث تغيب أنماط الحياة المستقرة "العلاقات الاجتماعية والاسرية " ومعايير السلوك المقبول اجتماعيا اذ ان العلاقات باتت اكثر هشاشة عما كانت عليه ، اذ ضعف الرباط الاجتماعي ، وباتت العلاقات الاجتماعية "علاقات طيارة " تتشكل و تنتهي بسرعة وهي غير محدودة و ثابتة و إنما تتمدد و تتطاير متحدية المكان و الزمان بفضل تكنولوجيا الاتصالات الرقمية .

ورغم المبالغة العلنية والتهويل من شأن المخاطر المصطنعة خاصة في المسارات التي يتجه نحوها العلم، فعلى الرغم من الانتصارات التي يحققها العلم الا انه في الوقت نفسه كانت المجتمعات تدفع ثمن تلك الانتصارات (العلمية خاصة) فبدأت تظهر في الجهة المقابلة إخفاقات مُقَابِل تلك الانتصارات (دمار البيئة والهواء –التهديد بالحروب النووية والبيولوجية) فبات حرّي على المجتمعات في ظل هذه المخاطر الى إخضاع العلم في المجتمعات المتقدمة الى التقييم، ويكون السؤال لماذا ننتج هذا الشيء ؟ او لماذا ندرس هذا؟  بدل كيف ننتتج او ندرس هذا الشيء اي نحدد القيمة من العلم هل هي خيرة ام لا هل هي لصالح الانسان والبشرية ام لا ، فما الفائدة من تطوير فايروس ليصبح فتاك ويقتل الناس؟؟ولابد ان تطرح اسالة في خضم هذه المخاطر لنستطيع تشكيل صورة واضحة للواقع وللمستقبل.

فمن يقرر خطورة أو عدم خطورة المنتوجات و المواد المصنعة والاغذية والأبحاث العلمية وغيرها؟ ومن المسؤول عنها ومن المتضرر؟ ومن الذي يقرر تعويض المتضررين اذ ما حدثة حرب بيولوجية على العالم؟ وهنا لابد من تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لحماية العالم من سطوة المال والاقتصاد والذي يجرانه نحو عالم المخاطرة دون أي تفكير بفداحة الخسائر المحتملة.

ربما ساهمت جائحة فيروس كورونا في كشف المخاطر أكثر فاكثر على مجتمعاتنا، حيث لم نعد نعيش في عالم  يتطلب منا التمييز بين خيارات آمنة وخيارات خطرة، وإنما في عالم يتطلب منا الموازنة بين مخاطر مختلفة و الاختيار بيها، وفي حالة جائحة كوفيد 19، تفاوت الخيارات فهل يتراجع الناس عن مساعدة بعضهم وبين خطر انتقال الفيروس او نقله وهل التباعد الاجتماعي او الاستبعاد الاجتماعي هو الافضل، وقد واجهت دول مختلفة في سياق مكافحة جائحة فيروس كوفيد 19الاختيار الصعب بين الإغلاق وتوقف حركة الاقتصاد، وبين فتح الأسواق مع مخاطر التفشي الفايروس، ما بين الموت جوعا او الموت من جراء الفايروس، هذا هو مجتمع المخاطرة الذي نعيشه اليوم، فلم يعد مفهوم الامن واضحا لدى الناس ولم تعد الخيارات أيضا امنة، حيث انه فعلًا باتت المخاطر المصنّعة خارجة عن سيطرة البشر وتوقعاتها ويقفون امامها عاجزين منتظرين حلول السماء، الا انه وفي ظل هذه الجائحة لابد من عملية إدارة المخاطر وإدارة الازمة، سواءً على المستوى الدولة او الجماعي أو حتى على المستوى الفردي.

فالمخاطرة تلقي بظلالها أيضا على المستوى الفردي في عالم قوامه اللايقين اذ تصبح فاعلية الشخص مرتبطة بالجرأة والعقلانية على الموازنة والإقدام على خيارات تحمل كل منها مخاطرها، ويلاحظ في الحياة اليومية في مجتمع المخاطرة الذي نعيشة اليوم وفي ظل جائحة كوفيد 19 أن هناك نزعة جديدة إلى الفردية، اذ عدم يقين المجتمع الدولي، ومنظمة الصحة العالمية  فيما يخص طبيعة وعلاج هذه الجائحة أصبح الفرد مجبرًا على اتخاذ قراراته في المخاطرة اثناء التعامل مع هذا المرض ضمن الحياة اليومية ، واثناء ممارسة العمل و اثناء تلبية الحاجات الضرورية ضمن قدر من التباعد المكاني ، من اجل تحقيق الامن الفردي والجماعي أيضا باعتبار ان الإصابة لن تقتصر على الفرد وانما تتعدى الى الافراد المحيطين والمعايشين له  رغبات الناس يبحثون عن الأمان المفقود في مجتمع المخاطرة.