ميثولوجيا التطرف العنيف.... ادلجة الوهم وصناعة الموت 

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-05-07 10:14:37

 

                                                الباحث
                                    م.م. محمد عباس اللامي

تشير مفردة الميثولوجيا الى مجموعة من الاساطير الخاصة بالثقافات الخارقة المتعلقة بالشعوب والمجتمعات،  (الميثولوجيا)   MYTHOLOGY تهتم بدراسة وتفسير الأساطير. فالمقطع الأول  MYTHO  ، مأخوذ من الكلمة الإغريقية MYTHO التي تعني حكاية تقليدية عن الآلهة والأبطال، أما المقطع الثاني LOGY  ، يعني علم والتي تستخدم بكثرة في عصرنا الحديث ، كما إن  المصطلح يستخدم ليعني مجموعة الأساطير الخاصة بشعب من الشعوب او بديانة من الديانات .
 فالأسطورة هي تعبيرٌ رمزيٌّ عن علاقة الإنسان بالحياة والكون لذلك استخدمت الأسطورة موضوعاً فكرياً في كل مراحل التاريخ القديم وكانت شاهداً على التقدم الثقافي والفكري للإنسان ، كما أستخدمت وسيطا لنقل المفاهيم والأفكار الأسطورية والعقائد الدينية بين أفراد المجتمع .
       تُعد الأسطورة من أكثر حقول المعرفة غموضا وتعقيدا، ويزداد هذا الغموض في ذهن القارئ المعاصر لشعوره بعدم الانسجام مع أحداثها، أو التأثر بما تنطوي عليه من مضامين فكرية، فأحداث الأساطير وأبطالها من الآلهة وأنصاف الآلهة بعيدة عنه، وكلمة أسطورة تكاد تعني عند اغلب الناس في الوقت الحاضر قصة خيالية تستند الى الأحداث العجيبة التي لا يستسيغها العقل أو يقبل بها المنطق .
جاء تطوُّر الاساطير و الرُمُوز مع بوادر كينونة الإنسان ، واستقراره، واشتراطاته في عمليّة اكتساب المعرفة بشكل تدريجيّ بمعنى أنَّ كلَّ جزء أو شكل منها يختلف عمّا سبقه، فضلاً عن مفهوم التراكميّة في استخدام الرمز التي جعلت منه ظاهرة حياتيّة مُتصاعِدة، ومُستمِرَّة لم تتوقّف أبداً، بل و لن تتوقف على مدى التاريخ، فما دامت هناك حياة اجتماعيّة قائمة على البحثّ والتلقي متعطشة للعثور على الحقيقة، وباحثة عنها بشغف تبقى الرُمُوز في مدلولاتها بمُختلِف ميادين الحياة مُتجلية في هيآتها بوُضُوح، ولاسيَّما أنَّ الرمز وموضوعيته شغلت العديد من الباحثين، والأوساط الثقافيّة؛ لما يحمله من اختزال لعالم الواقع، وتأويلا لحركة التاريخ، وتحوُّلاته بوصفه عصراً مُختزَلاً زمانيّاً ومكانيّاً قائماً على التحوُّل المُتواصِل، والمُستمِرِّ رافضاً التوقف، وقائماً على مُواجَهة كلِّ المُتغيِّرات. فالتغيير الذي يحدث في المُجتمَعات يُنتِج قِيَماً مُتغيِّرة. فالفكر القوميّ -على سبيل المثال- يُنتِج قِيَماً تختلف عن الفكر الرأسماليّ،  وهكذا الفكر الشيوعيّ، والفكر الدينيِّ. لذا تبقى القِيَم هي الثابت في شخصيَّة الإنسان الفرد، والمُجتمَع، والأمة ، وهذه القِيَم يُمكِن إحالة مدلولاتها عبر رُمُوز الدين الفطريِّ ، وقد لا تتبدَّل مفاهيمها الدلاليَّة... بل تتفاوت تبعاً لخُصُوصيَّة الأمم، وتحولاتها وتبعاً لتفاوت اتجاهاتها الفكريَّة، والسياسيَّة .
ظلت المثيولوجيا وثيقة الصلة بالحياة الفعليّة للناس؛  كما يصحُّ هذا حتى على العصر الحديث أيضا ، على الرغم من  التغييرات الكبرى التي أحدثتها التكنولوجيا في الأساليب الحياتيَّة والوظيفيَّة ،ويأتي ذلك نتيجة استذكارها اليوميِّ في الأحاديث، والشعائر الدينيَّة الخاصَّة بالانسان ، وبما تحقق ثباتاً، وتجذرا لرُمُوزها بكلِّ أبعادها التراثيَّة، إذ تستهوي الانسان بكلِّ ما تحمله من دلالات مُتفرِّدة؛ للتعبير عن بساطة التفكير، وبما ترويه قصص الأجيال السابقة فتتواصل تثقيفيّاً ودينيّاً للأجيال اللاحقة.
 عملت التنظيمات الارهابية على استدعاء العديد من القصص والروايات المختلف عليها و التي تحث على الخروج عن قواعد التقاليد والاعراف المحتمعية فضلاً عن القيم الاخرى وأستحضار كل ما يدعو الى الارهاب والتطرف ، فضلا عن  البحث في الثغرات والاخفاقات في التاريخ الاسلامي ، كما تستدعي التنظيمات الارهابية الاساطير أيضا لزرع الخوف والرهبة لدى المتنمين وايهامهم بنيل الجنة ، وتعتمد المنظومة الفكرية والعقائدية للتنظيمات المتشددة على تقديم الأدلة لمناصريها بتبرير أفعال القتل والتهجير وسبي النساء وغيرها من الممارسات المنافية للشرائع الدينية والقوانين الانسانية , فتتم عملية تسويق الأسطرة عبر تقديم المراجع اللازمة لديمومة الفكر الإرهابي ،  وهذه  الاساطير والرُمُوز قد تكون ذات أبعاد وُجُوديَّة كنتيجة للحرمان، أو الكبت الاجتماعيِّ، والسياسيِّ، أو نتيجة للقراءة المُستفِيضة للوعي المُتقدِّم فيتمّ استدعاؤها لغايات مفاهيميَّة مُحدَّدة ، كما أن هناك رُمُوزا وأساطير وقصص وروايات تنبثق لتحمل خصائص تقنيَّة من مهامِّها أن تُعبِّر عن التجربة العقليَّة ، وتتخذ خاصِّيَّة الرُمُوز المنطقيَّة لتداخُل مُعطياتها ضمن مجال لغة العلم، ميثولوجيا التطرف العنيف تتجسد برُمُوز، وشفرات من مهمَّتها أن تخلق عالماً مُتخيَّلاً تُعبِّر من خلاله عن تجربة غير عقليَّة لاستخدامها كبذور سامة للحقول الاجتماعية فتشتعل حرائق التفرقة والتناحر الطائفي , وهذا يعد جزءا من صناعة الوهم الذي يعرف على أنه مجموعة من الافكار والمعتقدات الخاطئة ، التي تسهم في انهيار المنظومة المجتمعية ولاسيما في المناطق التي أحتلتها داعش ، ومن خلال ما تقدم يمكن معالجة هذه الافكار المتطرفة عبر تعزيز المنظومة التعليمية التفاعلية وتنمية قدرات الشباب تحصينا لهم من فتك أساطير الأوهام بعقولهم الغضة عبر تبني استراتيجية التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب  التي أقرها مجلس الامن الوطني في عام 2019  وذلك من خلال خطة عملية تطبق برامجها وتنفذ مساراتها التكاملية سعيا لتجفيف منابع الأساطير التي تصنع أوهاما لاتفضي الا الى الموت والخراب.