وجود القوات الأجنبية (الأمريكية) على الأراضي العربية وأثرها على الأمن العربي

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2020-01-22 06:56:09

المقدمة

1.إن إحدى الخصائص التقليدية لمنطقة الوطن العربي تتمثل في "أهميتها الإستراتيجية" والتي تعود إلى عوامل متعددة أبرزها احتياطيها الضخم من النفط، وتحكمها في خطوط ملاحية دولية رئيسية، وتأثير الصراع العربي الإسرائيلي،  وبؤرة الصراع المزمنة في الخليج على مصالح الأطراف الدولية، وقربها الجغرافي من أوروبا، وأخيرا ما بدأت تفرزه من عناصر ومجموعات متطرفة تشكل تهديد لأمن العديد من دول العالم.

فبعد الحرب الباردة برزت الى السطح حروب جديدة هي الحروب الاقتصادية والتي استخدمت وبشكل خاص من قبل الولايات المتحدة، على نحو أدى إلى تدخلات واسعة من جانبها في تفاعلات المنطقة ،وصل عدد قواعدها الى 800 قاعدة عسكرية في انحاء العالم، وكانت حصة الوطن العربي الحصة الاكبر منها ، حيث  شكل "الوجود الدولي" في الوطن العربي ، وما يمارسه من دور مؤثر واسعة النطاق على التفاعلات  الحاصلة بالمنطقة . والتي اعتبرت سمة لا تختلف كثيرا عما تشهده مناطق أخرى من العالم ، على نحو ما يشير إليه دور الولايات المتحدة الامريكية  في أميركا اللاتينية، وجنوب المحيط الهادئ، وحجم الحضور العسكري الخارجي في جنوب شرق آسيا، والتدخلات الدولية الواسعة في صراعات أفريقيا، وافغانستان، إلا أن ألاوضاع بالوطن العربي أعقد نسبيا من الحالات في تلك المناطق، إذ إن "الدور الهام للاعبين من خارج المنطقة، يبدو وكأنه جزء من مفهوم الشرق الأوسط، فمواقف الدول الكبرى تمارس تأثيرات خاصة على التفاعلات الرئيسية في المنطقة، وكأنها واحدة من أطرافه بالمعنى الجغرافي.  ويستند ذلك عمليا -من الناحية العسكرية- على عدة أسس، أهمها:

أولاً: ارتباطات دفاعية متطورة بين عدد من دول الإقليم ومعظم القوى الكبرى في العالم، تضمنت في بعض الأحوال تحالفات إستراتيجية وتفاهمات نووية. 

ثانياً: وجود قواعد وتسهيلات عسكرية مكثفة لبعض الدول الكبرى داخل وحول النطاق الجغرافي للمنطقة.

 وثالثاً: وجود تحركات وتحركات مكثفة لوحدات عسكرية بحرية تابعة لمعظم الدول الكبرى في المياه الدولية بالشرق الأوسط.

الغاية

2. دراسة وتحليل تواجد القوات الأجنبية على الأراضي العربية (مع التركيز الخاص على القوات الأمريكية)  وأثرها على الأمن العربي.

أمريكيا وتغيير مفهوم "التسهيلات العسكرية" إلى "الوجود العسكري"

3. ظل هناك دائما فارق كبير بين حجم ونوعية الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومثيلاته بالنسبة لكل القوى الكبرى الأخرى منذ بداية التسعينيات على الأقل.  فقد أصبحت القوات الأميركية تمثل مركز الثقل العسكري الخارجي في المنطقة، بعد أن تم سحب القوات السوفيتية، وإغلاق قواعدها العسكرية في المنطقة ، وتقلص وجود روسيا الاتحادية إلى مستوى المستشارين العسكريين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، مع محدودية حجم وتسليح وانتشار قوات بريطانيا المتحالفة تقليديا مع الولايات المتحدة، وفرنسا شريك الناتو المزعج بالنسبة لها. فالقوات الأميركية تتمتع بشبكة واسعة من التسهيلات العسكرية التي تتيح لها الحضور أو التحرك بشكل ما في أراضي وأجواء ومياه كل دول الوطن العربي  تقريبا باستثناء ليبيا وإيران،  فوفقا للبيانات الأميركية -كما سيتضح في النقاط التالية- تتضمن خريطة تمركز أو تحرك الوحدات العسكرية التابعة "للقيادة المركزية" ما يزيد عن 63 موقعا عسكريا في 11 دولة من دول ما يسمى أميركيا الشرق الأدنى في منطقتي الخليج و"المركز" التي تضم دول دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي، والقرن الأفريقي، تضاف إليها التسهيلات واسعة النطاق الممنوحة لتلك القوات على مسرح شمال أفريقيا في تونس والمغرب والجزائر، وكذلك الحضور المكثف لوحدات كبيرة منها في وسط وجنوب آسيا حول وداخل أفغانستان. فمجال عمل تلك القيادة يشمل 25 دولة تقع على المساحة الممتدة بين باكستان شرقا والمغرب غربا.

هذه التسهيلات أصبحت بمرور الوقت القواعد العسكرية الرئيسية، فقد كانت "التسهيلات العسكرية" المؤقتة أو المحدودة هي التي تمثل الشكل الرئيسي للوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط حتى العام 1990، إذ لم تكن هناك "قواعد عسكرية" على غرار القواعد الأميركية في ألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية ، أو ما كان قائما بالمنطقة نفسها خلال حقبة الاستعمار (الحبانية في العراق، عدن في اليمن، هويلس في ليبيا)، بحيث كان على وزارة الدفاع الأميركية خلال أزمة الخليج (1990) أن تعمل بكل طاقات النقل الإستراتيجية المتاحة لها عسكريا ومدنيا، لمدة ستة أشهر، لكي تتمكن من نقل حوالي 370 ألف جندي إلى الخليج، في إطار ما عرف وقتها باسم عملية درع الصحراء، وهو ما لم تعد بحاجة إليه في المرحلة الحالية بعد تامين قواعد دائمة في منطقة الخليج والوطن العربي .

تداعيات وتحولات

4. لقد أدت تداعيات حرب الخليج الثانية عام 1991، والمدة  التالية لها بما فيها مرحلة احتلال العراق إلى تحول كبير في شكل الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج تحديدا، في اتجاهين:

أ.الأول: اتساع نطاق التسهيلات العسكرية المقدمة للقوات الأميركية في قواعد ومحطات وموانئ ومطارات ومعسكرات ومراكز الغالبية العظمى من دول المنطقة ذات العلاقة بالولايات المتحدة، أو حتى بعض الدول التي لا يبدو أنه تربطها علاقات سياسية قوية بها، وتتضمن تلك التسهيلات حق استخدام المجال الجوي وزيارة الموانئ واستخدام المطارات العسكرية وعمليات النقل الجوي والانتشار المتقدم وخدمات الوقود والصيانة وتخزين الأسلحة إضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة.

ب.الثاني: تزايد عدد القواعد العسكرية الرئيسية بشكل غير مسبوق، ليصل إلى خمس قواعد عسكرية في دول الخليج وحدها عدا القواعد المشتركة مع القوات العراقية .  وتأتى أهمية تلك القواعد من أنها تشكل مراكز عمليات عسكرية رئيسية شبه متكاملة، تتمتع باستقلالية نسبية، وقدرة عامة على دعم عمليات قتال جوية أو برية أو بحرية او القتالات الخاصة، سواء من خلال تمركز عناصر من تلك القوات فعليا فيها، أو تجهيز القاعدة لانتشارها وقت الحاجة، وتتم إدارتها بموجب اتفاقات عسكرية مع الدول المضيفة لها.  ويمكن ذلك القوات الأميركية من إدارة عمليات عسكرية رئيسية بشكل سريع في اتجاهات مختلفة دون حاجة لخطط حشد القوات بشكل مدبر، أو إتمام ذلك الحشد بشكل سريع من مبدأ الكلفة والتاثير .

الشبكة العسكرية الأميركية في الوطن العربي

5. تنتشر القواعد العسكرية من حيث التسهيلات/الوجود العسكري الأميركي وعناصر القوات الدولية  على الأراضي العربية وعلى النحو التالي:

أ. البحرين: تتمتع القوات الأميركية بوجود عسكري قوي فيها، فهناك تسهيلات عسكرية مختلفة في ميناء سلمان ومطار المحرق وقاعدة الشيخ عيسى الجوية، لكن قاعدة الجفير العسكرية القريبة من المنامة، تمثل واحدة من أهم القواعد العسكرية في الخليج، فتضم مركز قيادة الأسطول الخامس الأميركي، والقوات الخاصة.  

ب. الكويت: تتمركز عناصر مختلفة من القوات الأميركية في كل المواقع العسكرية الكويتية الرئيسية تقريبا، حيث تعمل بصورة مشتركة مع جيش الكويت، في قاعدة أحمد الجابر الجوية ومعسكر الدوحة وجزيرة فيلكا ومطار الكويت الجوي وميناء الأحمدي، لكن أهم المواقع العسكرية الأميركية توجد في قاعدة علي السالم ومعسكر أريفجان، حيث تتمركز فيها قوة جوية وبرية أمريكية رئيسية.

جـ .الأردن: توجد علاقات عسكرية مفتوحة بين الأردن والولايات المتحدة تتيح وجودا عسكريا أميركيا قويا وقت الضرورة. ويشكل خاص قاعدة الرويشد وقاعدة وادي المربع     حيث تجرى بانتظام تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين .

د. قطر: أصبح الوجود العسكري الأميركي في قطر يتسم بالقوة مؤخراً، فقد كانت التسهيلات العسكرية الأميركية تتركز في وجود مخازن أسلحة ومعدات لتشكيل عسكري بحجم لواء وتسهيلات مختلفة في معسكر السيلية ومطار الدوحة ومنطقة أم سعيد.  لكن قاعدة العديد العسكرية تحولت إلى واحدة من أهم القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، خاصة بعد نقل مقر القيادة المركزية من فلوريدا إليها.

هـ.السعودية: كانت التسهيلات العسكرية السعودية -ولا تزال على بعض المستويات- تمثل أقوى مواقع وجود للقوات الأميركية في الخليج منذ العام 1990، فهناك تسهيلات عسكرية مختلفة لعناصر متعددة من القوات الأميركية في الدمام والهفوف والخبر وتبوك وينبع وقاعدة الملك عبد العزيز بالظهران وقاعدة الملك فهد البحرية بجدة وقاعدة الملك خالد الجوية بأبها، وقاعدة الرياض العسكرية، وقاعدة الطائف العسكرية، لكن قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب الرياض هي أقوى مواقع الوجود العسكري الأميركي في السعودية.

و.عمان: أصبحت عمان واحدة من أكثر مواقع الوجود العسكري في المنطقة فعالية، خاصة بعد مشاركة القوات الأميركية والبريطانية الموجودة فيها في حرب أفغانستان.  وتتركز التسهيلات العسكرية الممنوحة للولايات المتحدة في ميناء قابوس بمسقط وميناء صلالة ومطار السيب الدولي.  وتتعدد المواقع العسكرية الرئيسية التي تتواجد بها القوات الأميركية في عمان، فهناك عناصر رئيسية تابعة للقوات الجوية في قاعدة المثنى الجوية وقاعدة تيمور الجوية، وتمثل قاعدة مصيرة العسكرية واحدة من أقوى مواقع التمركز العسكري الأميركي-البريطاني في الخليج.   

ز.الإمارات العربية: تتمتع القوات الأميركية بتسهيلات عسكرية مختلفة في عدد من المواقع الإماراتية، كقاعدة الظافرة الجوية بأبو ظبي ومطار الفجيرة الدولي، وعدد من الموانئ البحرية كميناء زايد ومينائي رشيد وجبل علي بدبي وميناء الفجيرة.

ح. اليمن: تتمتع الوحدات العسكرية الأميركية بتسهيلات مختلفة في اليمن، اتسع نطاقها في إطار الحملة الأميركية ضد الإرهاب لتشمل عناصر مختلفة للدعم والتدريب خاصة بالساحة اليمنية نفسها، لكن التسهيلات العسكرية التقليدية في اليمن كانت تتركز عادة في ميناء عدن ذي الموقع الإستراتيجي، الذي يعتبر محطة رئيسية لخدمات الوقود والصيانة الخاصة بالوحدات البحرية الأميركية، والذي شهد واقعة استهداف المدمرة يو إس إس كول في تشرين الأول 2000.

ط. مصر: ترتبط مصر بعلاقات عسكرية قوية متعددة المستويات مع الولايات المتحدة، تتخذ شكل تعاون تسليحي ومساعدات عسكرية وتدريبات مشتركة.  وتشمل التسهيلات العسكرية المقدمة إلى الولايات المتحدة في مصر، تسهيلات للقوات البحرية في الموانئ مثل بورسعيد والسويس والغردقة والتي تكتسب أهميتها في ظل المرور المكثف بقناة السويس، وتسهيلات خاصة بعمليات تدريب النجم الساطع الدورية المشتركة التي أصبحت متعددة الأطراف في بعض المواقع العسكرية في الساحل الشمالي. لكن أهم التسهيلات المقدمة للقوات الجوية الأميركية في مصر توجد في قاعدة غرب القاهرة الجوية.

ي. العراق : يرتبط العراق مع الولايات المتحدة الامريكية باتفاقية الاستراتيجية بالتعاون العسكري كما ان العراق مشترك مع قوات تحالف الدولية لمقاتلة الارهاب والذي تقودة القوات الامريكية ويستضيف هذه القوات في 12 قاعدة عسكرية عراقية هي عين الاسد وبلد والتاجي وبسماية ورينج وحرير والحبانية وسنجار وسد الموصل والقيارة واتروش والتون كبري حيث تقدم الاسناد القتالي واللوجستي والجوي للقوات العراقية .

ك. سوريا : توجد القوات الامريكية في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في ميلان وتل بيدر الحسكة الشدادي والتنف وهذه القاعدة تقع على الحدود العراقية السورية الاردنية وهي الاكبر في سوريا .

ل. المغرب : يوجد في المغرب عدة من القواعد العسكرية الجوية تستخدمها الولايات المتحدة لاهدافها الخاصة في الطوارئ في افريقيا والشرق الاوسط .

س. جيبوتي : يعتبر معسكر ليمونيه مقر العمل للقوات المشتركة في القرن الافريقي حيث يقوم بعملية المراقبة للسودان والصومال وجيبوتي وكينيا بالاضافة الى اليمن والشرق الاوسط .

 

الطوق العسكري الأميركي حول المنطقة

6. في هذا الاتجاه فإن الوجود العسكري الأميركي تحديدا، يمثل أحد الملامح الأساسية التي تشكل واقع الشرق الأوسط، كعنصر فاعل من عناصر المعادلات الإستراتيجية الحاكمة لتفاعلاته.  لكن ذلك لا يوضح الصورة تماما، فهناك طوق من القواعد العسكرية الرئيسية الأميركية والبريطانية والفرنسية تحيط بالشرق الأوسط بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام .  وتأتي أهمية القواعد العسكرية الأميركية المحيطة بالمنطقة مثل دييجو جارسيا، وقواعد شمال المتوسط، وحتى بريطانيا، مما تمثله من دعم قريب للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها تمثل القواعد الرئيسية لانطلاق القاذفات الأميركية الثقيلة من طراز بي 52 في اتجاه مسرح عمليات الشرق الأوسط، على الرغم من أن التطويرات التي تم إدخالها على ممرات الإقلاع في بعض القواعد العسكرية الأميركية داخل المنطقة أصبحت تتيح القيام بذلك من داخل الإقليم العربي .

لكن الأهم هو أن حجم الوجود العسكري الدولي الفعلي داخل مساحة الشرق الأوسط أكبر مما تشير إليه كل المعلومات المتاحة ، بفعل وجود أساطيل حربية ضخمة تابعة لعدد من الدول الكبرى، تتمركز بشكل شبه دائم في المياه الدولية المحيطة بالمنطقة، أو الداخلة فيها، وتستخدم القواعد والتسهيلات العسكرية المنتشرة في كل دول المنطقة تقريبا.  ويمكن نشر وحداتها البرية والجوية في أقاليم المنطقة وقت الضرورة تبعاً لأهداف وجودها، كالأسطول السادس الأميركي في البحر المتوسط، والقوات البحرية الفرنسية في مياه المتوسط.  وكذلك وحدات الأسطول السابع الأميركي التي تتمركز في المحيط الهندي وبحر العرب الذي تعتمد القيادة المركزية على وحداته، إضافة للتشكيلات البحرية الفرنسية في المحيط الهندي التي تنطلق من القاعدة البحرية الفرنسية في جيبوتي، وقوة "العملية أرميلا" البريطانية في المحيط الهندي، ووحدات بحرية تابعة لتلك التشكيلات تعمل في البحر الأحمر.

حيث تحمل تلك القوات ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية، تتضمن ذخائر ذكية وذخائر شديدة التدمير، تمكنها من إدارة عملية عسكرية كبيرة في ظل سيطرة جوية كاملة تقريبا.  لكن كان هناك جدل دائما حول ما إذا كانت تلك القوات تحمل أسلحة نووية أم لا، ففي ظل عدم توفر معلومات محددة بهذا الشأن، يتم التركيز عادة على قدرة تلك السفن أو الطائرات، من الناحية الفنية، على حمل أسلحة نووية، وليس على ما إذا كانت تحملها بالفعل ام لا .

 

 

مشكلات الوجود العسكري

7. واجه الوجود العسكري الدولي في الوطن العربي مشكلات كثيرة،لانه يستند على أرضية مهتزة نسبيا على المستوى الشعبي، فالتيارات السياسية القومية واليسارية والدينية السائدة في المنطقة تنظر إليه على أنه "وجود أجنبي" يفرز تداعيات خطرة على الامن والسلم الدولي عموما، وعلى الامن القومي العربي خصوصا ، بما يحدثه من انقسامات بين العرب، وتهديده للأمة العربية، وإحكام قبضته على مواردها (النفطية ،والبشرية )، وبما يمكن أن يؤدي إليه من ربط  "الأمن القومي" بأمن دول أخرى، والسيطرة على تحديث التسليح العربي، إضافة إلى إضعاف الأمة العربية باستهداف وحصار بعض دولها، وضمان اختلال الموازين العسكرية لصالح إسرائيل.  فرؤية التيارات القومية ترى تبعا للتوجهات المرتبطة بها.انعكاسات ثقافية وسياسية وأمنية عديدة، تحمل عادة نوعا من العداء أو التوجس إزاء القوى الغربية عموما، والوجود العسكري الأميركي تحديدا.  أما التيارات الدينية فإن تصوراتها بشأن تأثيرات "الوجود الأجنبي" في المنطقة قد تحولت إلى توجهات مسلحة عنيفة ضد الوحدات العسكرية الأميركية مما يزيد من التطرف الفكري والايديولوجي. لذا فان التعامل مع هذا الوجود يصبح صعب التحليل من منظور قيمي بمنطق أنها مسألة سلبية أو إيجابية، رغم أن التيار السائد بالمنطقة يتعامل معها غالبا بهذه الصورة، فما يثار عادة هو أن آثاره السلبية تفوق بكثير الآثار الإيجابية، بل إن الشعار الأساسي الذي رفعه تنظيم القاعدة ومن بعده داعش  كدافع لاستهداف الولايات المتحدة هو "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، لكن معظم المحللين يرون أنه "لا يمكن المحافظة على امن الخليج العربي بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام دون انخراط الغرب، من الحفاظ على امن المنطقة  والذي يؤطر على أسس تعاقدية ترتبط بمصالح أمنية أو سياسية مشتركة للحفاظ على السلم الدولي .

وهنا تظهر مشكلة  المستويات المتفاوتة للعداء  والحساسية  المزمنة بين بعض دول الشرق الأوسط وبعض القوى الكبرى التي تتواجد قوات لها في المنطقة، خاصة الولايات المتحدة . التي سمحت لها بالتواجد والتي كانت تحصيل حاصل لمشاكل الماضي ومشكلات الحاضر وصولا إلى الفترة الوجود عدائيات مستحكمة بين كل من العراق وإيران وليبيا مع الولايات المتحدة ثم بريطانيا كان أسوأ نتائجها احتلال العراق، إضافة إلى الوضع في ليبيا و العلاقات المتوترة مع كل من سوريا والسودان ولبنان .

 أن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، الذي يتضمن وجود قواعد عسكرية رئيسية يمثل أحد المعطيات الأساسية في معادلات الأمن الإقليمية، ويتيح للولايات المتحدة حرية حركة واسعة في مواجهة ما تعتبره مصادر تهديد لأمنها القومي، وتحكم واسع النطاق في اتجاه التفاعلات السياسية بالمنطقة، لكنه يواجه تحديات ذات أهمية خاصة تتصل بمواقف بعض الدول والتيارات السياسية في مواجهته، ويتصاعد التوجهان (الوجود والعداء) معا في الوقت الحالي.

وهنا نصل الى ان المشكلات سوف تسبب ما يلي :

   أ.ان استمرار بقاء القوات الأجنبية والأمريكية في المنطقة العربية له أثر سلبي على      القرار الوطني وسيادة الدول في المنطقة العربية.

   ب.  هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، واستغلال منطقة الشرق الأوسط     والأراضي العربي في خدمة مصالحها الضيقة.

   جـ.انعدام التنسيق العربي انعكس بصورة مباشرة على دور مؤسسات العمل العربي المشترك، فأصبحت جامعة الدول العربية على سبيل المثال عاجزة تماما عن خلق حلول عربية-  عربية للأزمات الإقليمية الأمر الذي فتح الباب أما القوات الأجنبية للتدخل في الشؤون العربية.

   د.وجود حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، واختلاف الأنظمة العربية في قرآءة تطورات الأجندة الدولية في كثير من الملفات وبالأخص عملية السلام.

    هـ. تنامي مشاعر الطائفية والإقليمية الضيقة في الدول العربية مما يؤدي الى زيادة التطرف المؤدي الى الارهاب ونشوء تنظيمات الارهاب .

    و.  اعتماد الدول العربية على مصادر التسليح الأجنبية، وخصوصا من الولايات      المتحدة، الأمر الذي يضيق الخناق على حرية القرار العربي ومحدودية الخيارات المتاحة امامه إبان أية أزمة بالمنطقة.

ولمعالجة هذه المشكلات ينبغي العمل بما يلي :

أ  .التأكيد على أهمية وضع إستراتيجية ذات جدول زمني واضح للتخلص من التواجد الأجنبي بطريقة مدروسة وغير انفعالية، لكون استمرار بقاء هذه القوات سيكون له أثر سلبي على القرار الوطني وسيادة الدول في المنطقة العربية وبالتالي يحد من التطرف .

ب. إعادة تنظيم علاقات الدول العربية مع بعضها على أساس المصالح الوطنية.

جـ. إقامة علاقات تعاون مع التكتلات الدولية التي يتوقع أن تكون في المستقبل منافسة للولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي وخاصة الناتو، والاتحاد الروسي، والدول الآسيوية الكبرى مثل الصين وكوريا الشمالية. 

د. العمل على تفعيل دور جامعة الدول العربية من خلال تفعيل مؤسساتها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، ودعم تنفيذ التعديلات الأخيرة في ميثاق الجامعة وتفعيل ما أقرته قمة الخرطوم.

هـ. العمل على بذل جهود سياسية نحو تسوية كافة المنازعات الحدودية بين الدول العربية وخاصة دول الخليج لمنع دخول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار لما لذلك من خطر على الأمن الوطني لهذه الدول .

 و. ترسيخ السلام ومفهومه ومرتكزاته ولعب دور فاعل على الساحة الإقليمية والدولية لإفهام كافة الأطراف أن السلام والتفاهم بين الشعوب هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن والتطور والحياة الكريمة لكافة شعوب المنطقة.

ح. استغلال سياسة الاعتدال والوسطية لخدمة القضايا الوطنية والقومية.

ط. السعي للتحرر من ظاهرة المكونات والتجزئة بكل أشكالها، كالمشاعر الطائفية والنزعات القبلية والعشائرية والإقليمية، وتنمية الوعي والانتماء الوطني.

ك. السعي لتشكيل قوة عربية مشتركة مع تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك. 

ل. العمل على تحقيق الاكتفاء العسكري، بوضع إستراتيجية للتسلح تقوم على البدء بإنتاج الأسلحة والأعتدة والذخائر الحربية التقليدية، وإنشاء تكتل الصناعات العسكرية العربية التي لا بد أن تؤدي بالتالي إلى وحدة الصناعات الحربية بين معظم الدول العربية أو كلها، واعتماد سياسة الحصول على حق تصنيف مختلف الأسلحة واحتياجاتها من ذخائر ومعدات تقليدية من دول مختلفة كذلك، والسعي للحصول على حق تصنيع الأسلحة المختلفة. مع تنويع مصادر التسلح، ما أمكن .     

م.استثمار الموارد البشرية المدربة في الخارج من المستمرين في الخدمة والمتقاعدين      وتشكيل بعثات التدريب بدلا من الاعتماد على بعثات التدريب الاجنبية واسقاط الحجة لبقاء المستشارين والمدربين الاجانب للمستويات الثلاث مع الابقاء على المدربين بالمجال  التقني والتكنلوجي .

ن. ان التحديات والمخاطر التي تواجه منطقتنا العربية تحتاج الى دراسة معمقة مبنية على ركائز علمية وميدانية بعيدة عن العواطف لعملية اخراج او تحييد تواجد القوات الدولية كما نحتاج الى القرار الشجاع من قبل متخذي القرار والجنوح الى القنوات الدبلوماسية لصناعة الامن العربي وتوازن القوى في المنطقة وافضل الحلول هو التحالفات الاقليمية والدولية لينعم الشعب العربي بالاسقرار والانتعاش الاقتصادي . 

       

 

 

الاستنتاجات

8.مما تقدم نستنتج ما يلي :

        أ. شكل "الوجود العسكري" في الشرق الأوسط، تأثيرات واسعة النطاق على        التفاعلات الداخلية والخارجية في المنطقة.

ب. تطور مفهوم "التسهيلات العسكرية" المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إلى مفهوم "الوجود العسكري" لخدمة مصالح الدول الأجنبية، وتمثل ذلك بوجود عدد كبير من القواعد العسكرية الرئيسية بالمنطقة .

        جـ. أدت تداعيات حرب الخليج الثانية عام 1991، والحقبة  التالية لها بما فيها   مرحلة احتلال العراق إلى تحول كبير في شكل الوجود العسكري الأميركي في الشرق   الأوسط، ومنطقة الخليج تحديدا.

        د. أصبح الوجود العسكري الأميركي تحديدا، يمثل أحد الملامح الأساسية التي    تشكل واقع الشرق الأوسط، كعنصر فاعل من عناصر المعادلات الإستراتيجية       الحاكمة لتفاعلاته.

    هـ. إن "الوجود الأجنبي" كما هو الحال في الوقت الحاضر صار يفرز تداعيات خطرة على أمن المنطقة عموما، والدول العربية تحديدا، بما يحدثه من انقسامات بين العرب، وتهديده للأمة العربية، وإحكام قبضته على مواردها (النفطية ، البشرية )، وبما يمكن أن يؤدي إليه من ربط  "الأمن القومي العربي" بأمن دول أخرى، والسيطرة على تحديث التسليح العربي، إضافة إلى إضعاف الأمة العربية باستهداف وحصار بعض دولها، وضمان اختلال الموازين العسكرية لصالح إسرائيل.

و. كان "للوجود الأجنبي" تأثيرات أخرى امتدت إلى التيارات الدينية التي رأت بهذا التواجد خطرا فعالجته بمواجهات مسلحة عنيفة مما زاد من التطرف العنفي والفكري .

 

 

 

                                                                   اللواء الركن المتقاعد الدكتور

                                                                      خالد عبد الغفار البياتي

                                                                مركز النهرين للدراسات الاسترايجية

 

قائمة المراجع

 

  1. صلاح الدين كامل مشرف، السلاح النووي الإسرائيلي ومستقبل الأمن العربي، مجلة إستراتيجيا، السنة التاسعة، العدد 98، أبريل 1990.
  2. طه المجذوب، إسرائيل والمشروع الجديد للأمن والدفاع: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة ركيزة جوهرية في النظرية الجديدة ، صحيفة الأهرام، عدد تاريخ 5/3/2000.
  3. المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن، تقرير الميزان العسكري السنوي،  2001-2002.
  4. موقع على الانترنت  www.globalsecurity.org  يقدم رصدا موثقا للتسهيلات العسكرية الأميركية على المستوى الدولي.
  5. طلعت أحمد مسلم، الوجود العسكري الأجنبي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت الطبعة الأولى، 1994.
    مجلس السلام العالمي بالتعاون مع اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح، رسالة السلام، ملحق العدد 11، سبتمبر 1990.
  6. محمد قاسم عبد السلام الوجود العسكري الامريكي في الشرق الاوسط ..لماذا وكيف ،الجزيرة نت 2004
  7. خبرة الباحث العسكرية
  8. Fred Wehling (Editor), Workshop on Arms Control and Security in the Middle East III, IGCC Policy Paper 23, June 1996. P. 6.