رأس المال الاجتماعي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2020-01-13 11:02:06

 د.محمد جبار الكريزي / باحث أكاديمي

[email protected]

     يُعد مفهوم رأس المال الاجتماعي(SOCIAL CAPITAL)، من المفاهيم الاجتماعية المتداولة بشكل واسع بين التخصصات المعرفية كافة، وكل تخصص ينظر اليه من منظوره الخاص، فعلم الاجتماع من جانب القيم الاجتماعية، والإدارة من جانب تنمية قدرات الأفراد والمؤسسات، والسياسية من جانب تعزيز قيم الديمقراطية، والاقتصاد من جانب القيمة التنافسية، وهذا ما يعطي للمفهوم أهمية بين الحقول المعرفية من جهة وتأثيره في الأفراد، والمجتمع، والمؤسسات من جهة أخرى.

     إذ تعود بدايات هذا المفهوم إلى ليندا هينفان Hainfan عام 1916، والتي عبرت عنه بالجوهر الملموس في المجتمع، وصاغته بالوصف الآتي:" بأنه تلك المواد الملموسة في الحياة اليومية للناس، والتي تشتمل على: النية الحسنة، الزمالة، العطف، والاتصال الاجتماعي بين الأفراد والأسر التي تُشكل وحدة اجتماعية، فلو قام فرد من أفراد المجتمع بالاتصال مع جاره، واتصل مع الجيران الآخرين، سيحدث تراكم لـرأس المال الاجتماعي، الذي قد يُشبع الحاجات الاجتماعية والتي قد تحمل قوة اجتماعية كامنة كافية لإحداث التحسن الكبير لظروف المعيشة في المجتمع ككل"، وبعدها اختفى المفهوم لعدة سنوات وعاد للظهور في كتابات جاين جاكوبز Jacobs عام 1961، في مؤلفها “الحياة والموت في المدن الأمريكية، التي  أشارت إلى أهمية الشبكات التي يُكونها الأفراد في المجتمع، وبعدها أصيب المفهوم بالأفول، حتى عاد بقوة من خلال كتابات عالم الاجتماع بيبر بورديو Bourdieu  عام 1983، وعد رأس المال الاجتماعي مورداً شخصياً يمكن أن يُحقق مصالح شخصية في أكثر من سياق، وعلى ذلك فـرأس المال الاجتماعي قابل للتداول والاستخدام كما أنه قابل للتراكم، فالفرد بانضمامه لعضوية منظمات أو نقابات أو غيرها، فهو يُكون شبكة علاقات اجتماعية تكون له رصيداً ممكن استخدامه في الممارسات الاجتماعية.

    

     وكذلك انتعش المفهوم في حقل الدراسات الاجتماعية من خلال كتابات عالم الاجتماع جيمس كولمان Coleman  عام 1988، والذي عرف المفهوم على أنه:" رصيد يمتلكه الفرد من علاقات وقيم داخل البناء الاجتماعي، أما عام 1995، وصف فرانسيس فوكوياما Fukuyama رأس المال الاجتماعي في كتابه الثقة الفضائل الاجتماعية وازدهار المجتمعات بأنه:" قدرة تنبثق جراء تغلغل الثقة في المجتمع، أو في بعض قطاعاته على أقل تقدير. وقد يتجسد في العائلة، البنية الأساسية للمجتمع وأصغر جماعاته حجمًا، أو في الأمة، أكبر هذه الجماعات، أو في الفئات الوسيطة القائمة بينهما. ويمكن اعتباره طائفة راهنة من القيم أو المعايير غير الرسمية والمشتركة بين أبناء جماعة ما، وتهيئ لهم بذلك إمكانية التعاون مع بعضهم البعض".

     أما كتابات روبرت بوتنام Putnam عام 1996، كانت وراء ما اكتسبه هذا المفهوم من شهرة واهتمام، إذ عرفه بأنه:" تلك الأنشطة التي تدل على كيفية معرفة شخص ما للآخر، كما أنه يشير إلى معالم وملامح التنظيم الاجتماعي مثل شبكة العلاقات الاجتماعية والمعايير المتفق عليها والثقة الاجتماعية التي تسهل التنسيق والتعاون من أجل المنفعة المتبادلة والمشتركة، فنجد أن الحياة تُعد أيسر في مجتمع يحظى بمخزون ثري ودائم من رأس المال الاجتماعي".

    كذلك أدخلت منظمة البنك الدولي World bank عام 1998، المفهوم في الجانب التنموي، إذ عقدت مؤتمر حول رأس المال الاجتماعي بعنوان:( رأس المال الاجتماعي من أجل التنمية)، وعرفته أنه "مجموعة المعايير والشبكات التي تمكّن العمل الجماعي". وفي عام 1999، أشارت فرجينيا مورو Morro إلى رأس المال الاجتماعي بأنه:" مفهوم مطاط ويعرف بأساليب مختلفة حيث يشير إلى حب الارتباط بالجماعة، وشبكة العلاقات الاجتماعية، والثقة، والتبادل، والاشتراك في منظمات المجتمع المدني".

 

     وبناءً على ما سبق ذكره، فان رأس المال الاجتماعي يتجسد بقوة كامنة في العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ترتكز على مجموعة من المعايير والقيم، ومنها الثقة، والتعاون، والزمالة، والتنظيم الاجتماعي، والأعمال التطوعية، والعمل الجماعي، من أجل تحسين الظروف المعيشية للمجتمع، فضلاً عن يمكن استثماره في إقامة وتوطيد العلاقات، وتخفيف الصراعات، وتعزيز الثقة المتبادلة. وهناك مؤشرات عامة حول المفهوم ودوره في تعزيز الثقة والعلاقات الاجتماعية، نجملها بالاتي:

  1. رأس المال الاجتماعي مفهوم اجتماعي قيمي ذو فعالية في مناحي الحياة كافة.
  2. يساعد في تعزيز الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع.
  3. يسهم في تعزيز قيم التعاون والعمل الجماعي.
  4. يتكون من خلال التراكم وليس بصورة وقتية أو سريعة.
  5. هناك رأس مال اجتماعي ايجابي يقابله سلبي.
  6. من أهم عناصر: الثقة، والتعاون، والزمالة، والمعايير الاجتماعية.
  7. ينقسم إلى قسمين: رأس مال اجتماعي رابط ورأس مال اجتماعي تجسيري.
  8. يساعد على التعاون من خلال الثقة المتبادلة، وتحقيق الصالح العام.
  9. يمكن قياسه عن طريق الاستبيانات وبعض المؤشرات، ومنها:
  • مؤشر الجماعات والشبكات.
  • مؤشر الثقة والتضامن.
  • مؤشر العمل الجماعي والتعاون.
  • مؤشر المعلومة والاتصال.
  • مؤشر الترابط الاجتماعي والاندماج.
  • مؤشر مشاركة السلطة والعمل السياسي.
  1. يدعم التماسك الاجتماعي، والتنظيم الاجتماعي،والشبكات الاجتماعية، والمعايير، والقيم.
  2. ابرز المنظرين للمفهوم،(هينفان، جاكوبز، بورديو، كولمان، بوتنام، مورو، فوكوياما، منظمة البنك الدولي، وآخرين...).