الامن الاجتماعي وضرورة التعايش السّلمي في العراقي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-09-08 20:18:02

اعداد قسم الدراسات الاجتماعية

اسماء خير الله كريم

إن التنوع والتعدد واقع ملموس في كل المجتمعات الانسانية، ولايمكن الحديث عن مجتمعات صافية عرقياً في ظل الهجرات و التهجين الثقافي بين الاعراق، فالاختلاف في الحياة الإنسانية ضرورة اجتماعية لتحقيق التكامل، الا أن الحروب والصراعات اليوم في العالم، ومحاولات الهيمنة، جعلت التعايش بين أفراد المجتمعات أمراً صعباً خاصاً في مجتمع  يتسم بتعدد وتنوع مكوناته ثقافيا واثنيا وعرقيا- كالمجتمع العراقي- ورغم ذلك  فإن استتباب الأمن يساهم في الانصهار الاجتماعي من خلال ارساء قواعد المساواة في الحقوق والمواطنة والانتماء الى الهوية الوطنية الجامعة لا الى الهويات الفرعية، والعكس صحيح  فالتعايش والاندماج يؤدي الى تحقيق الامن الوجودي من خلال التصدي افراد المجتمع لاي خطر يهدد البلاد داخلياً أوخارجياً. وبالتالي فالامن هو "العمل على التحرر من التهديد"، واما في السياق النظام الدولي فهو "قدرة المجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها"

أما في الوقت الحاضر فيجب علينا إعادة تحديد الأطر المفاهيمية للأمن، لتشمل المخاطر والتهديدات الجديدة، في ظل العولمة و الخوف السائل العابر للحدود المتمثل بالارهاب والأخطار التي لا تتوقف على الدول بل ومن الجماعات والتنظيمات التي تسعى الى زعزعة الأمن والاستقرار الدولي بشتى الوسائل والأساليب، فمفهوم الأمن يتراوح بين ثلاث دوائر، الدائرة الأولى وهي دائرة الامن الإنساني والتي تنطلق أساساً من حماية الإنسان بصفته أنساناً بغض النظر عن جنسه ودينه ولونه. الدائرة الثانية وهي دائرة الأمن الوطني ( القومي ) فالأمن في هذه الدائرة ينطلق من الأمن الداخلي للدولة اضافة الى تحقيق الأمن الخارجي لها. أما الدائرة الثالثة فهي التي تتعلق بالأمن الاجتماعي الذي تساهم في تحقيقه مؤسسات المجتمع بدءاً من الاسرة التي تشكل النواة الاولى للمجتمعات البشرية. ومسؤولية الأمن هي مسؤولية فردية و جماعية في آن واحد، باعتبار أن الامن الاجتماعي يرتكز على منظومة العادات والتقاليد التي يؤمن بها المجتمع وعوامل الاستقرار القائمة على التفاهم والمعايشة الايجابية في خدمة الجماعة لتحقيق الذات من جهة والحصول على الرضا و القبول من الجماعة من جهه اخرى.

فالإنسان يعيش ضمن مجتمع متنوع، حيث لا يمكن فصل أي جزء منه عن الآخر، ويحتكِم أفراد هذا المجتمع إلى العديد من القوانين والأنظِمة، ومن أجل تحقيق التعايش  يتطلب الامر تحقيق الامن الذي بموجبه يعمل الافراد على ممارسة واجباتهم والحصول على حقوقهم.
فالأمن الاجتماعي من الضرورات المهمة لتحقيق التنمية الإنسانية والاقتصادية الشاملة، والمجتمع المهدد في أمنه الاجتماعي لا يستطيع الوصول إلى أهدافه وتحقيق برامجه مهما بلغ حجم الأموال المستثمرة فيه . ومنه يشكل الأمن الاجتماعي الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات الحديثة وعاملاَ رئيساً في حماية منجزاتها، حيث يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء و يشكل حافزاً للانطلاق إلى مصاف الدول المتقدمة، من خلاله يمكن الوصول إلى توحيد النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يبرز ويحدد ملامح الهوية الوطنية المشتركة.

وهذا يتطلب النظر في المعوقات والمهددات للامن الاجتماعي والتي يجب تلافيها والحد منها  كالانحرافات التي تصيب النظام الاجتماعي وانتهاك القواعد والمعايير وانتشار المخدرات والفقر و العنف والجريمة و غيرها من المعوقات التي يجب الحد منها لتحقيق الامن الاجتماعي، مع التنويه الى أن الامن الاجتماعي امر نسبي وليس مطلق .
وبما أن
التركيبة المجتمعية التي يتميز بها العراق قائمة على التنوع الطائفي والقومي والديني، فلابد معها من تحقيق وازكاء مبدأ التعايش كما فعلت المجتمعات الغربية، حيث استطاعت من خلال الامن الاجتماعي ومن الرغبة في تحقيق رفاههم الاقتصادي، خلق تعايش سلمي في ظل منظومة الحقوق والوجبات. والعراق قد خطا خطوات كبيرة في مسار تحقيق الاندماج الاجتماعي من خلال دستوره لعام 2005 حيث يأكد في مادته الثالثة ( إن العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب) واشار إلى حقوق الاقليات الدينية في الماده ثانياً بقوله ( يضمن الدستور العراقي الحفاظ على الهوية الاسلامية لاغلبية الشعب العراقي كما ويضمن كافة الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين) . وكما كانت لتجربة دخول عصابات داعش الارهابية الاراضي العراقية واحتلالها لبعض الاراضي في الانبار ونينوى اثر كبير في إبراز اللحمة الوطنية من خلال تصدي كافة فئات الشعب لخطر داعش. ولا ننسى بأن الحشد الشعبي كان أول من تصدى لهذه العصابات الارهابية حيث كانت قوة نوعية ساندت القوات الامنية، حيث ضم في صفوفه كل مكونات المجتمع العراقي الدينية والاثنية  والعرقية وهذا أظهر مدى لحمة أبناء الجنوب مع أبناء المناطق الوسطى والغربية، وكما لا يخفى أن المناطق التي بقية مقاومة لداعش هي مناطق تسكنها مكونات عرقية- واثنية (امرلي / ديالى –تركمان) (ومناطق من نيوى / ايزيدين) (حديثة/ الانبار) وهذا دليل يؤكد على دور الاندماج والتعايش في تحقيق الامن الوجودي والوطني.

بالتالي إن التطلع نحو المستقبل وبناء الدولة يحتم على الجميع التوجه بصورة صحيحة وبعيدة عن كل الإنتماءات الضيقة  للوعي بطبيعة ومخاطر التحديات والتهديدات التي تواجه العراق. إذ أن إدراك تلك المخاطر وتداعياتها يشكل اساساً للحيلولة دون تفاقم تلك المشكلات وتحولها إلى أزمات مركبة يصعب حلها. فمرحلة ما بعد داعش تتطلب ازكاء مبدأ التعايش بين المكونات، من خلال التأكيد على سيادة قيم الوسطية والتسامح ونبذ كل ما يؤدى الى الفرقة والخلاف والتأكيد على مبدأ المساواة في الحقوق والمشاركة الفاعلة لجميع فئات واثنيات المجتمع العراقي ونبذ أي شكل من اشكال الاستبعاد الاجتماعي وبالتأكيد على دور منظمات المجتمع المدني .