أهمية خلق الرمز الاقتصادي في بناء الاقتصاد المحلي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-07-31 18:21:37

 

                                                       د. مهند حميد مجيد

                                                    قسم الدراسات الاقتصادية

من خلال استعراض التجارب الاقتصادية الناجحة التي تبنتها مختلف الدول المتقدمة منها والنامية، نجد إن هناك خطوات متشابهة اتبعتها تلك الدول في سبيل نجاح خطتها الاقتصادية. من هذه الخطوات والإجراءات المتشابهة هي إيلاء الاقتصاد الأهمية والأولوية في بناء السياسات العامة للدولة والاهتمام بتشجيع القطاع الخاص بشكل حقيقي من خلال سن تشريعات قانونية تصب في تهيئة وبناء بيئة اقتصادية مساندة للإعمال التجارية والاستثمارية تمنحه الريادة والقيادة في عملية البناء الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك كله، هناك إجراء محوري اشتركت هذه الدول في تبنيه بحيث يمكن القول بانه أصبح احد الأسباب الرئيسة في نجاح تجربتها بخلق تنمية اقتصادية صحيحة ادت الى تسجيل معدلات نمو ثابتة ومستقرة معتمدة على أداء اقتصادي قوي و مستقر. يتلخص هذا الإجراء بخلق ودعم رموز اقتصادية محددة في مجالات لها فيها ميزة نسبية و/او تنافسية تتولى عملية بناء الاقتصاد ونموه تكون مستوعبة لمختلف أنواع المشاريع الاقتصادية قادرة على خلق الترابطات الإنتاجية بين مختلف القطاعات الاقتصادية، وتتمثل هذه الرموز إما بعائلات لها تاريخ و خبرة في المجال الاقتصادي أو رجال أعمال من ذوو الريادة في هذا المجال أو خلق شركات كبرى مشتركة ( وقتية في هذه الصفة في العموم) وفق منهج القطاع الخاص يتم إنشاءها خصيصا في قطاع محدد بالمشاركة مع إحدى الشركات العالمية وفق رؤية مستقبلية بالاستقلال التدريجي في الإنتاج، اي بالنتيجة تبني ودعم مؤسسات اقتصادية لأجل قيادة العملية الاقتصادية. وعند البحث، نجد ان جل هذه الشركات والمؤسسات الاقتصادية وطنية محلية في الأساس تدعم من قبل الدولة لأجل دعم نموها وتوسيعها في قواعد مشاريعها الإنتاجية.

وقد اتبع هذا الإجراء بخلق او دعم شركات كبرى لتكون رموزا اقتصادية في العديد من الدول كالولايات المتحدة الأميركية (مثل شركات جنرال موترز وفورد) و اليابان ( مثل تويوتا ومتسوبيشي) وكوريا الجنوبية (سامسونك و ال جي) وماليزيا (مثل بروتون و فيلدا) وحتى في الدول العربية كدول الخليج العربي مثلا التي خلقت ودعمت شركات اصبحت اسما اقتصاديا لامعا على المستوى الاقليمي وحتى العالمي كشركة سابك السعودية للبتروكيمياويات التي اصبحت علامتها التجارية عالمية في مجال تخصصها.

 تقوم الدول بالترويج لمنتجات هذه الشركات و دعم عملياتها في الداخل والخارج والتنسيق معها لمزيد من الانتشار فضلا عن مساعدتها في بناء علاقات اقتصادية فعالة مع التكتلات الاقتصادية الأجنبية والاستفادة من خبرات كوادرها في الاستشارة والترشيح لشغل مناصب حكومية رفيعة ودعهما وقت الحاجة حتى بالأموال وهذا ما حدث فعلا إثناء الأزمة المالية التي عصفت في العالم بدا منذ عام 2008، فمثلا ضخت الولايات المتحدة الأميركية مئات مليارات الدولارات لحساب شركات محددة لأجل مساعدتها في تخطي خطر الإفلاس وإعادة هيكلة عملياتها بما يصب في بقاءها وعدم زوالها (بنفس الوقت الذي تخلت فيه عن شركات أخرى كبرى حسب ما تقتضيه الضرورة).

وفي الجانب الأخر، يقع على عاتق هذه الشركات تحقيق تنمية اقتصادية شاملة و حقيقية من خلال استثمار مواردها والتسهيلات الممنوحة لها في خلق فرص عمل كبيرة تغطي الطلب المحلي وإنشاء مشروعات استثمارية كبيرة في مختلف التخصصات وإنشاء ودعم مراكز الدراسات والبحوث والابتكارات العلمية وحتى الجامعات المتخصصة بما يؤدي إلى بناء مواردها البشرية بصورة صحيحة، كما يقع على عاتقها الاستفادة من علاقات الحكومة الاقتصادية في بناء الشراكات الاقتصادية العالمية المفيدة التي تسهم في نقل التكنولوجية إلى الداخل والاستفادة من الخبرات الفنية في الادارة والتنظيم سواء لعمل الشركة الاداري او لمراحل الانتاج المختلفة.

مما ذكر اعلاه ارى بان لا تفوتنا الاستفادة من هذه التجربة خاصة وان لدينا ميزات نسبية وتنافسية في العديد من المجالات الاقتصادية في نفس الوقت لدينا رجال اعمال وعائلات اقتصادية لهم باع طويل في مختلف المجالات، وكل ما يحتاجونه هو توفير البيئة الملائمة للأعمال، اذ ان الفرصة الان مواتية اكثر من أي وقت مضى للاستفادة من حجوم الاموال الموجودة لدى فئات محلية ثرية لكنها تبحث عن الفرصة المناسبة لاستثمار اموالها في نفس الوقت يشكل هذا توفير  بديل عملي وحيوي عن عجز التمويل الحكومي لكثير من المشاريع وما يتبعها من نتائج اقتصادية، بكلمة اخرى ان استثمار هذه الاموال في الاقتصاد المحلي من خلال دعم انشاء شركات اقتصادية كبرى (زراعية-صناعية- مالية- خدمية) لتكون رموزا اقتصادية تعمل بالتوازي مع دعم الحكومة لها من خلال توفير البيئة المناسبة للأعمال (الأمن والتشريعات والضرائب والكمارك والمنافذ الحدودية وغيرها) فضلا عن الترويج لها من خلال السفارات العراقية و ملحقياتها التجارية لأجل بناء علاقات اقتصادية دولية فعلية مع الشركات الاجنبية وفتح الاسواق الاجنبية لها، سيؤدي ذلك الى تفعيل الدورة الاقتصادية و توفير فرص العمل والوظائف بشكل كبير مما يسهم في تقليص البطالة والفقر دون يكلف الحكومة ذلك أي اموال اضافية تدفعها من الموازنة. بالتاكيد على الحكومة مهمة تحسين وتطوير البنى التحتية من طرق نقل و جسور وغيرها و توفير الطاقة الكهربائية وما تستلزمه العملية الانتاجية الا ان ذلك سيكون استثمار مجدي ماليا و مفيد سياسيا واقتصاديا على المدى القريب و المتوسط.

في الختام اود ان انوه الى نقطتين غاية في الاهمية، الاولى اعتقد ان العراق اولى بالأموال التي تستثمر في الخارج وتسهم في بناء دول اخرى، والثانية ان اكبر عامل جذب للاستثمار الاجنبي هو مقدار الاستثمار المحلي في البلد فكلما ارتفع كان ذلك مؤشرا إيجابيا يسهم في جذب الاموال الاجنبية للاستثمار في الداخل إذ انه يدل على توافر البيئة المناسبة والمشجعة للاستثمار في حين انخفاض معدل الاستثمار المحلي هو مؤشر سلبي وطارد للأموال الاستثمارية المتدفقة من الخارج.