ارتفاع اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية (بين الدول المنتجة والمستهلكة)

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-05-09 18:11:00

علي عبد الكاظم دعدوش- كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد

ان الحديث عن هذا الموضوع يتطلب اولاً معرفة الدول المنتجة باسعار النفط ارتفاعاً او انخفاضاً ومدى تأثير ذلك على الواقع الاقتصادي الخاص بها، ومن جانب آخر لابد للدول المستهلكة ايضاً من معرفة ذلك الارتفاع او الانخفاض في سعر برميل النفط ومدى تأثيره على اقتصاداتها، و كما يأتي:

اولاً: بالنسبة للدول المنتجة للنفط الخام

أ – في حالة انخفاض اسعار النفط

عند انخفاض الاسعار بالنسبة للدول المنتجة للنفط – الدول ذات الاقتصاد الريعي – نجد ان الايرادات تنخفض بصورة كبيرة، بسبب ان صادراتها تعتمد على مورد واحد هو النفط الخام، وبالتالي تلجا هذه الدول الى زيادة انتاجها من النفط لتعويض الانخفاض في الاسعار، وهذا الامر يؤدي الى تسريع عملية نضوب المورد النفطي، ويؤثر بالنتيجة على حقوق الاجيال القادمة، وينعكس سلباً على اقتصادات الدول المنتجة، إذ ان الانخفاض المفاجئ في اسعار النفط يمثل صدمة للاقتصاد النفطي، كونه يؤدي الى انخفاض العوائد المالية المستحصلة من بيع النفط، الامر الذي يضطر الحكومة الى خفض الانفاق الحكومي بكيفية تربك اوضاع الاقتصاد الكلي، وقد يدخل في نفق المديونية.

ب – في حالة ارتفاع اسعار النفط

عند ارتفاع اسعار النفط بالنسبة للدول المنتجة، نلاحظ زيادة ايرادات الدولة وما يترتب عليه من زيادة الانفاق الحكومي، الامر الذي يؤدي الى زيادة الاستثمارات وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي – في حال كان الانفاق الحكومي يوجه الى تهيئة الظروف المناسبة للقطاع الخاص– وبالتالي حصول نمو اقتصادي، والفائض من الايرادات الحكومية سوف يذهب الى استثمارات اخرى توجه الى بقية القطاعات الاقتصادية (الصناعي، الزراعي، الخدمي ...الخ )، وبالتالي حصول عملية التنمية الاقتصادية من جراء توظيف الزيادة في الايرادات الحكومية نتيجة الزيادة في اسعار النفط الخام . كما ان هناك اثار سلبية لارتفاع اسعار النفط للدول المنتجة اذا يكرس خصائص المرض الهولندي عبر التقييم المرتفع لسعر صرف العملة الوطنية الذي يؤدي الى جملة من العوامل منها ، ضعف القدرة التنافسية للقطاع الانتاجي في بيئة اجتماعية وسياسية اعتادت على نمط السلوك الريعي، وللحيلولة دون حدوث هذا الاثر السلبي لابد للحكومة من انشاء صندوق سيادي توضع فيه العوائد المالية المتحققة من المورد الناضب واستثمار هذه الاموال في مجالات مختلفة لتسهم ايضا في زيادة الايرادات السيادية للبلاد .

ثانياً: بالنسبة للدول المستهلكة للنفط الخام

أ – في حالة انخفاض اسعار النفط

 في حالة انخفاض اسعار النفط تلجا الدول المتقدمة الى زيادة استيراداتها من النفط الخام وبالتالي تنخفض تكاليف الانتاج – انخفاض اسعار المواد الخام – الامر الذي يؤدي الى زيادة المعروض من مختلف السلع التي سوف تسد الانتاج المحلي وتصدر الفائض منه الى الخارج وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري – زيادة الصادرات على حساب الاستيرادات – اضافة الى ذلك فان في اوقات انخفاض اسعار النفط تلجا الدول المتقدمة الى تخزين النفط الفائض عن الحاجة وتستعمله في اوقات ارتفاع اسعار النفط مثلما حدث في عقد الثمانينات من القرن الماضي من قبل وكالة الطاقة الدولية (IEA) بزعامة الولايات المتحدة الامريكية.

ب – في حالة ارتفاع اسعار النفط

 في حالة ارتفاع اسعار النفط تلجا الدول المستوردة للنفط الى التقليل من استيراداتها – حسب المنطق الاقتصادي – لكن ، هنا في سوق النفط هناك عدة خيارات بالنسبة للدول المتقدمة المستوردة للنفط هي ، اما ان تلجا الى البدائل – بدائل الطاقة –  مثلا استخدام الفحم او الطاقة الشمسية او طاقة الرياح ...الخ، من بدائل الطاقة او ان تلجا الى رفع اسعار الضرائب على المشتقات النفطية وبالتالي تقلل من استيرادات النفط الخام.

نخلص مما تقدم، ان ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط ممكن ان تكون له آثار ايجابية لكل من الدول المنتجة والمستهلكة؛ فإذا ما ارتفعت اسعار النفط – بالنسبة للدول المنتجة– ووظفت هذه الزيادة في الايرادات النفطية لصالح الانفاق الحكومي الاستثماري سيزداد الطلب الكلي بالنتيجة وسيزداد الدخل والناتج القوميين وسيكون من الممكن تنويع الاقتصاد وتحويله من ريعي الى اقتصاد متنوع، بمعنى توظيف الاموال في تنمية القطاعات الغير نفطية وهذا سيؤدي في المستقبل البعيد عدم الاعتماد على سلعة النفط فقط وانما تنويع القطاعات الاقتصادية سوف يؤدي الى تقليل الاستيراد من جهة وتنويع الصادرات من جهة اخرى.

اما بالنسبة الى الدول المستهلكة فان ارتفاع الاسعار سيؤدي الى زيادة الضرائب – حيث ان اغلب ايرادات الدول المتقدمة هي من الضرائب – الامر الذي سيؤدي الى زيادة الايرادات فيما لو استخدمت المشتقات النفطية، مثلا فرض ضريبة الكاربون على استعمال السيارة، ومن جانب اخر سيقلل من استخدام المشتقات النفطية والاتجاه الى مصادر الطاقة الجديدة والتي تحافظ على البيئة ، وهذا الامر سيقلل من التكاليف المستخدمة في القضاء على التلوث البيئي، وبالتالي زيادة مضاعفة في الايرادات (ايرادات الضرائب اضافة الى تقليل تكاليف التلوث البيئي). علماً ان حجم الضرائب المفروضة على المشتقات النفطية عموما في اوربا بلغت (60%) وفي اليابان (45%) وفي امريكا (15%)، لذلك فان الايرادات المالية من الضرائب المفروضة على المشتقات النفطية في دول (OCED) منظمة التعاون والتنمية للمدة (2007-2011) بلغت نحو (5,547) ترليون دولار، فيما حصلت منظمة اوبك على عوائد مالية من جراء تصديرها للنفط الخام نحو (4,164) ترليون دولار، الفرق هو (1,383) دولار لصالح الدول المستهلكة للنفط الخام ، بالتالي فأنها ستكون اكبر المدافعين عن مصلحة الدول المنتجة للنفط الخام .