المخدرات والأمن الاجتماعي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-03-19 18:36:21

تشغل مشكلة تعاطي المخدرات العالم اجمع لما لها من اثر تدميري وتموضعهما كعامل رئيس في الكثير من المشاكل الاجتماعية والامنية والصحية والاقتصادية، الامر الذي جعل المجتمع والدولة تدفع ثمناً باهظا لمعالجتها والتصدي لها، وبطبيعة الحال فإن المجتمع المصاب بها يكون مجتمع ضعيف غير مترابط قليل الانتاجية معدوم الامن وتنتشر فيه الجريمة، بالاضافة الى ذلك قد يقدم مدمنوا المخدرات على افعال مشينة كالاعتداءات الجسدية والنفسية والعنف بسبب ضعف العقل واضطراب الادراك الحسي وانخفاض المستوى الذهني والكفاءة العقلية، وكأي ظاهرة مجتمعية خطيرة يكون لها عوامل داخلية بدءاً من الاستعداد النفسي والتقبل الجسماني للفرد والمؤثرات الخارجية والبيئة المحيطة انتهاءً بالتأثير المدمر للفرد والمجتمع.

من جانب آخر فإن الاستعداد النفسي اساساً لتقبل اي شيء بالاضافة الى ضغوط الحياة ومشاكلها ودوافع عديدة منها بحث الانسان عن السعادة والهروب من الواقع بتغييب العقل عن طريق اخذ المواد المخدرة او الكحولية او اتخاذ انماط للحياة تكون غير طبيعية وذات تأثير سيء ومؤذي، كذلك ظروف الحياة والعيش الصعب وغياب فرص العمل والاوضاع الراهنة والتفكك الاسري وغياب الرقابة التي يشهدها المجتمع والبلاد كلها عوامل مهمة تسبب تزايد اعداد المدمنين الذين يكونون مهيئين للأنخراط في اعمال العنف والفساد والتخريب لغياب عقلهم عند التعاطي، وذلك يتم عن طريق تكوين عصابات منظمة تشمل العديد من الاجزاء تعمل وفق خطط منظمة حيث يتم العمل بظروف خاصة وتنشط في بيئات دون اخرى، عند توفر الظروف الملائمة تجدها استشرت لتنتهك الشعوب والمجتمعات، عمل هذه العصابات يشبه الى حد كبير عمل الاعضاء في جسد الانسان اذ ان الاعضاء تتحد معاً لإنتاج الفعل الاخير للإنسان وهذا الاتحاد يكتمل باكتمال العمل المخصص لكل جزء في هذه المنظومة الواسعة، تبدأ بالعقل المدبر والاعضاء والموارد البشرية وتوفير الاموال والمواد المخدرة ولاننسى التنسيق والتعاون فيما بينها لإنجاح العمل، يكون العمل بشكل شبكي يغطي المناطق المطلوبة بالشكل الذي يسمح بانتشارها بسرعة وبسرية.

 هنا يأتي دور المروجين اصحاب الخبرة حيث يكون لهم طرق فنية وتعامل خاص والقدرة على دراسة الضحية واكتشاف نقاط الضعف والثغرات التي تساعدهم للدخول للضحية والايقاع بها ومن ثم زجها بالعمل ضمن المنظومة، ان الدوافع وراء هكذا اعمال ونحن هنا لا نتكلم عن دوافع الضحايا او المروجين بل نتحدث عن العقل المدبر وراء كل تلك العملية قد تقف خلفها سياسات دولية تهدف الى تفتيت المجتمع وجعله غير قادر على الانتاج والعيش بشكل طبيعي والسيطرة عليه وعلى سلوكيات افراده بالاضافة الى تكوين ثروات ضخمة، يكون تأثير هذه المنظومات كبير وعلى مدى قريب وبعيد مدمر سياسيا وامنيا واقتصاديا.

هذا فيما يخص التأثيرات الخارجية الجسيمة الناتجة عن إدمان المخدرات، أما  التأثيرات الداخلية التي تحصل في جسم الانسان عند التعاطي وهي كالاتي:

  1. حدوث التهابات في خلايا المخ وتآكلها، مما يؤدي إلى فقدان الذاكرة، والهلوسة السمعية والبصرية والعقلية في أحيان كثيرة.
  2. حدوث اضطرابات شديدة في القلب ينتج عنها تعرض المدمن لذبحة صدرية وانفجار في شرايين القلب.
  3. يؤدي تعاطي المخدرات أيضاً إلى حدوث اضطرابات في الجهاز الهضمي وتليف في الكبد.
  4. يسبب تعاطي المخدرات حدوث التهاب المعدة المزمن، كما يسبب التهاب في غدة البنكرياس وتوقفها عن عملها.
  5. من آثار المخدرات كذلك أن يتحول المدمن لشخص عدواني لديه رغبة شديدة في الحصول على جرعة المخدر أو المال اللازم لشرائها مهما تكلف الأمر.
  6. بالإضافة إلى ذلك، فإن المخدرات تحول متعاطيها لشخص انطوائي يحب العزلة، ويفضل تجنب الآخرين.
  7. من آثار الإدمان النفسية أن يصاب المدمن بالاكتئاب أو ما يعرف بسوداوية الفكر، كما أنه يكون دائم القلق والتوتر والخوف من أبسط الأشياء.

ما الذي يدفع الانسان للإدمان؟

توجد في جسم الانسان مادة تدعى بالدوبامين (Dopamine) هي مادة كيميائية موجودة بشكل طبيعي في جسم الإنسان، وتعمل كناقل عصبي، بمعنى أنها ترسل الإشارات بين الجسم والدماغ، وتلعب دوراً في التحكم في الحركات التي يقوم بها الشخص، بالإضافة إلى الاستجابات العاطفية. وعليه فإن المحافظة على توازن هذه المادة هي امر حيوي مهم لكل من الصحة العقلية والبدنية، تتأثر بمستويات الدوبامين في الجسم معظم وظائف الدماغ الحيوية، التي تؤثر على المزاج والنوم والذاكرة والتعلم والتركيز والتحكم في الجهاز الحركي للشخص. وقد يكون نقص الدوبامين مرتبطاً بحالات طبية معينة، بما في ذلك الاكتئاب ومرض باركنسون، إلا أن نتائج الدراسات الحديثة تشير إلى أبعد من ذلك. ويمكن أن يرجع نقص الدوبامين إما إلى انخفاض كمية الدوبامين التي ينتجها الجسم او لمشكلة في مستقبلات هذه المادة في الجسم، وتعتمد اعراض انحفاض مستوياته على المسبب الرئيسي فعلى سبيل المثال ان اعراض مرضى باركنسون بسبب انخفاض الدوبامين تختلف عن اعراض انخفاضه عند متعاطي المخدرات، ومن اهم الاعراض المتعلقة بنقص الدوبامين هي: تصلب في العضلات، تشنجات، رعشة، أوجاع وآلام، فقدان التوازن، الإمساك، صعوبة الأكل والبلع، فقدان الوزن أو زيادة الوزن، مرض الارتجاع المعدي المريئ، الالتهاب الرئوي المتكرر، صعوبة النوم أو اضطراب النوم ، الطاقة المنخفضة ، عدم القدرة على التركيز، التحرك أو التحدث ببطء أكثر من المعتاد، الشعور بالتعب، الشعور بالإحباط،  الشعور بالحزن والبكاء، التقلبات المزاجية، الشعور باليأس، انخفاض الثقة بالنفس، الشعور بالذنب، الشعور بالقلق، التفكير في الانتحار أو إيذاء النفس، الهلوسة ، الأوهام،  نقص البصيرة او الوعي الذاتي.

يمر هذا الناقل العصبي بعملية كيميائية معقدة تحدث على مستوى بنية عصبية تدعى (المشابك) التي تختزن الهرمون ومن ثم تطرحه في فترات إفرازه المحددة، وأي نقص غذائي في الحموض الأمينية اللازمة لهذا الاصطناع سينقص من فعاليته بالتأكيد، يعمل الدماغ بمبدأ المكافأة،  المكافأة نظام دماغي يعمل على إنشاء الحافز الغريزي للإنسان للقيام بشيء ما كالأكل، الملذات الحسية، وكل ما يحافظ على البقاء..

إنه مكوّن من مجموعة من الألياف العصبية التي يكون الناقل العصبي الأساسي فيها هو الدوبامين، وعند تفعيل هذا النظام بواسطة واحد من النشاطات سابقة الذكر أو غيرها، فإن هذا النظام يتفعل معطياً شعوراً بالراحة والسكينة، ربما كان نابعاً من إرضاء الغريزة أو تحقيق شيء تعده أدمغتنا ذو قيمة لنا كي نستمر على قيد الحياة، كما أن الشعور نفسه سيراودك عند القيام بأي عمل إبداعي أو اكتشاف حقيقة مخبوءة، فتشعر بنشوة حقيقية تصاحب نصرك الذي حققته، وكأن الدماغ بإثارة المتعة لديك  يخبرك في هذه اللحظة أن تركز انتباهك على تذكر ما حدث معك، فالنجاح الذي حققته ستحتاجه في المستقبل، ان هذا النظام سلاح ذو حدين فهو يتفعل عند قيامنا بما هو ضروري للبقاء كما ذكرنا، لكن وفي المقابل يوجد العديد من المواد الأخرى التي تفعل هذا النظام دونما أي جهد مبذول، وهذه المواد كما نعلم هي المخدرات المعروفة كالماريوانا، الكوكائين، وغيرها..

فهي تمارس تأثيراً قوياً جداً على مركز المكافأة، ونتيجة لذلك يتم إفراز كميات غير معتادة من الدوبامين، مما يجعلنا نعيش لحظات من السعادة التي لم يحالفنا الحظ في الدنو إليها من قبل، وبذلك نستمر مرة تلو الأخرى في تناول المخدرات.

نعتقد أننا لن نصل للإدمان وسنبقى محافظين على نفس الكمية التي تناولناها سابقاً دون أي زيادة، لكن الدماغ سيقوم بفعل يجبرنا على تناول المزيد إذا كنا ننشد نفس القدر من النشوة التي حصلنا عليها أول مرة، فهو يقوم بتخريب مستقبلات الدوبامين ليمنع من حصول ذلك التأثير غير الطبيعي للكميات الكبيرة من الدوبامين، ومرة بعد مرة سيصبح عدد تلك المستقبلات منخفضاً جداً مقارنة مع الحالة الطبيعية، مما يجعلنا نزيد جرعة المخدرات مرة تلو الأخرى للوصول إلى الإحساس المرغوب، وقد يؤدي هذا الإدمان عند زيادته بشكل جنوني عن الحد إلى الموت، حيث يصبح تناول المخدر جل هم الشخص المدمن، فينسى بذلك طعامه وشرابه حيث لا يمكنها أن تثير مراكز المتعة لديه بعد الوصول إلى هذه المرحلة من الإدمان.

إن التعرض للأدوية بمرور الوقت إما يحسس أو يزيل حساسية المخ اعتمادًا على الدواء المفضل وأفعاله على المستقبلات.يحدث هذا عندما يطول تعاطي الشخص للدواء. إنها تتطلب الآن المزيد من المخدرات للحصول على نفس المشاعر الإيجابية التي حدثت مرة واحدة بشكل طبيعي.

كما إن الإفراط في تعاطي المخدرات على المدى الطويل أو الشديد يمكن أن يغير هياكل الدماغ وسلوكه ، الأمر الذي لا رجعة فيه, ومع ذلك وباستمرار العلاج ، يمكن للمدمن تعلم كيفية التعايش مع تلك التغييرات في الدماغ والسلوك. مثلما يمكن لشخص مصاب بالشلل أن يتعلم كيف يتعايش مع إعاقته، كذلك يمكن لمتعاطي المخدرات. في حين أن الكثيرين يمكن أن يعيشوا حياة جيدة مع العلاج ، لا يمكن علاجهم بالكامل، لهذا السبب ، كلما أسرع الشخص في البحث عن علاج وتغلب على إدمانه، كانت فرصه أفضل في الحصول على نتيجة ناجحة.

 

 

 

 

ان الاسباب والدوافع لتعاطي المخدرات والادمان عليها كثيرة لكن النتيجة واحدة للفرد والمجتمع ككل اذ لاينتج عنها سوى الدمار والخراب والتهديد الامني والصحي والاقتصادي للبلاد، هل ستزول هذه الظاهرة بزوال الاسباب والدوافع وهل سيتم تخليص العالم منها نهائياً ؟

 

 

وفاء فوزي حمزة

قسم الدراسات الاجتماعية