اثر الحروب على البيئة والصحة العامة في العراق

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-02-10 20:41:29

للحروب والنزاعات المسلحة آثار ونتائج سلبية عديدة على الفرد والمجتمع، تبدأ من دمار البنى التحتية والاقتصادية، ولا تنتهي عند انتهاك جميع معاني الإنسانية في تلك المجتمعات، بل ان آثارها تمتد عبر اجيال واجيال، فتستمر هذه المجتمعات في معالجة الاثار السلبية الممتدة الى الجذور والتي اصابت مفاصل مجتمعية واقتصادية وصحية مهمة في البلاد، فعلى صعيد صحة الفرد والمجتمع مازالت آثار الحروب واليورانيوم المنضب والرصاص تتسبب بموت الكثير من المواطنين، وكنتاج طبيعي لأستخدام تلك الاسلحة والاشعاع كان للعراق النصيب الاوفر من غزو المرض الخبيث للعالم والذي يدعى بالسرطان.

السرطان مصطلح عام يشمل مجموعة كبيرة من الأمراض التي يمكن أن تصيب كل أجزاء الجسم. ويُشار إلى تلك الأمراض أيضاً بالأورام الخبيثة والخراجات. ومن السمات التي تطبع السرطان التولّد السريع لخلايا شاذة يمكنها النمو خارج حدودها المعروفة ومن ثم اقتحام أجزاء الجسم والانتشار إلى أعضاء أخرى، ويُطلق على تلك الظاهرة اسم النقيلة، وتمُثّل النقائل أهمّ أسباب الوفاة من جرّاء السرطان، وفي الاغلب يعزى تحول الخلايا السليمة الى خلايا سرطانية الى حدوث تغييرات في المادة الجينية المورثة، وقد يكون سبب هذه التغييرات عوامل مسرطنة مثل التدخين او الاشعة او مواد كيميائية او امراض معدية وهناك عوامل مشجعة لحدوث السرطان مثل حدوث خطأ عشوائي او طفرة في نسخة الحمض النووي عند انقسام الخلية، او بسبب توريث هذا الخطأ من الخلية الام.

 ان اسباب الاصابة بمرض السرطان تعتمد على عوامل داخلية وخارجية يكون لها الدور الرئيسي في استفحال هذا المرض، تشمل العوامل الداخلية الطفرات الجينية المورثة والنمو الغير منتظم لخلايا الجسم وكذلك الامراض الوراثية الناتجة عن تزاوج الاقارب من الدرجة الاولى حيث كشفت تقارير طبية حديثة  بأن الاصابة تحدث للجيل الثالث الناتج من تزاوج الجيل الاول الحامل للجينات المسببة لحدوث مثل هكذا طفرات في الحامض النووي، كذلك   يشكل نمط الحياة السيء من العوامل المهمة للإصابة بهذا المرض اما العوامل الخارجية فتشمل البيئة المحيطة ومدى تأثيرها على البشرية والتي تتمثل بتلوث البيئة والمياه والتربة.

وفيما يخص البيئة في العراق، فقد أكدت تقارير عالمية أجريت بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية إن البيئة في العراق ملوثة بدرجة كبيرة مما أدى إلى ظهور العديد من أمراض السرطان. وأوضحت هذه التقارير إن البيئة في العراق عانت بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثين الماضية من استخدام الأشعة والكيماويات في الحروب وفي الصناعة دون اعتبار للبيئة وكشف مسح جوي أنجزه فريق الكشف عن الآثار المشعة للمخلفات العسكرية واثآر الحروب على العراق وجود أكثر من 143 موقعا ملوثا باليورانيوم.

كما ان الاغذية الفاسدة او المخزنة بطريقة منافية لمعايير التخزين الغذائي وتعرضها لأشعة الشمس لفترات طويلة وكثرة المواد الحافظة فيها والتي تتأكسد وتتفاعل مع وجود اشعة الشمس لتصبح في النهاية مواد مسرطنة خطرة على صحة المواطن تعد من المسببات الاساسية لانتشار هذا المرض وكذلك المواد الغذائية منتهية الصلاحية والتي تسبب التسمم الغذائي، وبذلك نعود الى النقطة السابقة التي هي مفصل هذه الاسباب المتمثلة بالنمط السيء للحياة وغياب التثقيف والتوعية الصحية لدى الفرد والمجتمع بخصوص نمط الحياة الواجب اتباعه.

وقد شهدت المحافظات الجنوبية تزايداً ملحوظا لانتشار مرض السرطان حيث اشر سجل السرطان نسبة 75%من مجموع الوفيات في محافظة البصرة جنوب العراق، بينما أكدت إحصائيات مستشفى الأورام والطب النووي في محافظة نينوى إن عدد مرضى السرطان والوفيات بهذا المرض بلغت خلال عامي (2003-2004) نحو 4711 حالة، وتؤكد التقارير الطبية ومصادر عالمية وجود أكثر من 140الف عراقي حاليا مصابين بأمراض السرطان وأورام خبيثة ,يموت منهم سنويا نحو 7500مريض، وتؤكد التقارير إن مستشفى الإشعاع والطب الذري في بغداد تستقبل(12000)حالة سنويا، وتم العثور على إصابات ببعض أنواع السرطان التي لم تكن معروفة أو مألوفة في العراق سابقا، مثل سرطانات الدماغ والكبد، التي تم تسجيلها بأعداد متزايدة، كذلك حصول عدد كبير من التغيرات الفسيولوجية والخلوية في بعض المرضى، وهي إشارة لكونهم قد تعرضوا لمخلفات اليورانيوم المنضب
وقد بلغ معدل التشوهات الولادية(3.1 )في البصرة، مقارنة بإجمالي (1.8) في العراق، سجل أيضاً ارتفاع في الأمراض الوراثية ناتجا من التغيرات الحاصلة في الكروموسومات مثل أمراض العين(2.5)والأطفال المصابين بمتلازمة داون (6.6)، والتغير في عدد وشكل بعض أعضاء الجسم، والتأخر الملحوظ في النمو العقلي لأطفال سن السادسة بحوالي (14 شهرا) مقارنة بالطبيعي، والارتفاع العالي الملحوظ في الإصابة باللوكيميا واللمفوما وسرطان العظم، بينما معدل عمر مرضى السرطان هو أقل من السابق، بمعنى تسجيل إصابات في عمر مبكر بشكل مناقض للمعايير الدولية، ما عدا احصائيات المرضى الذين يتم تسفيرهم الى الخارج من قبل ذويهم لغرض العلاج، ويعزى سبب تسفيرهم للمرضى الى ضعف العناية وقلة المراكز المتخصصة بامراض السرطانات، وكذلك عدم توفر كوادر متخصصة وقلة المواد والعقاقير الطبية المخصصة لعلاج هكذا انواع مستعصية من السرطانات، وكذلك بسبب تزايد الاعداد المصابة بشكل كبير، مما ادى الى إضعاف المؤسسات والمراكز الصحية المتوفرة، وجعلها غير قادرة على استيعاب هذا العدد، كذلك صعوبة الكشف المبكر للمرض لعدم توفر الاجهزة الخاصة بالفحص المبكر للسرطان، كل هذه الاسباب والعوامل كان لها التأثير المباشر على الصعيد الاقتصادي للفرد والمجتمع وكذلك الرعاية الصحية لهم.

 ولتحقيق فهم أفضل لتلك الفكرة التي تبدو للوهلة الأولى غير مقبولة، وكانت بالفعل كذلك على مدى زمني واسع، دعنا نبدأ بالكيفية التي يتمكن بها جسمنا من محاربة الأمراض، في اللحظة التي تقرأ فيها هذا الكلام فإن هناك الملايين من الكائنات الحية، تتضمن البكتيريا والفيروسات والفطريات، تحاول أن تسكن جسدك وتتغذى على ما فيه من خيرات، لهذا السبب طوّرت أجسادنا جيش كامل من الخلايا الخاصة متنوعة الأشكال والوظائف لكي تصد هذا الهجوم، لكن هذه الحرب لا تبدأ إلا بعد خطوة أولى استخباراتية هامة، وهي التعرّف على الجسم الغريب، وكلما تم الكشف المبكر عن مرض السرطان كلما زادت امكانية علاجه والسيطرة عليه من هنا تأتي اهمية الفحص الدوري والكشف المبكر، لذلك اُعدت تقارير عالمية لطرق الفحص المبكر ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا حول تطوير علماء اختبارا جديدا لاكتشاف مرض السرطان، لا يستغرق إلا 10 دقائق فقط، ويوضح الاختبار الجديد، إذا ما كان جسم المريض يحتوي على خلايا سرطانية أم لا، لكنه لا يكشف عن مكان وجود تلك الخلايا أو مدى خطورتها، وأوضح العلماء أن هذا الاختبار يمكن أن يساعد على الشفاء من المرض سريعا، لأن علاج السرطان يكمن في اكتشافه مبكرا، وفي حال اكتشافه مبكرا سوف تزداد فرص العلاج.

ويتميز الاختبار الجديد بأنه رخيص التكاليف، وبسيط جدا، بحيث يمكن أن يتغير لون الدم، ليكشف عن وجود خلايا سرطانية خبيثة من عدمها في جسم المريض، ويمكن عرض نتائج الاختبار كاملة في أقل من دقيقة واحدة، ويمكن أن يساهم هذا الاختبار الجديد في إجراء عمليات فحص روتينية أسرع وأسهل لأي شخص لمعرفة مدى إصابته من عدمها بالسرطان، وتصل نسب نجاحه في اكتشاف الخلايا السرطانية لأكثر من 90% تقريبا.

يمكن استخدام هذا الاختبار داخل العيادات التقليدية ليعرف أي طبيب إن المريض مصاب بالسرطان أم لا، ثم يكمل معه بعدها باقي التحاليل الطبية لمعرفة نوع السرطان ومرحلته، وتعمل تقنية الاختبار الجديدة على تعريف DNA الخاص بالخلايا السرطانية، ليميز السائل ما بين الخلايا السليمة والخلايا السرطانية، وتم تجربة الاختبار الجديد على أكثر من 200 عينة لأشخاص يعانون من السرطان وأشخاص لا يعانون منه ولايزال العلماء يجرون التجارب السريرية لمعرفة الاثار الجانبية السلبية للاختبار، وكأي مرض او آفة مجتمعية تستفحل في بادئ الامر وتأخذ وقتاً لدراستها واجراء التجارب اللازمة عليها وبالتالي تقبُل المجتمع لها، لذلك كشف العديد من العلماء والباحثين حول العالم عن علاج لمرض السرطان وقاموا بدراسات كثيرة منها دراسة امريكية- فرنسية تقول بأن الصيام يحسن فعالية الكيمياوي ويقلل حجم السرطان او من خلال تقوية الجهاز المناعي الذي بدوره سيقاوم تلك الخلايا الغير منتظمة او عن طريق تجميع الجسيمات النانوية القادرة على اختراق الخلايا السرطانية، والكشف المبكر عن السرطان وعلاجه، و كيفية تجميع هذه الجزيئات النانوية عن طريق التفاعلات الكيميائية فى المحاليل الحمضية، حيث تحوى البنى النانوية على الذهب والسيسبلاتين "الدواء المستعمل فى العلاج الكيميائى للسرطان" أن الجسيمات النانوية عندما تدخل إلى داخل الخلايا السرطانية يتم تعريضها للإشعاع، الأمر الذى يجعل الذهب يطلق إلكترونات تدمر الحمض النووى لخلايا السرطان وبنيتها، وبالتالى ترتفع نسبة نجاح العلاج الكيميائي، ومن ميزات الجسيمات النانوية هو إمكانية إدخال الجزيئات الحيوية عن طريقها، مثل الأجسام المضادة، وبالتالى السماح لهذه الجزيئات باختراق الخلايا السرطانية، وذلك يدرج تحت العلاج المناعي بالاضافة الى العلاج الدوائي والاشعاعي والتدخل الجراحي واخيرا في خطوة كبيرة قد يشكل ثورة في عالم الصحة، اجازت هيئة الغذاء والدواء الامريكية(FDA) دواء يطلق عليه بــ (فيتراكفي  Vitrakvi) والاسم العلمي له (LAROTRECTINIB)،  يمكنه معالجة السرطان ويأتي على شكل حبوب للبالغين وشراب للأطفال يعالج الطفرات الوراثية للأورام السرطانية، وبين الاطباء دواعي استعماله والتي هي:

  1. في حال كان الورم نتيجة جينات "NTRK" شاذة.
  2.  إذا انتشرت الخلايا السرطانية في الجسم، أو إذا كانت الجراحة لإزالة السرطان ستسبب مضاعفات معقدة.
  3. إن لم تعد هناك طرق علاج أخرى مقبولة، أو إذا لم يستجب السرطان للعلاجات الأخرى وانتشر بشكل أكبر
  4. . وفي حال وصف الطبيب دواء فيتراكفي للمريض، فيجب أن يجربه أولا على المريض ليتأكد من أنه العلاج المناسب له بجرعات صغيرة، قبل أن يطلب منه استخدامه بكميات أكبر.

ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان "فيتراكفي" مناسبا وآمنا للاستخدام، للأطفال أصغر من شهر واحد.

ولا يزال هذا المرض حديث العصر، فهل سينتهي بإنتهاء المسببات ومعالجتها ام بالوقاية منها ام ان هنالك مسببات ومصالح خفية تكمن في استفحاله وانتشاره في المجتمع؟

 

 

وفاء فوزي حمزة

قسم الدراسات الاجتماعية