سياسة اوروبا الالكترونية ضد الارهاب والتطرف

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2019-02-10 20:32:34

 

دراسة

م.د حسن سعد عبد الحميد

 

المقدمة

  لم تعد الحرب على الارهاب بتلك الحرب التقليدية المعروفة، لم تعد حرب قنابل وصواريخ، ولم تعد حرب معارك وجغرافيا وصدام مباشر، بل اصبحت حربا ذكية، حرب عقول، حرب تقنيات وتكنولوجيا المعلومات، حرب المنتصر فيها من يجيد توظيف تطبيقاتها على نحو افضل وامثل .

 ومنذ مدة ليست بالقصيرة لاتزال تلك الحرب قائمة، يتقدم فيها الارهاب تارة، واوروبا تارة اخرى، وفي هذه الدراسة نستعرض الجهود الاوربية المقدمة بمجال مكافحة الارهاب الكترونياً، مع الاستشهاد ببعض النماذج الاوربية بهذا الصدد .

في الواقع اعاد الانترنت اعادة تشكيل الحياة الاجتماعية الانسانية على نحو غير مسبوق، والتي اصبحت تؤثر في حياة الانسان بدقة لامتناهية – واوروبا ليست استثناء منها -، فالمجتمع الاوروبي يعيش العصر الرقمي، وغالبية مواطنيه لهم القدرة والقابلية السهلة للوصول الى الانترنت، حيث اشارت بعض الدراسات الى ان اكثر من (84%) من سكان الاتحاد الاوروبي يستخدمون الانترنت يومياً .

   ومن هذا المنطلق اتجه الارهابيون نحو التطرف العنيف بصورة متزايدة وعبر المجتمع الرقمي الواسع، لنقل انشطتهم بسلاسة عبر الانترنت وبدون ملاحظة احد، بهدف التأثير باكبر قدر ممكن من الجمهور . حيث استطاع الارهابيون من التكيف مع التقنيات الحديثة وتوسيع نطاق العمل فيها، ونشر رسائل التطرف بصورة اوسع . اذ تمكن المتطرفون من اجادة التعامل مع برامج سطح المكتب والمنشورات الاعلامية ذات الجودة العالية (مقاطع فديو، ملصقات، منشورات، نشرات اذاعية، تقارير نصية، مجلات رقمية، بمختلف اللغات)، واصبحت تلك الامكانيات المتاحة للارهابيين عبر الانترنت مصدر خوف وقلق مستمر لصانعي السياسيات في اوروبا، بعدها مصدر تهديد عالي للامن القومي الاوربي، وهذا ما تسعى الدراسة الى تبيانه عبر تحديد نوع الاستجابة والخطوات المتبعة ضد الارهاب الالكتروني في اوروبا .

 ان التطور الحديث في مجال الانترنت قدم فرصة لاولئك الذين يسعون الى توظيفها بمجال الارهاب، واستخدامها للتواصل والتجنيد والاقناع . ومن هذا المنطلق ونظراً لتزايد مخاطر توظيف الانترنت في اوروبا بمجال الدعاية الارهابية، اتجهت اوروبا نحو صياغة سياسة عامة رقمية عامة وخاصة لمواجهة تأثيرات الانترنت في مجال التطرف والعنف والارهاب بكل اشكاله .

 

أولا: الجهد الاوربي العام

 يعد تنظيم داعش الارهابي مرحلة متقدمة من المراحل الخاصة بالارهاب والتطرف والعنيف، والصورة الاكثر بشاعة وسوداوية في تاريخ الفكر الارهابي . ذلك التنظيم الذي اصبح الشغل الشاغل لصناع القرار في اوروبا، وكيفيه وضع حد لافكاره وانشاره في المجتمع الاوروبي . أذ اخذت الجماعات المتطرفة المؤيدة لداعش في دول الاتحاد الاوربي باستخدام الانترنت لحشد الدعم والتمويل والتأييد للتنظيم، وعبر وضع اعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لتمويل تنظيم داعش بدعوى التبرع للاجئين، وبث افكار الجهاد ضد من يسموهم (اعداء الاسلام) في العالم . وقد استخدمت التنظيمات المتطرفة هذا الاسلوب بكثرة في المانيا، عن طريق تجنيد الفتيات والاطفال للالتحاق بصفوف داعش في العراق وسوريا، فضلاً عن استخدام المحادثات عبر الانترنت لتنسيق خطط الهجوم على منشأت داخل اوروبا وباسم تنظيم داعش .

 وبناء على ذلك اتجه الاتحاد الاوربي بالمضي قدماً نحو محاربة الارهاب والتطرف الالكتروني، باعتبار ان الارهاب الرقمي عبارة عن معارضة سوداء لا اخلاقية ضد القيم الديمقراطية وقيم حقوق الانسان والتسامح الديني . حيث اثبتت الاحصائيات في خانة البحث على صفحات الانترنت تزايد تلك المخاطر من حيث ارتفاع نسب البحث ونتائجه الخاصة عن المواضيع الاتية :

كيفية صنع قنبلة = 1,830,000

منشورات سلفية = 46200

قطع الرأس بالفديو = 257000

  وفي سبيل الحفاظ على قيم المجتمع الاوربي، اتجهت اوروبا نحو وضع سياسة عامة للاتحاد الاوربي لمواجهة خطر ارهاب الانترنت وعبر :

 1- تطوير طرق رقمية لعرقلة تجنيد الارهابيين باستخدام الانترنت .

2- دعم مبادرة التحقق من الويب التي طرحها المجلس الاوربي، والتي تهدف الى تعزيز التعاون في مجال مصادر الانترنت المفتوحة .

3- مراقبة الخدمات السمعية والبصرية وعدم احتوائها على اي نوع من التحريض على اساس العرق أو الجنس أو الدين أو اللون .

4- تمويل مشروع تكنولوجيا المعلومات النظيفة المسؤولة عن تمويله الاتحاد الاوربي، لدعم التواصل والحوار بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني لاستكشاف كيفية الحد من استخدام الارهابيين للانترنت(1) .

5- دعم الورش الخاصة حول استخدام الانترنت لتعزيز قيم التسامح والاعتدال، ودحض فرضيات الخطاب المتطرف عبر الانترنت .

6- الاستعانة بالخبراء في قضايا التطرف بشأن مخاطر التطرف على المجتمع المحلي .

7- تقديم دراسات حول كيفية بدء المتطرفين الارهابيين في العمل والبحث والتخطيط  لاعداد مواد رقمية عبر الانترنت، في ظل انتشار فلسفة الجهاد في المنزل التي سبق ان اطلقها ( انور العولقي ) .

وانطلاقاً من مبدأ (لا ينبغي لداعش والارهاب أن يجد مساحة امنة للعمل )، حددت المفوضية الاوربية دورها في مواجهة الارهاب الالكتروني وفق المهام الأتية:

1- تعزيز وكالة الاتحاد الاوروبي للادارة التشغيلية لنظم تكنولوجيا المعلومات على نطاق واسع لمكافحة الدعاية الرقمية المتطرفة .

2- طرح تدابير تشريعية لمعالجة التشتت والغموض القانوني المرتبط بحدف المواقع الالكترونية ذات المحتوى الارهابي .

3- تنفيد سياسات اوروبية واعتماد ميثاق عمل اوروبي لمحاربة داعش على الانترنت .

 ثانياً: الجهد الاوربي الخاص

  في الاونة الاخيرة اخذت التنظيمات الارهابية ( داعش انموذجاً ) ببث فديوهات ومواد فلمية وصور خاصة في اليوتيوب والسناب شات والانستغرام خاصة بالتجنيد بعيدة عن الاسلوب التقليدي المتبع المتعارف للتنظيمات الخاص بالقتل الجماعي وقطع الرؤوس، حيث اتبع تنظيم داعش الارهابي استراتيجية الكترونية جديدة موجهة للمجتمع الاوروبي قوامها تحريض الفتيات الاوروبيات على كسر النمطية والتقليد، والترويج لفكرة الزواج من افراد من داعش، وبوصها مغامرة مثيرة تستحق التجربة، أذ يتم عرض افراد التنظيم على انهم محاربين اقوياء اشداء، وانه فارس الاحلام القوي الذي لا يهاب الاخطار، وان الدواعش هو اناس لطفاء يلعبون ويداعبون القطط كوسيلة للتغرير بالفتيات الصغيرات في اوروبا .

 وبهذا الصدد اثبتت بعض الدراسات الاكاديمية ان الانتماء للتنظيمات الارهابية ليس قائماً على المعطى الديني، بل يتعلق كذلك بالرغبة في المخاطرة وتحقيق الذات . واستندت تلك الدراسات على حالة القبض على فتاة المانية تدى (ليندا وينزيل) في العراق عام (2017م)  طالبة في عمر (16) سنة، تعمل قناص لدى داعش، والتي انتحلت صفة والدتها لشراء تذاكر وعمل وثائق مزورة للسفر الى تركيا ومن ثم العراق، ونشرت صورها على الفيسبوك وهي ترتدي زي تنظيم داعش الارهابي، والتي تم تجنيدها عبر الانترنت والتغرير بها بفكرة المغامرة والزواج من افراد داعش.

وبناءاً على ذلك انتهجت المانيا اساليب وقائية للحد من الارهاب الالكتروني ووفق الادوات الاتية :

1- تطوير نظام رادار داعش*

   وهو نظام للكشف المبكر على الارهاب، تم تطويره من قبل الامن الالماني وبالتعاون مع علماء النفس الشرعي وعلماء الاجتماع في جامعة كونستانس الالمانية، حيث يعتمد النظام في التحليل على السلوك الذي يمكن ملاحظتة للمشتبه فيه، بدلاً من ايديولوجيتهم أو معتقداتهم الدينية، وباستخدام اكبر قدر ممكن من المعلومات التي يمكن استخلاصها حول حياة المشتبه بهم .

يعمل هذا النظام الرقمي عبر وضع مجموعة من الاجابات ل ( 73 ) سؤالاً لتقييم المخاطر، ووفق مقاييس ثلاث ( خطر عالي، خطر ملحوظ، خطر معتدل ) لقياس احتمالية عنف الشخص المشتبه .

 ان نظام رادار داعش شهد العديد من التحديثات والتي طورتها مؤخراص وكالة الاجرام الفيدرلية الالمانية

 في ملاحقة المتطرفين عبر توظيف المراقبة الالكترونية والاتصالات الرقمية وبيانات الانترنت، (BKA)  

وللاشخاص الذين يستخدمون برامج الكترونية مشفرة وبرامج التواصل الاجتماعي ونشر التطبيقات بهدف التجنيد للمجموعات الارهابية، وملاحقة الاشخاص الذين يعدون تهديداً ارهابياً دون ان يرتكبوا اي جريمة .

ومع حداثة هذا النظام ودخولة لحيز الخدمة لا يزال من المبكر الحكم عليه حول مدى الفعالية ومدى اسهامه في تحقيق الاهداف المرجوة منه .

2- فرض غرامات على شركات التواصل الاجتماعي قد تصل الى ( 50 مليون يورو ) في حال اخفقت أو تاخرت في حذف المحتويات الرقمية الارهابية .

3- تاسيس الجيش الالماني لقيادة أمن الانترنت وبواقع (14500) موظف .

  اما فرنسا العضو الفاعل في الاتحاد الاوروبي فهي الاخرى اخذت على عاتقها اتباع عدد من الاجراءات لحماية الامن الرقمي من التهديدات الارهابية الالكترونية، ومن خلال :

1- تزويد مشغلي الانترنت والقائمين على مواقع التواصل الاجتماعي بادوات مكافحة التطرف .

2- دعم الافكار المعارضة للخطاب الدعائي التكفيري الرقمي، ونشرها الكترونياً .

3- عقد اتفاقيات مع شركات الانترنت لحذف المحتوى المتطرف .

4- مراجعة حسابات التواصل الاجتماعي دون الاخذ بموافقة قضائية والاكتفاء بموافقات ادارية .

5- الزام مزودي الانترنت بتسليم السلطات الفرنسية اي بيانات يمكن ان يجمعوها عن الارهاب .

6- القيام بمهام الاختراق الالكتروني والاتصالات الهاتفية والرسائل الالكترونية .

 أما بريطانيا وبصدد محاربة الارهاب والتطرف الالكترونية قامت بانشاء هيئة تنظيمية مستقلة تتمتع بسلطة فرض الغرامات على شركات الانترنت، واصدار تشريعات تجعل من حيازة المواد المتطرفة الرقمية والترويج لها جريمة . فضلاً عن مطالبة شركات التواصل الاجتماعي بحذف ومنع انتشار المحتوى الارهابي في وسائل التواصل الاجتماعي . زد على ذلك اتجاه بريطانيا نحو تطوير برامج الكترونية تمنع تحميل ونشر وتصفح المحتوى العنفي الارهابي . وبدورها انشات وزارة الداخلية البريطانية وحدة الانترنت لمكافحة الارهاب، حيث تتكفل الوحدة بازالة اي محتوى غير قانوني من على الشبكة العنكبوتية، وتحديد وتتبع الافراد المسؤولين عن نشر هكذا مواد وتقديمهم للمحاكمة وفق بنود الترويج للارهاب وتمجيده .

 ومن ناحية اخرى اتجهت بلجيكا نحو قرصنت المواقع الارهابية والتنصت على المكالمات، وتعزيز نشر الخطاب المناهض لخطاب التطرف، الزام شركات الاتصالات التعاون مع الاجهزة الامنية بهذا الصدد بعدها استراتيجية خاصة لمواجهة الارهاب الرقمي .

 وعلى نفس الخط اعتمدت سويسرا على سياسة متابعة الحسابات المصرفية والتحويلات المالية للمتطرفين، وانشاء جهاز شرطة خاص لأمن الانترنت والمعلومات، وتزويد جهاز الاستخبارات الفيدرالي السويسري بادوات رقمية حديثة تتيح له التنصت على المكالمات الهاتفية ضمن مسعى اوروبا نحو ضرورة مكافحة الخطر الارهابي بصورة اكثر فاعلية من ذي قبل .

وعلى الرغم من هذا الجهد الكبير التي تم بذله في مجالة مكافحة التطرف الالكتروني، الا انه لا تزال قضية المعالجة صعبة للغاية، فالمعالجات لا تزال محدودة، ولا يزال تتبع الافراد عبر الانترنت ومنشوراتهم المتطرفة يعوزه الكثير من الجهد مستقبلاً في ظل توجه التنظيمات الارهابية نحو اساليب بديلة جديدة في الدعاية والتجنيد الالكتروني .

  

 

المصادر

1- FOR more information see , Ines von Behe , and other , Radicalisation in the digital era , the use

*RADAR – ITE    الاسم العلمي لنظام رادار داعش .