ظاهرة التحرش بالنساء وموقف القانون العراقي منها

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-01-22 15:57:50

            

 تسعى الدول الى تحقيق الأمن والنظام في المجتمع وهي في سبيل ذلك تتبع اجراءات معينة تهدف من خلالها إقامة النظام والأمن في المجتمع فضلاً عن توفير الخدمات اللازمة للموظفين وتحقيق الصالح العام .

فتباشر الدولة من خلال سلطاتها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) نشاطاً تهدف به تحقيق الاستقرار في ظل النظام العام وعناصره المتعلقة بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة والآداب العامة، وإذا كانت هذه النشاطات أو الإجراءات تتبع من قبل سلطات الدولة ككل إلا أن العبء الأكبر لضمان تنفيذ التشريعات والأنظمة والقوانين يقع على عاتق السلطة التنفيذية إذ تضطلع هيئاتها بواجبات تتلامس مع حياة الأفراد اليومية وسلوكهم لذا نجد أن هيئات الضبط الإداري وتحديداً وزارة الداخلية هي الأقرب لتحقيق ما يطلق عليه الضبط الإداري بالمعنى الخاص وهي تحقق ذلك من خلال ضمان حسن تنفيذ القانون ومواجهته للجرائم والظواهر المنافية للأخلاق أو التي تحدث خللاً في النظام العام في حال تزايدها ومثالها ظاهرة التحرش بالنساء. فما هي هذه الظاهرة ؟

        يذهب الدكتور أمجد هادي الى تعريف التحرش الجنسي بأنه تصرف عدواني يصدر عن شخص بقصد الاعتداء على كرامة وحرية المرأة الضحية من دون رضاها مما يولد لديها مشاعر أرتباك أو انزعاج أو قرف يؤثر على ادائها في الدراسة والعمل ويشوش تفكيرها.

       ويعرف أيضاً بأنه ((تلك الألفاظ غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطبيعة الجنسية التي تمثل انتهاكاً للجسد ولمشاعر وخصوصية الضحية والتي تشعر معها الضحية بعدم الراحة والأمان والخوف والإساءة والإهانة وغيرها من المشاعر السلبية)).

       كما يعرف بأنه الأفعال الفاضحة المخلة بالحياء الواقعة على ذكر أو أنثى والتي ترتكب بصورة علنية أو خاصة.

       أما قانوناً فلم يورد المشرع العراقي تعريفاً محدداً للتحرش في ظل قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969المعدل النافذ ولم يورد لفظ التحرش مطلقاً بل أورده ضمن الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة فقد نصت المادة (402) من قانون العقوبات العراقي على ان:(

1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين.

       أ- من طلب أموراً مخالفة للآداب من آخر ذكر كان أو أنثى.

       ب-  من تعرض لأنثى في محل عام بأقوال أو أفعال أو إشارات على وجه      يخدش حياءها.

2- وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر والغرامة التي لا تزيد على مائة دينار، إذا عاد الجاني الى ارتكاب جريمة أخرى من نفس نوع الجريمة التي حكم من اجلها خلال سنة من تاريخ الحكم السابق).

أشار النص الى أنه يتضمن طلب أمور مخالفة للآداب من آخر ذكراً كان أو أنثى أو قد يتضمن التعرض لأنثى في محل عام بأقوال وأفعال أو إشارات على وجه يخدش حياءها ، في حين ورد تعريف التحرش الجنسي في  ظل قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 النافذ إذ أشار الفصل الثالث المتضمن المبادئ الاساسية للقانون بأن التحرش الجنسي ((أي سلوك جسدي أو شفهي ذو طبيعة جنسية أو أي سلوك آخر يستند الى الجنس ويمس كرامة النساء والرجال ويكون غير مرغوب وغير معقول ومهيناً لمن يتلقاه ويؤدي الى رفض أي شخص أو عدم خضوعه لهذا الوضع صراحة أو ضمناً لاتخاذ قرار يؤثر على وظيفته)) كما نص في الفقرة ثانياً من المادة (11) منه على أن ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد الواردة في هذا الفصل والمتعلقة بتشغيل الأطفال والتمييز والعمل القسري والتحرش الجنسي وفق كل حالة)).

        مما تقدم نجد أن التحرش مفهوم واسع لم يتفق الفقه والقانون على وضع تعريفاً جامعاً له فضلاً عن كونه يقع ضد المرأة والرجل على حد سواء  الا انه يمكن القول بأن التحرش الواقع ضد النساء هو(( مجموع الأقوال والأفعال المنافية للأخلاق والتي تتعرض لها المرأة سواء في الشارع أو المدرسة أو الوظيفة أو المطاعم أو الأماكن العامة والخاصة وحتى في إطار الأسرة إذ أنه قد يقع من قبل الأقارب أو المعارف، والتي تمس كرامتها وسلامتها الجسدية وتخدش حياءها)).

       وتظهر مشكلة الخلط بين مفهوم التحرش الجنسي والاعتداء الجسدي إذ أن هناك العديد ممن يخلطون بين مفهوم التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي الجسدي إلا أن هناك تباين بين المفهومين، فالتحرش كما أسلفنا يتضمن مجموعة من السلوكيات التي يصعب وصفها وهو بخلاف ما يحدث في حالات الاعتداء الجسدي الذي يقع أيضاً ضمن مفهوم الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة إلا أنه يتضمن جريمة اغتصاب الأنثى وجريمة هتك العرض فضلاً عن الفعل الفاضح المخل بالحياء والذي يندرج تحت مفهوم التحرش. فالاغتصاب يمثل اعتداءً جنسياً وجسدياً يقع على أنثى أو يعرف بأنه (الوقاع غير المشروع لأنثى مع العلم بانتفاء رضاها) لذا نجد يتشابه التحرش مع الاعتداء الجنسي الجسدي بأن كلاهما يقعان ضمن مفهوم الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة والواقعة ضد المرأة.

وان كل من التحرش والاعتداء الجنسي الجسدي يمس كرامة المرأة ويشكل إهانة لمشاعرها وجسدها.

       إن النصوص القانونية قد عالجت التحرش الواقع على الرجل والمرأة بشكل عام والمرأة بشكل خاص بواسطة هيئات الضبط الإداري المختصة بتشريع القانون وتنفيذه والمحاسبة بصدده الا اننا نراها معالجات بحاجة الى المزيد من الفعالية والتفصيل والتنفيذ.

       فقانون العقوبات يعنى بالحد من الأفعال والسلوكيات المندرجة تحت مفهوم التحرش سواء أكان في الأماكن العامة كالشارع والمدرسة والمطعم أو الأماكن الخاصة  في  حين نجد أن قانون العمل اكد على محاربة هذه السلوكيات إلا أن نطاق تطبيقه يكون في بيئة العمل ويمس المرأة والرجل على حد سواء وبذلك نجد أن القانون العراقي حارب هذه السلوكيات غير المقبولة إلا أننا نجد أن هذه السلوكيات أصبحت تشكل خطراً يهدد المجتمع إذ ازدادت حالات التحرش بالنساء في العراق في الآونة الأخيرة رغم وجود النصوص القانونية المعالجة لها  الا انها وكما اسلفنا تحتاج الى المزيد من الفعالية والتنفيذ , وفي سبيل الحد من انتشار هذه الظاهرة نرى أن يتم تشديد العقوبات الواردة في القانون وزيادة مبلغ الغرامة المفروضة على المتحرش فنجد أن قانون العمل فرض غرامة مالية تصل الى مليون دينار في حين أن قانون العقوبات الذي يعد القانون المختص بمعالجة التحرش لا زالت نصوصه قاصرة  فمبلغ الغرامة المفروضة على المتحرش لا تزيد على ثلاثين ديناراً وهذا لا يتناسب مع دور القانون والأسباب الموجبة من تشريعه في الحد من الجرائم الماسة بكرامة الإنسان وشرفه بشكل عام والأنثى بشكل خاص فضلا عن ضرورة التوعية من خلال وسائل الاعلام بخطورة هذه الظاهرة وأقامه المحاضرات والندوات التثقيفية لطلبة الجامعات والمدارس لغرض الحد من تفاقمها .

 

 

    د. ميسون علي عبد الهادي                                                  

جامعة بغداد – مركز دراسات المرأة