رُبَّ ضارةٍ نافعة ….. زيارة يلدرم الى العراق

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-21 17:11:51

شهدت العلاقات العراقية التركية منذ العام(2011) فترات متباينة تراوحت ما بين الفتور والتصعيد، ولم تمنع تلك التوترات بالرغم من ذلك مسؤولي البلدين من التواصل. ويتجسد ذلك فيما ستشهده الايام القليلة القادمة من زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء التركي (بن علي يلدرم) إلى بغداد، إذ تعد هذه الزيارة الثانية لمسؤول تركي رفيع المستوى إلى بغداد منذ نحو عامين، لاسيما بعد التوتر الكبير الذي شهدته العلاقات بين البلدين، على خلفية التواجد العسكري التركي في معسكر بعشيقة شمال العراق، وما سببته من أزمة دبلوماسية كبيرة بين البلدين الجارين. لكن الزيارة المرتقبة تختلف هذه المرة عن سابقتها؛ إذ أنها ستقتصر على مناقشة قضية محددة وهي قضية استفتاء الاكراد في شمال العراق وما سببته من أزمة اقليمية، بعد أن تجاوز كونها مجرد مشكلة داخلية، لتنعكس اصدائها اقليمياً ودولياً، وتجسد تهديداً خطيراً للأمن القومي العراقي والتركي فضلاً على الايراني على حدٍ سواء.

بالتالي، ما يدفعنا الى الاعتقاد بأن هذه الزيارة ستشهد توحيداً للموقف العراقي والتركي تجاه إصرار حكومة اقليم شمال العراق وتعنتها بإجراء الاستفتاء، على الرغم من الاعتراضات الكبيرة محلياً واقليمياً ودولياً، الأمر الذي دفع حالة العلاقات العراقية-التركية الى تجسيد القول المأثور: (رُبَّ ضارةٍ نافعة)، كونه ادى الى تقريب وجهات النظر العراقية والتركية بهذا الخصوص، إذ لم تتردد الحكومة التركية بإصدار العديد من البيانات والمناشدات التي دعت حكومة الاقليم إلى التراجع عن اجراء ذلك الاستفتاء، وعرضها الوساطة بين حكومتي الاقليم والمركز من اجل إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العالقة بينهما، إلّا أن جميع هذه المساعي والعروض والاغراءات التركية لم تفلح في نهاية المطاف في ثني حكومة شمال العراق عن التراجع عن عزمها بإجراء الاستفتاء، على الرغم من إدراكها بأن التصعيد لا يصب في مصلحة كل من الاقليم وتركيا، حيث تتمتع العلاقات بين الطرفين بانتعاش كبير على المستوى التجاري والدبلوماسي والعسكري، بحيث اضحى اقتصاد الاقليم مرتبط بصورة تامة بتركيا لاسيما في مجالي الطاقة والاستثمار. ولكن متطلبات الامن القومي التركي وضروراته تبقى لها الاولوية العليا على غيرها من التعاملات الخارجية التركية، كون أن مثل هذه الخطوة لو كُتب لها النجاح، لكان من شأنها أن تشكّل حافزاً كبيراً لأكراد تركيا على المضي قدماً بمطالبة الحكومة التركية بإجراء استفتاء تقرير المصير على غرار ما فعله اكراد شمال العراق، بالرغم من التطمينات الكبيرة التي قدمها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الى الحكومة التركية.

إن قراءة تحليلية دقيقة للقضية توضح بأن اهم اسباب توتر العلاقات العراقية-التركية تتمثل في تعقيدات القضية الكردية، حيث أنه كلما اقتربت بغداد من انقرة ابتعدت اربيل بالنتيجة عن انقرة وبدأت المشاكل الكردية تطغى على الحدود، وبالعكس من ذلك نرى أنه كلما اقتربت اربيل من انقرة ابتعدت بغداد عن انقرة وتزايدت التوترات بينهما وشهدت المزيد من التصعيد الدبلوماسي، بالتالي أدرك السياسيون الاتراك ان بغداد في نهاية المطاف هي من تحفظ الأمن القومي التركي وليست اربيل.

وفي الختام، يتبادر الى الذهن أن نطرح تساؤلاً حول طبيعة العلاقات التي يفترض أن تكون بين البلدين الجارين: تركيا والعراق، تحديداً ماذا يريد العراق من تركيا؟ وماذا تريد تركيا من العراق في المرحلة المقبلة؟

 

حسين اصلان