دور الناتو في عملیات الإستقرار بعد الخلافة / مقال مترجم

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 21:49:24

الضربة الصاروخیة الأمریكیة علی القاعدة الجویة التی أطلق منها الرئیس السوري بشار الأسد الهجوم بالأسلحة الكیمیائیة علی المدنیین السوریین أثارت النقاش بشأن الإستراتیجیة الأمریكیة في المنطقة. لقد تحدثت إدارة ترامب عن ضرورة رحیل الأسد، لكن ذلك قد یستغرق وقتاً طویلاً ویواجه المعارضة من قبل الروس. نظراً لخسائر الدولة الإسلامیة (داعش) المتزایدة في العراق، سوریا، ولیبیا، توجد حاجة ملحة وفرصة ذهبیة لإستراتیجیة للتعامل مع المشكلة المرتبطة بخیاطة الجروح التي تخلفها هزیمة داعش الوشیكة.

هناك حاجة إلی إتخاذ خطوات لملئ الفراغ الذي یُترك بعد إنهیار الخلافة، لئلا تنقلب القوات علی الأرض – العرب السنة والشیعة، الكرد، وعملاء الإیرانیین – ضد بعضها البعض لكسب السیطرة.  الولایات المتحدة لم تعد تتحمل أن تدیر ظهرها علی هذه المخاطر لفترة ما بعد داعش اكثر من تحملها للمسؤولیة الكاملة بشأن ذلك. الجواب هو أن علی الناتو العمل تحت قیادة الولایات المتحدة. البدیل هو إما الفوضی وإما ملئ الفراغ من قبل إیران، المدعومة من روسیا، مع اضرار جسیمة ضد مصالح الولایات المتحدة والحلفاء في أي من الحالتین.

الناتو هي المنظمة الأمنیة الوحیدة التي لدیها المهارات والمساحة للقیام بهذه المهمة. التحالف المضاد للدولة الإسلامیة (داعش) بقیادة الولایات المتحدة والذي یتكوّن من 6۸ شریك هو غیر مجهز للمشاركة في هذه المهمة المعقدة. یجب أن تقوم منظمة أكثر تماسكاً مثل الناتو بالقیادة، لكن بطرق تسمح بالمشاركة العربیة المستمرة. النسخة الإبداعیة من تحالف قوات المساعدة الدولیة لإرساء الأمن في أفغانستان (ISAF) بقیادة الناتو قد تقدّم الجواب بخصوص هذه المسئلة.

الظروف السیاسیة في فترة ما بعد الخلافة ومهام إرساء الإستقرار المحتملة تختلف في هذه البلدان الثلاثة. سیتعین تصمیم المهام بشكل منفصل ولكن مرتبط. تلك المهمات قد تسترشد بثلاثة مبادئ.

اولاً، یجب أن تخلق الظروف السیاسیة للنجاح في كل بلد. تدخّل الناتو قد یساعد في خلق هذه الظروف.

في العراق، یجب أن یدرك رئیس الوزراء العبادي أن المنطقة السنیة حول الموصل تحتاج إلی درجة من الحكم الذاتي السیاسي ولا یمكن الهیمنة علیها من قبل القوات الشیعیة والكردیة التي تقود الآن مهمة تحریر المدینة. الهیمنة علی السنة العراقیین قد یؤدي إلی ردة فعل عنیفة أخری. منظمة محایدة مثل الناتو قد تساعد في خلق بیئة اكثر مواءمة.

في سوریا، قد یمكن تشكیل منطقة آمنة إنتقالیة في المنطقة التي تقع الآن تحت سیطرة الدولة الإسلامیة (داعش). الكثیر من الكیانات بدءاً من حكومة الأسد، حتی تركیا، حتی المیلیشیات بالقیادة السنیة، حتی الكرد، حتی العناصر المتبقیة من الدولة الإسلامیة (داعش)، سوف تتنافس بأجمعها من اجل النفوذ. دون وجود نوع من الترتیب الإنتقالي المتفق علیه، الصدام في مرحلة ما بعد الخلافة سیجلب المزید من اللاجئین السوریین والإرهابیین إلی اوروبا.

في لیبیا، التوصل إلی إتفاق جدید في روما بین مجلس الدولة والبرلمان المتحاربین، قد یضع المرحلة لمسعی جدید لإرساء الإستقرار. لا تزال هناك حاجة إلی التوصل إلی تسویة بخصوص دور الجنرال خلیفة حفتر في أي حكومة جدیدة.

في كل من الحالات الثلاث، سیتعیّن وجود درجة من الشرعیة الدولیة لهذه العملیات في فترة ما بعد الخلافة (داعش). هذا قد یشمل الطلب من قبل السلطة الحاكمة المعترف بها دولیاً او / و قرار من مجلس الأمن في الأمم المتحدة. في حالة العراق ولیبیا، الحكومة المعترف بها دولیاً قد تطلب ربما بقوة إرساء الإستقرار وبذلك سیكون من الممكن التوصل إلی قرار من مجلس الأمن. قد تكون سوریا اكثر إشكالیة نظراً للواقع بأن حكومة الأسد سوف لا تطالب بأیة عملیات من شأنها أن تضعّف إدعاءاتها السیاسیة‌، كما أن لدی روسیا حق الفیتو في مجلس الأمن في الأمم المتحدة. قد تكون هناك حاجة إلی ترتیب لفترة ما بعد الخلافة في سوریا بین روسیا والناتو من اجل التوصل إلی الشرعیة الدولیة. بخصوص المتطرّفین، لو ثبت وجود تعنّت تام لدی روسیا، قد یكون للناتو الخیار بالمضي قدماً تحت سلطتها هي، كما فعلت في الكوسوفو في نهایة العقد ۱۹۹۰.

ثانيا، هو ضرورة أن تكون مهام الناتو مقیّدة بشكل دقیق وأن یتم تصمیم إستراتیجیات الخروج. لا یمكن السماح إلی أن مشاركة الناتو في هذه المنطقة تقوّض المهمة الأساسیة لدی الناتو الیوم في ردع التوغلات الروسیة في منطقة الناتو.

في العراق، إنتشار قوة صغیرة من الناتو في مناطق الموصل بالإضافة إلی برنامج تدریبي‌ عسكري للناتو قد یكون كافیاً لمنح السكان السنة الثقة ویقدّم إلی الناتو قوة التأثیر السیاسي في بغداد.

في سوریا، إنتشار قوة أكبر من الناتو حول الرقة مدعومة بالعملیات الجویة سوف تكون مهمة ‌أكثر صعوبة‌ مما هو موجود في العراق. سوف تكون هذه القوة مكلّفة بفرض المنطقة الآمنة الإنتقالیة، ردع التوجهات العسكریة السوریة في المنطقة، هزیمة أية تصرفات إرهابیة لما یتبقی من الدولة الإسلامیة (داعش)، والحفاظ علی السلام بین قوات المیلیشیات التركیة، الكردیة والسنیة في المنطقة.

في لیبیا، مهمة الناتو قد تكون محدودة بقوات العملیات الخاصة التي تؤمّن المنطقة حول سرت أمام نهوض جدید للدولة الإسلامیة (داعش)، حتی توفیر التدریب العسكري للموالین إلی حكومة الوفاق الوطني، و حتی العملیات البحریة التي یتم تعزیزها قبالة الساحل اللیبي للتعامل بشكل أكثر فعالیة مع تدفقات اللاجئین. وجود عدد كبیر من قوات الناتو سوف یكون [بمعنی] غیاب غیر فعال للداعم الوطني القوي لحكومة الوفاق الوطني.

ثالثا، هو ضرورة أن تكون عملیات نشر الناتو هذه مرنة وتعكس تقسیم العمل بما یتناسب مع المصالح الوطنية وقدرات بلدان الناتو المشاركة. سیتوجّب بأن تُحقق المرونة أقصی قدر من المشاركة العربیة في هذه العملیات. توجد إمكانیة‌ أكبر لتقسیم العمل الآن وفقاً للمصالح الوطنیة، نتیجة (مفهوم إطار البلد) الجدید لدی الناتو. وفقاً لهذا المفهوم تقوم بلدان اوروبیة كبری بإتخاذ أدوار قیادیة بتعزیز وتزوید من بلدان الناتو الأصغر.

في العراق، مثلاً، لدی الولایات المتحدة ربما المصلحة الأعظم نظراً لإنخراطها الطویل الأمد هناك. إذاً ان أي قوة إنتقالیة للناتو التي یتم نشرها في الموصل قد تكون بقیادة أمریكیة. البلدان الأوروبیة قد تقوم بدور قیادي في تدریب الجیش العراقي.

في سوریا، ألمانیا وتركیا القوی الكبری التي لدیها المصلحة الوطنیة الأعظم في تعزیز الإستقرار: ألمانیا بسبب تدفقات اللاجئین وتركیا بسبب موقعها. لقد ركّزت ألمانیا جیشها علی عملیات إرساء الإستقرار وإذاً لدیها الخبرة في هذه العملیات. بالإضافة إلی ذلك، المملكة المتحدة هي البلد الإطار لقوة إستكشافیة‌ متمكنة من الناتو. لدی تركیا مصالح فریدة من نوعها في سوریا التي قد تمنع إنتشار كبیر للقوات التركیة هناك. إذاً‌ سیتوجّب تصمیم نوع من التركیبة من هذه البلدان الثلاث. دور الولایات المتحدة قد یكون محدوداً بالقوة الجویة والتعزیز في حال تم التدخل العسكري الروسي.

في لیبیا، قد تقوم ایطالیا وفرنسا بالقیادة نظراً لمصالحهما القویة في شمال افریقیا. قد یقاوم كلا البلدین تدخل الناتو القوي وبذلك قد یقوم التحالف بدور داعم.

هذه العملیات، رغم أنها مختلفة تماماً، تملك ما یكفي من القواسم المشتركة‌ وبذلك یمكن تنسیقها تحت مظلة تماثل تحالف قوات المساعدة الدولیة لإرساء الأمن في أفغانستان. الناتو، إسترشاداً بهذه المبادئ الثلاث، یمكن للناتو أن یساعد في حمایة مصالحه وإرساء الإستقرار في هذه المنطقة دون الإلتزام بها اكثر من اللزوم.

لا یمكن لإستراتیجیة الناتو أن تقوم بتسویة الحرب الأهلیة السوریة، أن تجلب الوئام الإثني والطائفي في العراق او أن تخلق دولة لیبیة فعالة، ولا یجب أن یُتوقع منها ذلك. ما یمكنها فعله هو خلق الظروف للإستقرار التي یكون فیها علی الأقل فرصة للحلول الدائمة. سوف تتمكن من القیام بذلك فقط لو كانت الولایات المتحدة جاهزة لدعوة الناتو للإنضمام إلیها في ملئ الفراغ بعد داعش وعلی الحلفاء الأوروبیین أن یستجیبوا لتلك الدعوة.

* هانس بینندیجك ودیفید غومبرت هما زملاء مساعدین كبار في مؤسسة RAND. بینندیجك عمل سابقاً كمدیر اول في السیاسة الدفاعیة في مجلس الأمن القومي وقام بتحریر «التحول من اجل عملیات إرساء الإستقرار وإعادة البناء». كان غومبرت المستشار الأول للأمن الوطني، سلطة الإئتلاف المؤقتة، العراق، ۲۰۰۳-۲۰۰4.