مقارنة بين مفهومي الاستباقية والوقائية في الاستراتيجية الأمريكية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 21:26:28

صفاء الكناني
ماجستير علوم سياسية وباحث في العلاقات الدولية
مدخل
قبل الولوج الى صلب موضوعنا، من المهم الإشارة الى أنَّ الاستباقية ليست بالاستراتيجية جديدة للعقيدة العسكرية الأمريكية، لاسيّما من خلال تتبع نشأة وتطور هذا المفهوم من خلال الوثائق الأمريكية ومخططاتها الإستراتيجية، كما أنها لم تكن وليدة أحداث 11/أيلول/2001، فهذه الأحداث لم تعمل إلاّ على التسريع في عملية صياغة وتحديد معالم وأركان هذه الاستراتيجية بشكل دقيق ومحكمَ وإدماجها في البناء الإستراتيجي الأمريكي العام، لكنَّ أكثر الكتّاب والمحللين قد خلط بينها وبين مفهوم الوقائية في تفسير الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد العام 2001، فضلاً عن أنَّ الإدارة الأمريكية جمعت بين (الرد الوقائي والاستباقي) في وثيقة الأمن القومي الصادرة عام 2002، لهذا فسوف نعمد إلى توضيح كلاهما بشكل مختصر لتجنب الخلط بينهما، وتحديد ما ما إذا كانت الحرب الأمريكية على العراق استباقية أم وقائية .
الوقائية (Preventive) :
تعني الحرب الوقائية “التحول من الرد على هجوم فعلي إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل لاسيّما إذا تمكنت أجهزة المخابرات من اكتشاف نوايا مبكرة للخصم لشن عمليات عدائية”، وتعرف أيضاً بأنها “أساس مبدأ مهاجمة الخطر واستئصاله من مكان وجوده قبل أن يـــــــــبدأ بالهجوم” ، ويعرفها الباحث الأمريكيّ “نعوم شومسكي” بأنها استخدام القوة المسلحة للقضاء على تهديد ملّفق أو متخيّل، بحيث يبدو اصطلاح وقائي وكأنه عمل خيري. وعليه فإن الوقائية تجد علّتها ومصادرها في الأخطار المحتملة وغير المألوفة التي تهدد الأمن القومي الأمريكيّ، فهي:
إستراتيجية تبقي المؤسسة الأمنية الأمريكية في حالة تأهب دائم واستعداد عسكري ورغبةً في تعقب الجماعات الإرهابية في أي مكان من العالم قبل وقت طويل من وقوع ضــــــــــــــــــــــــرباتها، وفي ذلك يقول الرئيس الأمريكي (بوش الابن) “علينا أن ننقل المعركة إلى العدو، وأن نزعزع خططه ونواجه أسوأ التهديدات قبل أن تظهر” .
إنها إستراتيجية لا تترك مجالاً للدبلوماسية، بما أنها ترفض التروي والانتظار وتؤكد على الحاجة إلى العمل السريع، وتتجاوز العمل من خلال الأُطر المتعددة الأطراف وتقلل من قيمة الشراكات الأمنية وتفضل بدلاً عن ذلك العمل الانفرادي، ويقول في ذلك كولن باول “عندما نحس بضرورة أمر ما، فأننا سوف نقود حتى وإن لم يكن هناك من يتبعنا”.
إنها إستراتيجية تمثل حرب مفتوحة وليس لها سقف زمني محدد، ولقد ابتدأت لكي لا تنتهي أو على الأقل لن تنتهي إلاّ بالتوقيت والطريقة التي يختارها أصحابها”، وهذا ما جاء على لسان الرئيس (بوش الابن) بقوله: ( إنَّ النزاع بدأ في توقيت وشروط الآخرين، وهو سينتهي بطريقة وتوقيت نختارهما نحن).
إنها إستراتيجية غير محددة جيوبولتيكياً، بحيث تعدّ الكرة الأرضية كلها مسرحاً لعملياتها (أي لا تقيم أي اعتبار لمبدأ السيادة وسلامة أراضي الغير)، مع جعل إمكانية تفعيلها خاضعة لتقدير ذاتي وتقييم مصلحي لمعنى التهديد والخطر، كما أنها ترفض أن تكون أهدافها ووسائل تنفيذها مؤطرة بقواعد الشرعية الدولية، وفي ذلك يقول (جون هولمس) الباحث في الفاوندايشن هيرتاج (Foundation heritage) في تسويغه الحرب الوقائية في مقابلة مع (البوسطن غلوب) بأن الولايات المتحدة ليست لديها الوقت الكافي لأن تجعل تدخلاتها تتوافق مع قواعد الحرب (من حرب فريدة غير مسبوقة ليست هناك قواعد للحرب، يجب أن نتحرك أسرع، ويجب أن تكون أكثر عنفاً لحماية شعبك…. وليس هناك شك أن الولايات المتحدة هي القوة التي تضع النظام في هذا العالم) وبهذا يمكن القول أنَّ الفكرة الأساسية (للوقائية) مفادها: إنَّ على الولايات المتحدة السعي الحثيث لإجهاض التطورات والقوى المنذرة بالخطر قبل أن تصبح بحاجة إلى علاجات حاسمة).

الاستباقية (Preemptive) :
تعني الحرب الاستباقية الحرب التي توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلاً في أوضاع هجومية استعداداً لهجوم فعلي، لذلك يجري استباق الخصم بتوجيه ضربة اجهاضية ضد هذه القوات لتشغل هجومها المتوقع، وتعرف أيضاً على أنها الهجوم الذي يُشن على أساس الدليل المحسوس بأن هناك هجوماً وشيكاً لعدو معين. إنَّ الفهم الأمريكي للاستباقية، يعتمد على نوايا مبكرة تراها الولايات المتحدة على أنها عدائية، بمعنى أنها مبنية على الفهم الأمريكي لنوايا الطرف الآخر، حتى لو كان هذا الفهم مبنياً على دلائل غير مؤكدة، وقد عبّرت (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية خلال إدارة الرئيس الأمريكي (بوش الابن) على أن الاستباق والحرب الاستباقية تعني: (منع أعمال تدميرية ضدك من خصم لك، وإن هناك أوقاتاً لا يستطيع فيها الانتظار حتى يقع عليك الهجوم ثم ترد)، وهذا ما اتفقت معه وزارة الدفاع الأمريكية حينما عرفت الاستباقية بأنها (هجوم يتسم بأخذ المبادأة بناءً على أدلة دامغة بأن هجوم العدو وشيك).
إنَّ استراتيجية الحرب الاستباقية تتطلب جملة من الشروط والمرتكزات الأساسية منها شبكة استخبارية عالية المستوى والحاجة إلى قواعد عسكرية ومحطات منتشرة في أنحاء العالم مع وجود احتمالية عالية للاستخدام العملياتي للأسلحة النووية، وعليه عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع تبنيها الإستراتيجية الاستباقية على زيادة القدرات الفضائية وشبكات الكومبيوتر ضد أشكال جديدة من الهجوم، وزيادة القابليات لإرسال قواتها إلى ساحات القتال البعيدة والوصول في أزمنة قياسية وبحيث تكون قادرة على التعاون مع القوات الجوية والبحرية الأمريكية بفاعلية من أجل سرعة ضرب العدو وتدميره، فضلاً عن تطويرها أسلحة جديدة بمجرد حيازتها تؤدي إلى تثبيط همم الخصوم عند المنافسة، ويدخل في هذا الإطار نشر النظام الدفاعي الصاروخي، وإضافة المزيد مما يصفه البنتاغون (بالقدرات قليلة الكثافة عالية الطلب) من خلال زيادة الاعتماد على الطائرات بدون طيار للقيام بمهام الاستطلاع والقيادة والسيطرة وتحويلها إلى (أسلحة خمد) بتحميلها شحنات متفجرة وتوجهها ضد مواقع الخصم الدفاعية.
الخاتمة
بالتأسيس على ما سبق من نقاش لمفهومي ( الوقائية_ الاستباقية ) يمكن القول إنَّهم يعدّون الحرب الأمريكية على العراق عام 2003م (وقائية) على أساس أنَّ العراقَ رُبَّما يضرب يوماً الولايات المتحدة بأسلحة دمار شامل بشكل مباشر أو عبر وكلاء، وهو بهذا يمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، ويمكن لهذا الطرح أن ينطبق على العراق لو كان فعلا يمتلك أسلحة دمار شامل، وأي علاقة بأحداث 11/ أيلول، هذا من جانب، أما الجانب الآخر، فإن الحرب الأمريكية على العراق فاقدة التوازن او تكاد تلغي وجود الطرف الآخر بسبب القدرات والقابليات التي يتمتع بها الجانب الأمريكي مقارنةً بالقدرات والقابليات العراقية، وبهذا فإننا نفضل اســــــــتخدام ( الاستباقية ) لأنَّ الاستراتيجية الأمريكية التي استخدمت أزاء العراق كانت مرتكزة على مبدأ الاستباق أي أخذ المبادرة بالفعل لتحقيق غاية الوقاية من خطر محتمل، فهي (حرب استباقية لغاية وقائية) . وهذا ما ينطبق فعلاً مع ما تم ذكره من تعاريف لكل من وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندليزا رايس) ووزارة الدفاع الأمريكية .