التنشئة الاجتماعية ودورها في الحد من انتشار المخدرات في العراق

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 21:25:00

بقلم : د. كمال محمد صديق امين

أخصائي خدمة اجتماعية

تعد ظاهرة تعاطي المخدرات واحدة من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تواجه المجتمعات الانسانية على اختلاف ثقافاتها ومستويات تقدمها التقني وتطور مظاهر الحياة فيها وطبيعة اوضاعها الاقتصادية والمعاشية … الخ , لعدم انحسار خطرها على الشخص المتعاطي لها انما يتعداها ليشمل مجتمعه المحلي , عائلته , رفاقه , اقاربه , وبالتالي لتشكل خطراً واضحاً على المجتمع بمفهومه العام , وتحديداً فئة الشباب الذين يشكلون جوهر رأس المال الاجتماعي ومحورا ً مهما ً من محاور التنمية البشرية المستدامة في الوقت الحاضر . ففاتورة المخدرات يدفعها المجتمع على كافة المستويات فعلى المستوى الاسري تظهر على شكل مشكلات اسرية وتفكك بالعلاقات وجرائم مختلفة لا يسلم من شرها احد , اما اقتصاديا ً فتنهك ميزانيات الدول لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود , واعادة تأهيل المدمنين وعلاجهم , بعد ان اصبحت المخدرات واحدة من الجرائم المنظمة التي تستخدم التقنيات العالية لتنفيذها .
وفي العراق قد انتشرت تجارة وتعاطي وانتقال هذه ( الآفة الاجتماعية ) بشكل ملحوظ ومثير للقلق بعد عام 2003وخصوصا ً بين الشباب وصغار السن نتيجة لعوامل متعددة ومتداخلة , منها ما خلفته مأسي الحرب والحصار الاقتصادي و تداعيات الاحتلال والارهاب على الآسرة العراقية ولأكثر من ثلاثة عقود من الزمن , وما تحملته نتيجة لذلك من اعباء مضافة اثقلت كاهلها واضطرتها في بعض الاحيان من التنازل والتخلي عن دورها الحقيقي في الضبط الاجتماعي على افرادها كون الاسرة من اهم الوحدات الاساسية التي يتكون منها التركيب الاجتماعي للمجتمع . أضافة الى العجز المجتمعي والمؤسساتي في مواجهة وعلاج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تواجه افراد المجتمع مع ضعف ملحوظ في اداء الاجهزة الرقابية ( المنافذ الحدودية ومداخل المدن والسيطرات ) والاهمال والتقصير في متابعة ورصد هذه الحالات بإجراءات استباقية للحيلولة دون انتشارها , بعد ان كان العراق والى وقت قريب من التاريخ المشار اليه واحداً من البلدان الانظف من حيث تعاطي المخدرات او الاتجار بها او زراعتها بحسب تقارير الامم المتحدة والواقع الحياتي اليومي الذي لمسناه آنذاك.
ونجد ان للانفتاح المجتمعي الذي تعيشه دول العالم لمرحلة ما بعد الحداثة دورا ً مهماً في تبادل الافكار وانتشار الثقافات والعادات والظواهر من مكان لأخر بسرعة كبيرة دون دراسة تأثيراتها السلبية في بعض الاحيان وما تخلفه من تحديات . فلا غرابة ان نلمس التغير في مظاهر الحياة الاجتماعية واحياناً شيوع بعض الانحرافات السلوكية كتعاطي المخدرات بأشكالها المختلفة ( الحبوب – المواد المهدئة والمخدرة – الخشخاش – مادة الكريستال ….الخ ) من المواد الخطرة على صحة ومستقبل شبابنا .
ان مسؤولية التصدي للظواهر الاجتماعية السلبية تقع على عاتق مؤسسات المجتمع ككل وان كانت الاسرة تحظى بالجانب الاكبر منها كونها ذات تأثير قوي في توجيه سلوك ابنائها وتقيدهم بالالتزام بالقيم والتقاليد والاخلاق خلال التربية الاسرية وعملية التنشئة الاجتماعية التي تمثل الخبرة الاجتماعية التي تجري مدى الحياة والتي ينمي من خلالها الافراد طاقاتهم الانسانية الكامنة ويكتسبون الثقافة التي تعلمهم كيفية المشاركة في حياة الجماعة والانسجام بشكل ايجابي مع كل انواع الجماعات الاجتماعية . فالتنشئة عملية مهمة لكل من الفرد والمجتمع اذ ان الفرد بدون اهداف عليا وبدون وسائل سلوكية وفرص تساعده في اكتساب الخبرات والمعلومات والتجارب التي تتطلبها حياته , لا يمكن ان يطور نفسه وينمي قدراته التي يحتاجها المجتمع , فهي اذن عملية تقويمية مستمرة لحياة الانسان تعزز الجوانب الايجابية فيها وتمكنه من التعامل مع ما يصادفه من تجارب بشكل بناء . وتأسيساً على ما تقدم فانه يقع على الاسرة دورا ً مهماً ومحورياً في توعية ابنائها بمخاطر الادمان ومتابعتهم ومراقبة تصرفاتهم بشكل ايجابي بهدف التقويم وتهيئة الاجواء المستقرة التي تتسم بالاطمئنان والمحبة لتجنيبهم مخاطر الانزلاق في عالم الادمان والتعاطي للمواد المخدرة الضارة , وبالإمكان تحقيق ذلك من خلال مراعاة الاجراءات الاسرية الاتية :
خلق شخصية مستقرة ومتوازنة للأبناء من خلال ابعادهم عن مشكلات الوالدين والتي تتطلب حلولاً بعيدة عن مرأى ومسمع الابناء كون ذلك يترك انطباعات سلبية في نفوسهم وخبرات مؤلمة قد تدفعهم الى اللجوء للبدائل عن الاسرة كالرفقة وشلل الاصدقاء والتي قد تخلق منهم اشخاص غير اسوياء .
اتباع الاساليب التربوية الصحيحة في التعامل مع الابناء والتودد والتقرب لهم بغية فهم احتياجاتهم النفسية والاجتماعية وجعلهم اقرب للوالدين من الاخرين خصوصاً في مراحل المراهقة المبكرة والتي تحتاج الى شخص قريب يسمع ويقدم النصح والارشاد .
توعية الابناء بمخاطر المواد المخدرة والمسكرة والحبوب المهدئة على الصحة العامة للشخص كذلك ما تتركه من اثار مستقبلية اذ ما ادمن عليها .
متابعة سلوك الابناء داخل المنزل وخارجه والجلوس مع اصدقائهم والتعرف عليهم وعلى اسرهم ضماناً للرفقة الصالحة التي تحصن الابناء من الوقوع في فخ الادمان .
ان يكون دور الاسرة دوراً وقائياً من خلال تنسيق جهودها الذاتية في تدريب ابنائها على المواجهة الايجابية وكيفية التعامل مع المتغيرات والدوافع , فهم يعتمدون على الخزين الذي جمعوه من اسرهم من الحب والتوجيه والحنان والتفهم …الخ , لان ذلك يجعل فترة مراهقتهم خالية إلى درجة كبيرة من الادمان او التعاطي .
ان الهدف الاساسي من ابراز دور التنشئة الاجتماعية الاسرية في هذا المجال هو الوقاية من مخاطر الادمان بكل صوره واشكاله , حماية لأبنائنا الشباب من خلال تقوية دفاعاتهم الاجتماعية والنفسية , ودعم قيمهم الانسانية , بجعل فرصة اقدامهم على تناول المواد المخدرة والانحراف فرصة ضئيلة او مستحيلة , لان الوقاية خير من العلاج دائماً .