
الطلاق عام 2024 أزمة متصاعدة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2025-04-30 10:04:48
الطلاق عام 2024 أزمة متصاعدة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع
الباحث
مصطفى رحيم الغراوي
قسم الدراسات الاجتماعية
تتزايد حالات الطلاق بشكل غير مسبوقا في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة التي يشهدها مجتمعنا، مما ينذر بخطر يهدد استقرار الأسرة العراقية ومستقبل الاجيال القادمة، فقد سجلت المحاكم العراقية خلال عام 2024 ما يقارب 72,842 حالة طلاق، بمتوسط 200 حالة يوميا، وهو رقم يعكس تفاقم هذه الظاهرة وتحولها إلى أزمة تهدد النسيج الاجتماعي لأنهيضعف من مكانة الأسرة كمؤسسة تربوية وقيمية وينعكس سلبا على الأطفال من حيث الاستقرار النفسي والسلوكي، ويزيد من احتمالية تعرضهم لمشاكل تعليمية واجتماعية، كما يفرض أعباء اقتصادية ونفسية على الطرفين، ويزيد من تفشي مظاهر الانعزال والانحراف في المجتمع، ورغم هذه الإحصاءات الرسمية، فإن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير، حيث لا تزال العديد من حالات الزواج والطلاق غير مسجلة، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى الرقابة القانونية الصارمة.
وتتنوع الأسباب التي تدفع العلاقات الزوجية نحو الانهيار، وتصدرت الخلافات الأسرية المتزايدة مقدمة العوامل المؤدية إلى الطلاق، حيث تتصاعد المشكلاتبين الأزواج نتيجة اختلاف الاطباع وتباين التوقعات وضعف القدرة على التفاهم والتكيف مع متغيرات الحياة، كما يلعب العنف الأسري دوراً رئيسيا في تدمير الاستقرار الزوجي، حيث يدفع التعنيف اللفظي والجسدي العديد من النساء إلى البحث عن الخلاص عبر الطلاق، في ظل بيئة اجتماعية لم تعد تتسامح مع الانتهاكات المستمرة داخل الأسرة، والخيانة الزوجية سواء العاطفية أو الإلكترونية، فقد تحولت إلى قنبلة موقوتة تهدد الكثير من العلاقات، حيث زرعتبذور الشك وانعدام الثقة بين الأزواج، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات وانفصال الشريكين كما تشكل التحديات الاقتصادية عبئاً تقيلاً على العوائل ، حيث ادىارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم الأزمات المالية إلى زيادة الضغوط النفسية، ما يجعل الحياة الزوجية أكثر هشاشة وعرضة للانهيار.
ورغم أن هذه العوامل تعد من أبرز أسباب الطلاق، إلا أن هناك جذوراً أكثر عمقاً تساهم في تفكك الأسرة، أبرزها ضعف الوعي بالحقوق والواجبات بين الزوجين، وفهم أساليب التواصل وحل الخلافات وبناء علاقة قائمة على الاحترامو التفاهم والمودة، بما يضمن استقرار الحياة الزوجية ونجاحها ، حيث يدخل العديد من الأزواج إلى مؤسسة الزواج دون إدراك حقيقي لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، مما يجعلهم غير قادرين على التعامل مع التحديات اليومية التي تفرضها الحياة الزوجية، كما أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي أصبح عاملاً مؤثرا في زيادة الخلافات، حيث يؤدي إلى خلق مقارنات غير واقعية بين الأزواج، ويشعل فتيل الشكوك وسوء الفهم، ناهيك عن تأثيره على التواصل الحقيقي داخل الأسرة. ومن العوامل التي تساهم في انهيار الزواج أيضًا التدخل العائلي المفرط، حيث يتسبب تدخل الأهل في القرارات الزوجية، سواء بحسن نية أو بدافع السيطرة، في زيادة التوترات ودفع العلاقة نحو الانفصال.
وفي ظل هذا التزايد المقلق لحالات الطلاق، يصبح من الضروري البحث عن حلول جذرية وفعالة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد استقرار المجتمع. إن تعزيز الوعي الأسري ونشر ثقافة الزواج الناجح من خلال برامج التوعية والاستشارات الزوجية يمكن أن يلعب دورا محوريا في تقليل نسب الطلاق،كذلك من الضروري أن تتكاتف الجهود بين المؤسسات الدينية والاجتماعية والقانونية لإيجاد حلول مستدامة تعيد التوازن للعلاقات الزوجية، وتساهم في بناء أسر أكثر استقرارا وتماسكا
إن الزواج ليس مجرد ارتباط قانوني، بل هو ميثاق مقدس ومسؤولية مشتركة تتطلب وعياً وتفاهماً وتضحيات متبادلة. وإذا لم يتم العمل بجدية على معالجة الأسباب العميقة التي تؤدي إلى الطلاق، فإن معدلاته ستظل في تصاعد مستمر، مما يهدد بنية مجتمعنا ويضع مستقبل الأسرة أمام تحديات غير مسبوقة