هل الولایات المتحدة تتخلی عن النظم العالمي الذي أنشأته؟

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 20:38:37

بدءاً من منتصف القرن العشرین، أنشأت الولایات المتحدة وبشكل تدریجي وسّعت، نظاماً عالمیاً وفّر لمعظم البشریة مستویات لم یسبق لها مثیل من الأمن والرخاء.

لقد استفادت الولایات المتحدة ایضاً، لكن لیس بقدر البعض، وأمریكا ایضاً تحمّلت تكالیف باهظة الثمن للحفاظ علی هذا النظام. الثلاثاء الماضي كان یبدو أن معظم الأمریكیین یقولون كفی؛ حان الوقت لإتفاق جدید.

في نهایة الحرب العالمیة الثانیة، انتجت واستهلكت الولایات المتحدة ما یقارب نصف ثروة العالم. عبر ربع القرن التالي، إنخفضت هذه الحصة إلی الربع، وإلی حد كبیر لصالح الأعداء السابقین للولایات المتحدة والحلفاء الأوروبیین.

نمت هذه البلدان أسرع من الولایات المتحدة، وبحلول نهایة العقد ۱۹۷۰ كان هناك في أمریكا تحذیر آخذ في التزاید بشأن قوتهم النامیة، خاصة بشأن الیابان، التي كانت تتمتع بفائض تجاري ضخم ومستمر علی حساب أمریكا.

في نهایة المطاف إنخفضت معدلات النمو الأوروبیة والیابانیة إلی المستویات الأمریكیة او حتی أقل منها، لكن تم إستبدالها بجهات متحدّیة جدیدة. خلال العقود الأخیرة، توسّعت الصین، الهند، النمور الآسیویة الأخری، وعدد من البلدان النامیة في مناطق أخری بشكل أسرع بكثیر من الولایات المتحدة.

تم تخلیص مئات الملایین من الناس من الفقر. إنتشرت الدیمقراطیة من عدد قلیل من البلدان في شمال المحیط الأطلسي إلی نصف العالم.

دفعت التجارة الحرة بشكل عام، والتوصّل إلی السوق الأمریكية علی وجه التحدید، نحو الكثیر من هذا النمو. الإلتزامات الأمنیة الأمریكیة في اوروبا وآسیا قد ضمنت السلام.

لكن الولایات المتحدة تنفق علی الدفاع عن هذه المناطق اكثر مما ینفق سكان المناطق علی انفسهم. ولقد أنفقت الولایات المتحدة بالدم و‌المال ایضاً، تعاني من خسائر اعلی بكثیر في كوریا، فیتنام، العراق وافغانستان اكثر من الأعضاء الأخرین في التحالفات الدولیة التي إنضمت إلی هذه المعارك.

لیست الولایات المتحدة البلد الوحید الذي إبتعد‌ عن العولمة. هذا الرد الفعل الشعبوي‌ یبدو شائعاً بالنسبة لمعظم العالم الغربي. لكن الولایات المتحدة قد تكون البلد الوحید الذي لا یمكن إستمرار النظام العالمي من دونه.

أشارت مادلین اولبرایت في وقت ما إلی امریكا بإعتبارها بلداً لا غنی عنه، وتعني من خلال ذلك أن الولایات المتحدة بفضل حجمها، ثروتها وقوتها، تقوم بأداء دور فرید، تعمل كحجر الزاویة للنظام العالمي بطریقة لا یمكن لأي بلد آخر أن یحل مكانها. نحن قد نكون علی وشك إختبار تلك القضیة. او ربما لا. دونالد ترامب هو صانع الصفقات والذي یتفاخر بمهاراته التفاوضیة. ربما قد لا ینسحب فقط من إتفاقیة التجارة الحرّة لأمریكا الشمالیة، یفرض القیود علی الواردات الصینیة، یتراجع عن الإلتزامات الأمریكیة في الناتو والدفاع الأسیوي، یتراجع عن تعهدات التغییر المناخي وینبذ إتفاقیة القوی الست النوویة مع إیران. بل، یبدو من المحتمل أنه یبحث عن صفقات افضل.

هل قد یكون كذلك؟ إعادة فتح الإتفاقیات تسمح لجمیع الأطراف وضع مطالب جدیدة. هل هناك تداعیات فوز- فوز لبعض هذه المفاوضات المحتملة؟

بالتأكید، یجب علی شركاء أمریكا حول العالم أن یلاحظوا فقط ما یمكن أن یطالبوا به إن كان الرئیس ترامب یسعی نحو إعادة فتح الباب أمام مساومات طویلة الأمد. ربما قد یمكن تحدیث النظام العالمي اللیبرالي الذي قد جلب الكثیر من الأمن والرخاء للكثیر من الناس، بدلاً من التخلي عنه. لكن إن كان كذلك من المحتمل أن توجد هناك الكثیر من المساومات الصعبة‌ علی الطریق.

هذا المقال ظهر بدایة في النیوزویك في 14 نوفمبر 2016.

 

 

[i]  جیمس دابینز، زمیل بارز في مؤسسة RAND غیرالربحیة وغیرالحزبیة،‌ عمل مساعداً لوزیر الخارجیة في امور اوروبا منذ ۲۰۰۰ حتی ۲۰۰۱ وكان سفیراً في المجتمع الأوروبي من ۱۹۹۱ حتی ۱۹۹۳.