
ترامب ….. غورباتشوف أمريكا
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2025-03-09 08:09:18
ترامب …..
غورباتشوف أمريكا
الباحث
زهير حمودي الجبوري
قسم الدراسات السياسية
مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية
2025/3/5
مشادة كلامية تاريخيّة تحت أضواء الإعلام وبالنقل الحي، خالفت كل الأعراف الدبلوماسية والسياقات البروتوكولية المنظمة للعلاقات الدولية ،كان مسرحها البيت الأبيض وبطلاها الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الاوكراني زيلنسكي، وموضوعها هو الفصل الاخير من مسرحية الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث ترى أمريكا الشركة التي أخرجت المسرحية والمنتج الذي مولها ماليا ولوجستيا بمساهمة أوربية أنهاء العرض المسرحي كونها فقدت ميزتها الربحية وصارت تكلفتها أكبر من مردوداتها النفعية حسب الخلفية التجارية لرئيس الشركة الجديد دونالد ترامب، فيما يرى متقمص دور البطولة لها الرئيس الاوكراني ضرورة الاستمرار في العرض، وأن السنوات الثلاثة للعرض لم تكفي لإتمام نجوميته العالمية وخوفا على خفوت دوره البطولي على المسرح العالمي والمحلي رغم تراجيدية المشاهد وبؤسها .
ورغم أنتهاء المشهد المسرحي للمشادة الكلامية ألا ان العرض المسرحي مستمر وشهد فصولا جديدا وظهور مخرجين ومنتجين جدد لاستمرار العرض رغم قساوة المشاهد للجمهور ولكنها رغبة المنتفعين والممولين الجدد .
ترامب … المخرج والمنتج :
أستطاع الرئيس الأمريكي ترامب توظيف خلفيته التجارية في كسر الجمود في التقاليد السياسية السائدة و بالسياقات الدبلوماسية وأحدث هزة في علاقته بالجميع سواء كانو أصدقاء او اعداء سعيا وراء نسج طبيعة جديدة لعلاقات أمريكا مع العالم تختلف عن مساراتها قبل توليه الرئاسة .
و منذ توليه رئاسة البيت الأبيض أثار الرئيس ترامب جدلا واسعا في الداخل الأمريكي كما في الخارج بسبب جملة من المواقف والتصرفات منها أصداره 79 أمرا تنفيذيا في شؤون محلية ودولية برغبة أحداث تغيير جذري في النظام القائم، وجاء مشهد المشادة الكلامية ليطلق العنان للانقسام الذي بات واضحا في تصريحات النواب الجمهوريين والديمقراطيين، فقد عبر النائب الديمقراطي - دون بيكون - على المشهد قائلا ( إنه يوم سيئ للسياسة الخارجية الأميركية، أوكرانيا تريد الاستقلال والأسواق الحرة وسيادة القانون. إنها تريد أن تكون جزءا من الغرب، روسيا تكرهنا وتكره قيمنا الغربية. ويتعين علينا أن نؤكد أننا ندافع عن الحرية)، فيما طلب السيناتور الجمهوري - لينزي غراهام- من زيلنيسكي تغيير أسلوبه او الاستقالة وقال بعد المشادة ( ما رأيته في المكتب البيضاوي ينم عن عدم احترام، ولا أعرف ما إذا كان بإمكاننا التعامل مع زيلينسكي مرة أخرى). أما شعبيا فهناك من يشكك في قدرات ترامب العقلية والمعرفية ويعتبره غير مهيأ للحكم في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها النظام العالمي، بينما يرى اخرون فيه سياسيا عبقريا وغير تقليدي ويمثل الوجه الحقيقي للسياسة الخارجية التي تكرس الهيمنة العالمية لأمريكا وتفرض الأمر الواقع على الخصوم والحلفاء .
ويصف الكاتب الأمريكي المعروف - توماس فريدمان - هذا المشهد بأنه يمثل أهانة لقيم أمريكا في السياسة الخارجية الداعمة للديمقراطية والرافضة الديكتاتورية ويقول ( كيف سمحت أمريكا لرئيس مثل ترامب أن يقف بأسم أمريكا علناً وبشكل فاضح مع المعتدي والجاني ضد صاحب الارض ) ومن ثم حذر من مخاطر تداعيات هذا الموقف مذكرا بأحداث تاريخية ( من تكرار خطأ أمريكا بدعمها الجيش الاحمر للسوفيت بغية القضاء على الديكتاتور الالماني وبعدها هجم الجيش الأحمر بشكل همجي وانتقامي على ألمانيا هذا البلد الجميل وسمح للسوفيت بانتهاك المانيا).
تصرفات ترامب خلقت صراعا بين شعبوية ترامب الذي يسوق نفسه كقائد التغيير ودولة المؤسسات الديمقراطية، ونتيجة هذا الصراع تساهم في صنع الصورة المستقبلية للنظام السياسي الأمريكي والنظام العالمي ،فهل سيكون ترامب هو نسخة غورباتشوف أمريكا ؟
ترامب …. والاتحاد الأوربي :
المتابع لخطوات الرئيس الأمريكي ترامب في السياسة الخارجية يكتشف غياب وجود أطار أيديولوجي يحدد مسار ترامب في الملف الخارجي، بل يلحظ وبوضوح الفوضى والجهل ورؤية شعبوية لا تتلائم مع الضروف الدولية العالمية، ويرى - روبرت بلاكويل -( ان ترامب ورث نتائج فشل ادارات سابقة في عدة قضايا خارجية هامة .ولكن ترامب يتأرجح بين البدائل السياسية تجاه قضية ما، عدة مرات في نفس اليوم، ولايمكن التعويل على وجود استراتيجية او مبدأ للرئيس، يمكن من خلاله توقع القرار القادم لترامب).
يعتمد ترامب في رئاسته السابقة والحالية سياسة الضغط الجيوسياسي على حلفاء أمريكا ومنها حلف الناتو الحليف الاقوى والأقرب لأمريكا والمتوافق مع سياستها الخارجية ويشكل أحد أعمدة النظام العالمي الحالي ،وأول هذه الضغوط مطالبة ترامب لدول حلف الناتو بزيادة حجم الإنفاق الدفاعي لها والتخفيف عن كاهل أمريكا ،بل ذهب أكثر من ذلك وتسائل عن جدوى بقاء أمريكا في هذا الحلف، وكان هذا التسائل من المحرمات في السياسة الخارجية ويتعارض مع الفكرة التي نشأ عليها حلف الناتو والتي عبر عنها اللورد - هاستينج إيسمي- الامين العام الاول للحلف ( ان الحلف يهدف إلى بقاء روسيا خارج اوربا ،وأمريكا داخل اوربا ،والمانيا داخل حدودها ) بينما يسعى ترامب اليوم إلى ادخال روسيا إلى اوربا واخراج أمريكا منها إذا ما طبق سياسته بإرغام أوكرانيا على الاستسلام والتخلي عن أراضيها لروسيا دون الرجوع إلى اوربا التي تجد في هذه الخطوة تشجيع لعودة التمدد الروسي في اوربا وتحديا لقدرات حلف الناتو الذي وصفه الرئيس الفرنسي - إيمانويل ماكرون - ( أن الحلف يعاني من الموت الدماغي ).
هذا الموقف دفع دول الناتو بعقد قمة اوربية دعت اليها بريطانيا وفرنسا وبحضور زيلنسكي اكدت على دعم أوكرانيا ورئيسها في الدفاع عن نفسها امام الهجوم الروسي بالمال والسلاح والمواقف السياسية بالضد من الموقف الأمريكي الذي انفرد بالتفاوض مع الجانب الروسي متجاوزا الاتحاد الأوربي، بنفس الوقت حاولت دول الحلف أعادة الروح اليه من خلال الدعم الذاتي بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سخر منه الرئيس ترامب بقوله ( لم تنجح فكرة الجيش الأوربي بشكل جيد في الحرب العالمية الاولى والثانية ،لكن أمريكا كانت هناك من اجلكم).
ووفقا لدراسة أعدها - سكوت أندرسون- ( إذا رغب الرئيس ترامب الانسحاب من الناتو فلن يستطيع الكونغرس أيقافه، ففي القضايا السياسة للرئيس اليد العليا)، وهذا مادفع بعض النواب على حث الكونغرس أصدار قانون يمنع الانسحاب من حلف الناتو إلا بموافقة ثلثي اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب.
لذلك يرى الخبراء ان الفائدة الجيوسياسية التي تحققها الولايات المتحدة من وجودها في حلف الناتو تفوق أي تكلفة مادية تتكبدها، وان الإيجاب من حلف الناتو تفقد أمريكا عشرات القواعد العسكرية البحرية والبرية والجوية تؤمن دعم للمصالح الأمريكية في اوربا والعالم، وأن اي افتراق بين أمريكا وحلف الناتو سيعجل حتما بظهور نظام عالمي جديد ،يحتم على اوربا اعادة الروح لحضورها الثقافي وعمقها التاريخي وقدراتها العسكرية لتعاود ظهورها العالمي في عالم متعدد الأقطاب تكون فيه اوربا سيدة نفسها والقطب العالمي الذي يمثل ثقل اوربا وقوتها .