
الانحراف الفكري بين التطرف والاعتدال
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2025-03-09 04:53:10
الانحراف الفكري بين التطرف والاعتدال
الباحث احمد مزاحم هادي
قسم التطرف العنيف
يعد الفكر المحرك الأساسي لسلوك الأفراد والمجتمعات، فهو الذي يشكل الشخصية ويحدد القيم والمعتقدات التي تنظم طريقة التعامل مع الآخرين، كما يؤثر بشكل مباشر على القرارات والاختيارات الحياتية اليومية، إلا أن هذا الفكر قد ينحرف عن المسار الصحيح بفعل عوامل داخلية أو خارجية، مما يؤدي إلى وقوع الفرد في أحد طرفي النقيض، بين التشدد والتطرف من جهة، أو التفريط والتهاون من جهة أخرى،وبين هذين الحدين، يظل الاعتدال هو النهج الأمثل الذي يحقق التوازن والاستقرار للمجتمعات.
يأخذ الانحراف الفكري أشكالاً متعددة يمكن التعرف عليها من خلال سلوكيات الأفراد، إلا أن خطورته تتزايد مع التطور والانفتاح التكنولوجي، حيث ظهر ما يُعرف "التطرف الرقمي"، وهو من أخطر أشكال الانحراف الفكري نظراً لتأثيره الاجتماعي والسياسي والأمني المباشر وغير المباشر على النسيج المجتمعي، خاصة فئة الشباب والأطفال الذين يُعتبرون الأكثر تأثراًبالمحتوى الرقمي، فمع تدفق المعلومات والانفتاح غير المراقب على الأفكار الخارجية، أصبح الشباب عرضة لتبني معتقدات مغلوطة نابعة من جهل بثقافات الآخرين الحقيقية، مما يدفع البعض إلى ممارسة العنف اللفظي والجسدي ضد من يختلف معه في الرأي، وفي كثير من الأحيان، يرتبط التطرف الفكري بخطاب الكراهية والتحريض، مما يؤدي إلى خلق بيئة غير متسامحة تتسم بالصراع والتوتر.
كما أن مفهوم “الانحراف الفكري” لم يحظَ بتعريف دقيق نظراً لتعدد جوانبه، حيث يُطلق عليه أحياناًمسميات مثل التطرف، والتشدد، والإرهاب، إضافة إلى كونه يتفرع إلى مجالات مختلفة، منها الانحراف الفكري الديني، والسياسي، والإعلامي. وبوجه عام، يمكن القول إن الانحراف الفكري هو كل فكر يخرج عن القواعد الدينية والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تحكم المجتمع.
ويرجع التطرف الفكري إلى مجموعة من العوامل التي تدفع الأفراد إلى تبني أفكار متشددة تتعارض مع قيم المجتمع، ومن أبرز هذه العوامل الفهم الخاطئ للنصوص الدينية والفكرية، حيث يتم تأويلها بطريقة منحرفة تؤدي إلى التشدد، إضافة إلى البيئة الاجتماعية المتشددة التي ترفض الحوار والانفتاح وتعزز الفكر الأحادي المتطرف.
كما يلعب التأثير الإعلامي السلبي دوراً كبيراً في نشر التطرف من خلال الترويج للأفكار المتشددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة،وتعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مثل الفقر والبطالة من العوامل المؤثرة أيضاً، حيث تدفع بعض الأفراد للبحث عن مبررات تفسر إحباطهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للانخراط في الفكر المتطرف.
ولا تقتصر خطورة الانحراف الفكري على الأفراد فحسب، بل تمتد إلى المجتمع ككل، حيث يؤدي إلى انتشار العنف والإرهاب، مما يهدد أمن واستقرار المجتمعات.
كما يتسبب في تفكك النسيج الاجتماعي نتيجة تصاعد التعصب والصراعات بين أفراده، فضلًا عن تعطيل عجلة التقدم بسبب انشغال المجتمع بالصراعات الفكرية بدلاً من التركيز على البناء والتطور، وفي ظل هذه التحديات، يبقى الاعتدال هو الحل الأمثل لمواجهة الانحراف الفكري، حيث يضمن التوازن بين الحرية الفكرية والالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية، ويعزز ثقافة الحوار والتسامح، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومتطور قادر على مواجهة مختلف التحديات.